معارك حول اليهود في الفكر الفرنسي

الشعور بالعداء تجاههم مستمر في فرنسا وغيرها لكنه تحول إلى مصدر قوة

مشهد من الفيلم السويسري «ظلال الملائكة» الذي اتهم بمعاداة السامية ودافع عنه الفيلسوف دولوز
مشهد من الفيلم السويسري «ظلال الملائكة» الذي اتهم بمعاداة السامية ودافع عنه الفيلسوف دولوز
TT

معارك حول اليهود في الفكر الفرنسي

مشهد من الفيلم السويسري «ظلال الملائكة» الذي اتهم بمعاداة السامية ودافع عنه الفيلسوف دولوز
مشهد من الفيلم السويسري «ظلال الملائكة» الذي اتهم بمعاداة السامية ودافع عنه الفيلسوف دولوز

اقترن وضع اليهود في فرنسا في العصر الحديث بقضية شهيرة كانت نقطة تحول في وضع اليهود والموقف الأوروبي ثم الغربي عمومًا تجاههم. تلك كانت قضية الضابط الفرنسي اليهودي دريفوس الذي اتهم عام 1894 بالخيانة ونهض بعض المثقفين الفرنسيين، بقيادة الروائي إميل زولا، للدفاع عنه بحجة أن التهمة الموجهة ضده كانت بسبب كونه يهوديًا. وكانت تبرئة دريفوس بعد سجنه خمسة أعوام ومحاكمته مرة أخرى انتصارًا لمناهضي العنصرية وما نظر إليه منذ ذلك الحين على أنه معاداة للسامية.
بعد الحرب العالمية الثانية عادت قضية اليهود الفرنسيين بشكل عام لتلح من جديد بعد ما حدث لهم على يد النازية وعودة الناجين منهم إلى بلادهم. أثار ذلك سؤال الموقف من اليهود مرة أخرى فتناولها عدد من الكتاب الفرنسيين كان أبرزهم جان بول سارتر الذي أصدر عام 1946 كتابًا بعنوان «تأملات في المسألة اليهودية» شجب فيه سارتر معاداة اليهود (أو معاداة السامية) في محاسبة للضمير الفرنسي الذي اتهمه أحد أكبر كتاب فرنسا عندئذٍ بالموقف العنصري تجاه فئة تعد جزءًا من الشعب الفرنسي.
ومع أن أوضاع اليهود في أوروبا كانت طوال القرون الماضية، تحديدًا منذ عصر نابليون وخروجهم من الغيتوهات المضروبة حولهم، محل جدل وخلاف متوتر على مختلف الصعد وإلى حد يقترب من العنف أحيانًا، فقد انفردت فرنسا بأن معاركها تلك صارت جزءًا بارزًا، قد لا نبالغ لو قلنا جزءًا صارخًا، من حياتها الفكرية والجدل الذي لا ينتهي بين مثقفيها وفلاسفتها وإعلامييها. ولم يكن اليهود أو ما عرف بالمسألة اليهودية هي التي استأثرت بالجدل الحاد، فقد كانت هناك دائمًا قضايا أخرى كثيرة عالية القيمة والأهمية، لكن ما ميز المسألة اليهودية هو ارتباطها ببعض تلك القضايا أو المسائل البالغة الأهمية مثل الهوية والمبادئ الفرنسية، لا سيما تلك التي تباهي بها فرنسا بوصفها مبادئ الثورة الفرنسية وركائز التنوير، أي الحرية والأخوة والمساواة. وكان لليهود دائمًا وضع خاص بين شرائح المجتمع الفرنسي، كما هو الحال في مجتمعات غربية أخرى، وضع يعود إلى تاريخهم الديني والعرقي وحضورهم القديم والمتجذر في لحمة الحياة والثقافة في الغرب، وهو حضور إشكالي، بل عالي الإشكالية، بطبيعته نتيجة لخلاف ديني وعداء متأصل.
كان ذلك التاريخ يخطر ببالي وأنا أقرأ بعض ما كتبه المفكرون الفرنسيون في هذه المسألة التي شغلتني منذ أيام اشتغالي على كتاب «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» (2007) ووجدت الكثير مما يعيدني إلى بعض المسائل العالقة في التاريخ الأوروبي والغربي عمومًا نتيجة للحضور اليهودي وتأثيره. وكان مما عثرت عليه كتاب الفيلسوف الفرنسي آلان باديو بعنوان «تأملات في معاداة السامية» الذي نشر عام 2011 وترجم إلى الإنجليزية عام 2013. ولأن باديو من أبرز فلاسفة فرنسا بل أوروبا المعاصرين والأحياء فقد اكتسب كتابه بالنسبة لي أهمية خاصة لأنه يؤكد استمرار الجدل في بيئة أوروبية يظن البعض أنها قد تصالحت مع العناصر اليهودية فيها أو أن اليهود قد اندمجوا حتى لم يعد هناك مبرر لمشاعر عداء تجاههم في معقل الفكر التنويري ومصدر الثورة التي يؤرخ بها الكثيرون لميلاد الحرية في هذا العصر.
ما يتبين من كتاب باديو وغيره هو أن الشعور بالعداء تجاه اليهود مستمر في فرنسا وغيرها، لكن ما يتبين أيضًا هو أن ذلك الشعور تحول من مصدر تهديد إلى مصدر قوة لبعض اليهود تمامًا كما هو الحال مع المحرقة (الهولوكوست). فالمحرقة التي تجرّم الكثير من القوانين الأوروبية إنكارها صارت سيفًا مسلطًا على الرقاب يقيد الكلام بل وأساليب التفكير قبل التعبير. وكذلك هو الحال مع مشاعر العداء التي يختلف وضعها القانوني لكن عقوبة التعبير عنها تصدر عن قوة الخطاب الثقافي والاجتماعي وبالتالي السياسي، فهي تهمة جاهزة تنتظر أي إيحاءات في كلمة أو عبارة بغض النظر عن المقصود منها. فسارتر مثلاً، على الرغم من دفاعه القوي واندفاعه العاطفي في مهاجمة من يعادون اليهود يُنتقد لأنه لم يشر بشكل واضح وبإدانة لا ريب فيها للهولوكوست.
في عام 1976 نشر فيلسوف فرنسي شهير آخر هو جيل دولوز مقالة في صحيفة «اللوموند» حول فيلم للسويسري دانييل شميد عنوانه «ظلال الملائكة» تضمن شخصية يهودية يشار إليها بـ«اليهودي الثري». أشار دولوز إلى أن الفيلم اتهم بمعاداة السامية وأنها تهمة باطلة، محللا الفيلم وداعيًا قراءه لمشاهدته والحكم عليه متسائلاً عما إذا كان مجرد استخدام كلمة «يهودي» مدعاة للاحتجاج: «إن ما يحدث أشبه بمحاولة حجب كلمة عن القاموس»، ومتهمًا «عصبة معاداة السامية» بأنها تربط مجرد استخدام تلك الكلمة بمعاداة السامية. ما يحدث، حسب دولوز، هو نوع أو أنواع من الفاشية الجديدة التي تهدد مجتمعات مثل المجتمع الفرنسي: «مهما تكن الفاشية القديمة حقيقية وقوية في الكثير من البلدان، فإنها ليست المشكلة التي تواجهنا اليوم». الفاشية الجديدة، التي تكمن في «الاتفاق العالمي حول الأمن، حول المحافظة على (السلام)، لا تقل رعبًا عن الحرب». تلك الفاشية الجديدة تكمن في عدم القدرة على التعبير عن أنواع معينة من القلق أو المخاوف، الخوف من إظهار الاختلاف أو الاحتجاج على سلوك ما أو قلق ما. تهمة معاداة السامية، بتعبير آخر، مظهر آخر من مظاهر تلك الفاشية التي بات أحد مفكري فرنسا يخشى من أن يتهم بها. وبالفعل فقد اتهم دولوز بتلك التهمة ليس لدفاعه عن الفيلم السويسري، الذي منعت عرضه وزارة الثقافة الفرنسية عام 1977. وإنما بالدرجة الأولى لمواقفه المناهضة لإسرائيل ودفاعه عن الفلسطينيين كما في عنوان الحوار الذي دار بينه وبين الكاتب الفلسطيني إلياس صنبر تحت عنوان «هنود فلسطين»، حيث يُشبه الفلسطينيين بالهنود الحمر للإشارة إلى محاولة إسرائيل التخلص منهم كما فعلت أميركا مع الهنود.
ما كتبه دولوز وباديو وغيرهما من مفكري فرنسا شكل موضوعًا لكتاب أصدره عام 2015 الباحث الفرنسي إريك مارتي عنوانه «الفكر الفرنسي المتطرف وعودة (المسألة اليهودية)». ومارتي من المنافحين عن اليهود وممن يكيلون تهمة معاداة السامية لمن ينتقدهم، وما نشره يؤكد أن ما أشير إليه هنا بات بالفعل ظاهرة واضحة ولافتة للاهتمام وجديرة بالتحليل. لكن لأن الظاهرة أكبر من إمكانية تناولها بشكل شامل في هذا الحيز سأكتفي بما ذكرت لأشير في مقالة قادمة إلى بعض ما كتبه آلان باديو حول موضوع اليهود ومعاداة السامية، الموضوع الذي يهمنا في هذا الجزء من العالم على نحو لم تعرفه فرنسا أو الغرب بشكل عام.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.