مصادر دبلوماسية في نيويورك: جهات قلقة من الدور الإقليمي للسعودية وراء زج التحالف في التقرير المسيء

كشفت لـ «الشرق الأوسط» وجود أطراف متنفذة تمارس مهام الأمين العام.. وردود عربية وخليجية مرحبة بقرار حذف التحالف من قائمة انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن

محافظ مأرب سلطان العرادة يقدم هدية لأحد المجندين الأطفال الحوثيين الذين تم الإفراج عنهم (رويترز)
محافظ مأرب سلطان العرادة يقدم هدية لأحد المجندين الأطفال الحوثيين الذين تم الإفراج عنهم (رويترز)
TT

مصادر دبلوماسية في نيويورك: جهات قلقة من الدور الإقليمي للسعودية وراء زج التحالف في التقرير المسيء

محافظ مأرب سلطان العرادة يقدم هدية لأحد المجندين الأطفال الحوثيين الذين تم الإفراج عنهم (رويترز)
محافظ مأرب سلطان العرادة يقدم هدية لأحد المجندين الأطفال الحوثيين الذين تم الإفراج عنهم (رويترز)

قالت مصادر دبلوماسية في نيويورك، أمس، إن زج اسم التحالف العربي في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الأطفال والنزاعات المسلحة كانت عملية مبرمجة ومقصودة، وهدفها لي ذراع السعودية ودول التحالف العربي.
وأضافت المصادر الدبلوماسية الرفيعة أن الغرض من إضافة التحالف العربي للقائمة السوداء، الذي تم في اللحظات الأخيرة قبل نشر التقرير، كان يهدف إلى إدخال السعودية إلى «بيت الطاعة» وهو الأمر الذي لم تستطيعه. وكانت الشرق الأوسط قد كشفت ملابسات زج اسم التحالف العربي في اللحظات الأخيرة في قائمة التقرير، الأمر الذي أدى إلى كثير من التساؤلات داخل أروقة الأمم المتحدة عن الجهة التي أمرت وقررت إضافة اسم التحالف. وتراجعت الأمم المتحدة وحذفت التحالف من القائمة، بعد جهود مضنية قادتها الدبلوماسية السعودية.
وقال مصدر دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»، طلب عدم ذكر اسمه، إن الأمين العام لا يقرأ دائما التقارير التي تكتب باسمه، وأن وظيفته هي التوقيع موضحا أن «هناك من يملي عليه ما يتم ذكره في التقارير». وقال المصدر إن السعودية يتم استهدافها لأنها تقف ضد الأطماع الإيرانية في المنطقة، وإن الإشارة إلى اسم السعودية والتحالف العربي في التقارير الدولية ما هو إلا محاولة لوقف الصحوة السعودية العربية ضد أطماع الأعداء في الأرض العربية. وأشارت المصادر إلى أن كي مون لا يستطيع التحكم بأمره بتاتا، فعمت الفوضي داخل الأمم المتحدة، التي أمست لوبيات ذات مصالح وطنية وإقليمية تتحكم في مصير القرار السياسي الذي على الأمين العام التوقيع عليه، بصفته رئيس السلطة التنفيذية في هيئة الأمم المتحدة. إلا أن قرب انتهاء فترة حكمه، وانشغاله بالمؤتمرات الدولية الكثيرة وتنقلاته المتكررة خارج المقر، مكنت اللوبيات من الإمساك بزمام الأمور.
وأشارت المصادر إلى أن هذه اللوبيات غير راضية عن أداء السعودية الناجح ولا سيما في خلق «تحالف عربي إسلامي عسكري» بقيادتها لإعادة الحكومة الشرعية إلى اليمن، وكذلك التزامها الثابت بالمبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية حيث طلب منها مؤخرا، بحسب المصادر خلال مؤتمر باريس الأخير، إجراء تعديلات على مبادرتها التي أطلقتها أيضا تحت اسم «المبادرة العربية».
يذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أعلن أمس حذف اسم التحالف من التقرير الذي سيناقشه مجلس الأمن في شهر أغسطس (آب) المقبل. وقال في بيان صدر باسمه، أنه «وافق على اقتراح المملكة العربية السعودية بأن تقوم الأمم المتحدة والتحالف العربي بقيادة السعودية، باستعراض الحالات والأرقام المذكورة في نص التقرير معا» وقال إنه يشارك الهدف في ضرورة أن يعكس التقرير أعلى مستوى من الدقة الممكنة. وفي هذا الصدد، قال كي مون إنه يدعو أن يقوم التحالف بإرسال فريق إلى نيويورك في أقرب وقت ممكن لإجراء مناقشات مفصلة، قبل مناقشة مجلس الأمن لتقرير المقرر حاليا لشهر أغسطس، وفي انتظار نتائج الاستعراض المشترك، يزيل الأمين العام اسم التحالف، من القائمة المرفقة بالتقرير.
وأكد المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، أن الشطب نهائي، مشيرا إلى أنه يقدم شكره للأمين العام. وقال في تصريحات صحافية إننا «نعتقد أن هذا الإجراء يعتبر تأكيدا للموقف السليم الذي اتخذته المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من دول التحالف، ويعتبر تأكيدا لما سبق أن أعلنا عنه وهو ضرورة أن تستند تقارير الأمم المتحدة إلى معلومات كاملة ودقيقة، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة ونحن على استعداد للتعاون مع الأمم المتحدة لتزويدها بكل التقارير اللازمة في هذا الشأن. أود أن أؤكد أن رفع اسم التحالف هو رفع نهائي وغير مشروط وغير قابل للرجوع فيه، وسيكون تصحيحا للإجراء الذي اتخذ سلفا».
من جهة ثانية، رحب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، بقرار الأمانة العامة للأمم المتحدة بحذف التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن من قائمة انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن الواردة في ملحق تقرير الأمين العام السنوي، بعد أن تبين لها عدم دقة المعلومات التي استند إليها التقرير وافتقادها للموضوعية. وقال الدكتور عبد اللطيف الزياني إن دول مجلس التعاون تثمن مبادرة الأمانة العامة للأمم المتحدة بتصحيح هذا الخطأ الإداري تأكيدا لمصداقية الأمم المتحدة ومسؤوليتها الدولية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. وأكد الأمين العام أن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية حريصة على سلامة المدنيين اليمنيين بمن فيهم الأطفال، وهي تعمل على إعادة الشرعية ومكافحة الإرهاب، ومن أكثر الدول تقديما للمساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وتبذل جهدا كبيرا لدعم مشاورات السلام الجارية حاليا في دولة الكويت للوصول إلى تسوية سياسية وفق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم 2216.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.