هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

مع تصاعد التدخل الإيراني.. بذريعة محاربة «داعش»

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
TT

هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان

تعاني أفغانستان حربا طويلة تتوالى تبعاتها منذ أكثر من أربعين سنة، عندما دخلت قوات الاتحاد السوفياتي السابق إلى هذا البلد لدعم الحكومة الشيوعية في نهاية سبعينات القرن الماضي. منذ ذلك الحين لم تستقر أفغانستان، الدولة المسلمة المحاطة بدول لا تفوّت فرصة للتدخل في شؤونها الداخلية، تارة عبر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وطورا عبر محاولة إشعال فتيل حرب أهلية بين الإثنيات المختلفة التي تسكن في هذا البلد. ولا يبدو أن البلاد مرشحة لاستعادة الاستقرار، ولا سيما في أعقاب تصفية الولايات المتحدة أخيرا الملا أختر منصور، القائد الجديد لحركة طالبان، الذي خلف القائد المؤسس الراحل الملا عمر.
بعد رحيل نظام طالبان المتشدد الذي حكم أفغانستان بالحديد والنار لمدة ست سنوات، عانت فيها البلاد جميع الويلات؛ بسبب حضور تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى التي تدفقت إليها من كل حدب وصوب، كان يتوقّع لأفغانستان أن تستقر وتنعم بالأمن والأمان. وتعزّز هذا التوقع مع حضور أكثر من مائة وخمسين ألف عسكري تابع للجيش الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو». غير أن النتيجة كانت عكس كل التوقعات؛ فالحرب لم تنته بعد، بل توسعت رقعتها، وباتت تأخذ منحى تصاعديا بعدما قويت شوكة طالبان، ودخلت على الخط جماعات مسلحة أخرى مثل تنظيم داعش، وأعاد تنظيم القاعدة صفوف مقاتليه في جبال وكهوف البلاد الوعرة، التي تعتبر أرضا خصبة لأنشطة الجماعات المتطرفة. هذا النشاط سجّل تصاعدا بعد عام 2012 عندما قررت القوات الدولية خفض قواتها المقاتلة في أفغانستان وتسليم الملف الأمني، بشكل تدريجي، إلى الجيش الأفغاني الحديث الولادة.
اليوم تحولت أفغانستان إلى «ساحة حرب بالوكالة» وأصبحت مكانا لتصفية حسابات دول لها مشاكل سياسية وأمنية بعضها مع بعض. ونجحت غالبية دول الجوار في نقل أزماتها، ولا سيما، أزماتها ومشاكلها الأمنية إلى داخل اِلأراضي الأفغانية.
إيران، الجارة الغربية لأفغانستان، التي لها حدود مترامية معها، استطاعت اللعب بجميع الأوتار من أجل إثبات حضورها السياسي والأمني داخل أفغانستان، سواءً كان ذلك عبر التدخل في شؤونها الداخلية من خلال «جماعات الضغط» التي شكلتها عبر أقلية الهزارة الشيعية (التي لا تتجاوز نسبتها 12 في المائة من سكان البلاد)، أو عبر تقديم الدعم المالي لمئات المؤسسات الاجتماعية والإعلامية الناشئة في كابل وغيرها من المدن.
ومنذ بعض الوقت أخذ الحديث يتردد في وسائل إعلام محلية، وكذلك على ألسنة مسؤولين محليين في غرب أفغانستان وشرقها بأن إيران فتحت قنوات التواصل مع حركة طالبان العدوة التقليدية لها، وذلك بعدما تأكدت من أن تنظيم داعش «في نسخته الأفغانية (ولاية خراسان)»، يسعى إلى تجنيد مئات المقاتلين في صفوفه في مناطق بالشرق والغرب الأفغانيين. أيضا، تتحدث التقارير عن أن ممثلين من حركة طالبان الأفغانية قاموا بزيارات مكوكية إلى طهران، حيث التقوا مسؤولين إيرانيين للحصول على دعمهم في مواجهة خطر «داعش» المتعاظم في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الجهات الإيرانية الرسمية نفت زيارة وفود طالبان إليها، فإن علاقات طهران مع الجماعات المسلحة، خصوصا في جوارها، ليس أمرا مستبعدا، ولا سيما أن إيران سعت على الدوام إلى تثبيت موقعها السياسي والأمني عبر مثل هذه الجماعات. وهنا يقول غلام سخي وحدت، وهو صحافي أفغاني يغطي الأخبار والحوادث الأمنية التي تقع في غرب أفغانستان، خصوصا في ولايات مثل هرات وبادغيس وغور القريبة من أو المتاخمة للحدود الإيرانية «إن طهران سعت عبر وكلائها الأفغان على مدى السنوات الماضية لشراء ذمم قادة طالبان المحليين في هذه المناطق. وهي على اتصال مع هؤلاء، كما أن هناك تبادلا للمعلومات بين الطرفين من أجل التصدي لظاهرة (داعش) والتنسيق في الشؤون الأمنية». وتابع، إن هذا يحدث «بينما تزعم طهران أنها تدعم الحكومة الأفغانية الرسمية والشرعية في كابل، وأنها لن تجري حوارات مع جماعات خارجة على الحكومة مثل طالبان وغيرها».
ومن جانبه، يقول حضرت خان تشمن، والخبير الأمني والمحلل السياسي الأفغاني، عن هذا الجانب إن «هدف إيران من فتح باب الاتصال مع طالبان، وفي هذا الوقت بالذات، هو الإجهاز على مساعي الحوار بين الحكومة في كابل وجماعة طالبان بعد وفاة زعيمها المؤسس الملا عمر». ويضيف خان تشمن، إنه «ليس من مصلحة طهران إنهاء الحرب الجارية في أفغانستان، أو إنجاح الحوار من أجل المصالحة، بل إن ما تريده هو إطالة أمد الحرب وجعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها يتورطون أكثر فأكثر في المستنقع الأفغاني».
علاقات إيران بطالبان ليست غريبة إذن، ثم إن القيادة في طهران تبحث عن مصالحها الخاصة بها و«عدو الأمس» يمكن يتحول فجأة إلى «صديق اليوم»؛ وذلك من أجل التصدي لعدو مشترك هو «داعش أفغانستان». وبالنسبة لهذا التنظيم المتطرف تقول المعلومات بأن التنظيم ما زال يقوم بتجنيد مقاتلين إلى صفوفه، وأنه نجح في تأسيس مراكز قيادية له في ولايتي ننغرهار وكونر شرق البلاد، كما أنه يسعى إلى إيجاد موضع قدم له في مناطق الشمال الأفغاني المتاخم لحدود دول آسيا الوسطى حليفة روسيا الاتحادية. هذا، وتشير الأنباء إلى أن «داعش أفغانستان» يملك اليوم نحو عشرة آلاف مقاتل، غالبيتهم تنتمي إلى مسلحي الجماعات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، وأن هذا العدد في تزايد مستمر في أعقاب حدوث شرخ في قيادة طالبان بعد وفاة مؤسسها. ولقد انضمت أعداد كبيرة من طالبان إلى صفوف «داعش»، الذي هو في وضع مالي أفضل من طالبان حاليا. وعلى الرغم من إعلان حكومة كابل الحرب على «داعش» وشن الجيش الأفغاني هجمات قوية وعنيفة ضد مراكز التنظيم المتطرف في ولاية ننغرهار، والكلام عن مقتل العشرات من مقاتلي التنظيم، فإن الظاهرة باتت مقلقة لأفغانستان ولجوارها، مثل إيران وروسيا والصين وحتى باكستان.
هذه الدول تتخوف من تعاظم نفوذ «داعش» في المنطقة والتحول إلى كارثة أمنية على غرار ما يجري في العراق وسوريا. وكل من هذه الدول تحاول مد يد العون إلى طالبان، التي هي الأخرى قلقة من تزايد نفوذ «داعش» على حسابها في كثير من المناطق.
مع هذا، المحللون السياسيون في كابل يرون أن طالبان تشعر بالعزلة وتعاني من قلة مواردها المالية. وهي الآن تبحث عن ممولين جدد، وقد تجد في إيران خير مموّل لأنشطتها العسكرية؛ نظرا للخطر المشترك الذي يجمعهما. لذلك؛ كما سبقت الإشارة، تعمل إيران على توطيد علاقاتها بطالبان من أجل التنسيق معها في الحرب ضد «داعش».
في هذه الأثناء، تتعدد الروايات حول ملابسات اغتيال زعيم طالبان، وخليفة الملا عمر، أختر منصور الذي استهدفته طائرة أميركية من دون طيار يوم 15 مايو (أيار) الماضي في منطقة أحمد وال، التابعة لمدينة كويتا الباكستانية.
الرواية الباكستانية تفيد بأن منصور قام بزيارة إلى إيران، ولقد عاش فيها لفترة تتجاوز شهرا كاملا، ووجدت تأشيرة إيرانية على جواز سفره الباكستاني، غير أن طهران نفت علاقتها بزعيم طالبان المقتول. ولكن في أي حال، كل المؤشرات تشير إلى أن إيران عززت صلاتها بالفعل مع طالبان، وفتحت قنوات التواصل مع مقاتلي الحركة من أجل التنسيق معها. وثمة معلومات عن أن إيران لعبت أيضا دور جسر التواصل بين طالبان وبين روسيا، التي أعربت عن رغبتها في التنسيق مع طالبان ومساعدتها في التصدي لظاهرة «داعش» الذي يهدد بالتمدد قرب حدود روسيا في مناطق الشمال الأفغاني على حساب طالبان. ولعل استهداف أختر منصور في منطقة قريبة من مثلث حدودي بين باكستان وإيران وأفغانستان يوحي بخطورة اللعبة التي تلعبها طهران في علاقاتها المزدوجة مع الحكومة الأفغانية من جهة ومع حركة طالبان من جهة أخرى.
على صعيد آخر، يقول حكمة الله صافي، الخبير الاستراتيجي الأفغاني، إن سياسة إيران تجاه أفغانستان «غامضة يشوبها الكثير من الشبهات وعلامات استفهام؛ فهي من جهة تقول بأنها تقف إلى جانب الحكومة في كابل وتدعم مساعيها للحوار وإنهاء الحرب، وتقدم لها الدعم المالي من أجل النهوض بمؤسساتها الحيوية. ومن جهة ثانية، نرى كيف أنها تتودد للجماعات المسلحة التي تنعتها كابل بالجماعات الإرهابية، مثل طالبان وتفتح لها مكاتب في أراضيها وتقوم بالتنسيق معها». ويتابع صافي «طهران تخرق القانون الدولي ولا تعير أي اهتمام للعلاقات السياسية القائمة عبر القنوات الدبلوماسية بين الدول»، ويستطرد قائلا: إنها «ستحاول في المرحلة المقبلة التقرب إلى طالبان أكثر فأكثر؛ لأنها تدرك جيدا بأن المنطقة مقبلة على حرب جديدة أحد أطرافها (داعش) في أفغانستان وعلى مستوى المنطقة».
أما بالنسبة لروسيا، التي تجاور أفغانستان عبر دول آسيا الوسطى، فهي الطرف الخارجي البارز الآخر الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع طالبان. وفي تطور جديد يكشف مدى محاولات الروس توسيع دائرة تحالفاتهم الإقليمية لمحاربة تنظيم داعش. وكما سبق، تصاعد في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، عندما أخذت مجموعات من طالبان تبايع «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش»، وهو الأمر الذي تسبب في إزعاج كبير عند قيادات الحركة.
هذا، وحسب موقع «دايلي بيست» الأميركي، فإن حركة طالبان تجري حاليا اتصالات مع الدول المجاورة لها من دول «كومنولث الدول المستقلة»، أي دول آسيا الوسطى السوفياتية سابقا، وحتى مع روسيا التي أخرجتها من أفغانستان عام 1989. ويشير الموقع إلى أن هذه الاتصالات لها علاقة بالجهود الروسية لمجابهة انتشار جماعات تتعهد بالولاء للتنظيم المتطرف. ويرجح خبراء أن تكون مخاوف روسيا هي ذات مخاوف طالبان من اتساع نفوذ «داعش»، مع التذكر أن لطالبان تاريخا في التواصل مع أعدائها لتحقيق مصالحها. ومن المفارقات، كما يرى بعض المحللين، أن الاتصالات مع روسيا تظهر في الوقت نفسه الذي رحب فيه نائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم بحلفائه السابقين في روسيا، وحاول تعزيز علاقاته بدول الاتحاد السوفياتي السابقة على الحدود الأفغانية. وكان الجنرال دوستم، وهو ينتمي إلى إثنية الأوزبك (التي تشكل غالبية سكان جمهورية أوزبكستان السوفياتية السابقة) قد زار موسكو وغروزني (عاصمة جمهورية الشيشان الروسية الذاتية الحكم) قبل بضعة أشهر وشن هجوما شديدا على «داعش»، قال فيه إن «دول الكومنولث» وحتى تاجيكستان وتركمانستان، كلها مستعدة للوقوف معنا ضد «داعش».
وحقا، سعت روسيا في الآونة الأخيرة إلى تعزيز إجراءات الأمن خوفا من تهديدات المتشددين، وخصوصا من منطقة شمال القوقاز المضطربة، بعد عودتهم إلى بلدانهم من الشرق الأوسط أو أفغانستان واحتمال سعيهم للانتقام من التدخل العسكري الروسي ضد الجماعات المعارضة السورية.
واليوم بات واضحا مدى اهتمام قادة دول آسيا الوسطى بخطورة تسلل «داعش» إلى أراضيهم عبر أفغانستان، خاصة أنهم اتفقوا على تشكيل «قوة مشتركة للدفاع عن الحدود» في أوقات الأزمات في ظل الاضطرابات في أفغانستان. ويقول الملا عبد السلام، القيادي السابق في طالبان والعضو في لجنتها العسكرية، إن «الاتجاه العالمي - الأميركي والتهديد الذي يمثله (داعش) باتا نقطة لقاء لمصالح روسيا والحركة الأفغانية، ولا يمكن أن نستبعد مزيدا من التعاون وفقا للسيناريوهات التي ستظهر في الشرق الأوسط». وهذا يعني أنه إذا نجحت روسيا في تدخلها بسوريا للدفاع عن بشار الأسد، فإن طالبان ستتشجع لتكثيف اتصالاتها بها، وربما التعاون علنا مع سلطات الرئيس فلاديمير بوتين. ولكن حتى الآن فإن الاتصالات مع موسكو تجري بسرية شديدة، والمكان الأساسي للمحادثات هو في جمهورية تاجيكستان، عبر الحدود مع ولاية شمال قندوز الأفغانية المحاصرة، التي ربما يكون عملاء الاستخبارات فيها مشاركين في تقديم شحنة أسلحة لطالبان. وكان ضمير كابلووف، مندوب الرئيس الروسي الخاص لشؤون أفغانستان، قد صرح بأن روسيا تجري اتصالات مع طالبان من أجل التنسيق والتشاور للقضاء على «داعش»، وأثار هذا التصريح استغراب الحكومة الأفغانية واستنكار وزارة الدفاع الأفغانية. ثم جاء السفير الروسي في كابل ألكساندر مانتستكي لينفي خبر «التنسيق» مع طالبان، مع أن ثمة معلومات بأن اتصالات الروس مع طالبان ترجع إلى بدايات عام 2013، وذلك عندما التقى مسؤولون في الاستخبارات الروسية، بالتنسيق مع الحكومة التاجيكية، بقادة طالبان على منطقة حدودية مع أفغانستان. فهل تعود روسيا التي خرجت مهزومة من أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي إليها مجددا بحجة مواجهة «داعش».. لكن هذه المرة عبر طالبان؟



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».