هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

مع تصاعد التدخل الإيراني.. بذريعة محاربة «داعش»

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
TT

هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان

تعاني أفغانستان حربا طويلة تتوالى تبعاتها منذ أكثر من أربعين سنة، عندما دخلت قوات الاتحاد السوفياتي السابق إلى هذا البلد لدعم الحكومة الشيوعية في نهاية سبعينات القرن الماضي. منذ ذلك الحين لم تستقر أفغانستان، الدولة المسلمة المحاطة بدول لا تفوّت فرصة للتدخل في شؤونها الداخلية، تارة عبر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وطورا عبر محاولة إشعال فتيل حرب أهلية بين الإثنيات المختلفة التي تسكن في هذا البلد. ولا يبدو أن البلاد مرشحة لاستعادة الاستقرار، ولا سيما في أعقاب تصفية الولايات المتحدة أخيرا الملا أختر منصور، القائد الجديد لحركة طالبان، الذي خلف القائد المؤسس الراحل الملا عمر.
بعد رحيل نظام طالبان المتشدد الذي حكم أفغانستان بالحديد والنار لمدة ست سنوات، عانت فيها البلاد جميع الويلات؛ بسبب حضور تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى التي تدفقت إليها من كل حدب وصوب، كان يتوقّع لأفغانستان أن تستقر وتنعم بالأمن والأمان. وتعزّز هذا التوقع مع حضور أكثر من مائة وخمسين ألف عسكري تابع للجيش الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو». غير أن النتيجة كانت عكس كل التوقعات؛ فالحرب لم تنته بعد، بل توسعت رقعتها، وباتت تأخذ منحى تصاعديا بعدما قويت شوكة طالبان، ودخلت على الخط جماعات مسلحة أخرى مثل تنظيم داعش، وأعاد تنظيم القاعدة صفوف مقاتليه في جبال وكهوف البلاد الوعرة، التي تعتبر أرضا خصبة لأنشطة الجماعات المتطرفة. هذا النشاط سجّل تصاعدا بعد عام 2012 عندما قررت القوات الدولية خفض قواتها المقاتلة في أفغانستان وتسليم الملف الأمني، بشكل تدريجي، إلى الجيش الأفغاني الحديث الولادة.
اليوم تحولت أفغانستان إلى «ساحة حرب بالوكالة» وأصبحت مكانا لتصفية حسابات دول لها مشاكل سياسية وأمنية بعضها مع بعض. ونجحت غالبية دول الجوار في نقل أزماتها، ولا سيما، أزماتها ومشاكلها الأمنية إلى داخل اِلأراضي الأفغانية.
إيران، الجارة الغربية لأفغانستان، التي لها حدود مترامية معها، استطاعت اللعب بجميع الأوتار من أجل إثبات حضورها السياسي والأمني داخل أفغانستان، سواءً كان ذلك عبر التدخل في شؤونها الداخلية من خلال «جماعات الضغط» التي شكلتها عبر أقلية الهزارة الشيعية (التي لا تتجاوز نسبتها 12 في المائة من سكان البلاد)، أو عبر تقديم الدعم المالي لمئات المؤسسات الاجتماعية والإعلامية الناشئة في كابل وغيرها من المدن.
ومنذ بعض الوقت أخذ الحديث يتردد في وسائل إعلام محلية، وكذلك على ألسنة مسؤولين محليين في غرب أفغانستان وشرقها بأن إيران فتحت قنوات التواصل مع حركة طالبان العدوة التقليدية لها، وذلك بعدما تأكدت من أن تنظيم داعش «في نسخته الأفغانية (ولاية خراسان)»، يسعى إلى تجنيد مئات المقاتلين في صفوفه في مناطق بالشرق والغرب الأفغانيين. أيضا، تتحدث التقارير عن أن ممثلين من حركة طالبان الأفغانية قاموا بزيارات مكوكية إلى طهران، حيث التقوا مسؤولين إيرانيين للحصول على دعمهم في مواجهة خطر «داعش» المتعاظم في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الجهات الإيرانية الرسمية نفت زيارة وفود طالبان إليها، فإن علاقات طهران مع الجماعات المسلحة، خصوصا في جوارها، ليس أمرا مستبعدا، ولا سيما أن إيران سعت على الدوام إلى تثبيت موقعها السياسي والأمني عبر مثل هذه الجماعات. وهنا يقول غلام سخي وحدت، وهو صحافي أفغاني يغطي الأخبار والحوادث الأمنية التي تقع في غرب أفغانستان، خصوصا في ولايات مثل هرات وبادغيس وغور القريبة من أو المتاخمة للحدود الإيرانية «إن طهران سعت عبر وكلائها الأفغان على مدى السنوات الماضية لشراء ذمم قادة طالبان المحليين في هذه المناطق. وهي على اتصال مع هؤلاء، كما أن هناك تبادلا للمعلومات بين الطرفين من أجل التصدي لظاهرة (داعش) والتنسيق في الشؤون الأمنية». وتابع، إن هذا يحدث «بينما تزعم طهران أنها تدعم الحكومة الأفغانية الرسمية والشرعية في كابل، وأنها لن تجري حوارات مع جماعات خارجة على الحكومة مثل طالبان وغيرها».
ومن جانبه، يقول حضرت خان تشمن، والخبير الأمني والمحلل السياسي الأفغاني، عن هذا الجانب إن «هدف إيران من فتح باب الاتصال مع طالبان، وفي هذا الوقت بالذات، هو الإجهاز على مساعي الحوار بين الحكومة في كابل وجماعة طالبان بعد وفاة زعيمها المؤسس الملا عمر». ويضيف خان تشمن، إنه «ليس من مصلحة طهران إنهاء الحرب الجارية في أفغانستان، أو إنجاح الحوار من أجل المصالحة، بل إن ما تريده هو إطالة أمد الحرب وجعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها يتورطون أكثر فأكثر في المستنقع الأفغاني».
علاقات إيران بطالبان ليست غريبة إذن، ثم إن القيادة في طهران تبحث عن مصالحها الخاصة بها و«عدو الأمس» يمكن يتحول فجأة إلى «صديق اليوم»؛ وذلك من أجل التصدي لعدو مشترك هو «داعش أفغانستان». وبالنسبة لهذا التنظيم المتطرف تقول المعلومات بأن التنظيم ما زال يقوم بتجنيد مقاتلين إلى صفوفه، وأنه نجح في تأسيس مراكز قيادية له في ولايتي ننغرهار وكونر شرق البلاد، كما أنه يسعى إلى إيجاد موضع قدم له في مناطق الشمال الأفغاني المتاخم لحدود دول آسيا الوسطى حليفة روسيا الاتحادية. هذا، وتشير الأنباء إلى أن «داعش أفغانستان» يملك اليوم نحو عشرة آلاف مقاتل، غالبيتهم تنتمي إلى مسلحي الجماعات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، وأن هذا العدد في تزايد مستمر في أعقاب حدوث شرخ في قيادة طالبان بعد وفاة مؤسسها. ولقد انضمت أعداد كبيرة من طالبان إلى صفوف «داعش»، الذي هو في وضع مالي أفضل من طالبان حاليا. وعلى الرغم من إعلان حكومة كابل الحرب على «داعش» وشن الجيش الأفغاني هجمات قوية وعنيفة ضد مراكز التنظيم المتطرف في ولاية ننغرهار، والكلام عن مقتل العشرات من مقاتلي التنظيم، فإن الظاهرة باتت مقلقة لأفغانستان ولجوارها، مثل إيران وروسيا والصين وحتى باكستان.
هذه الدول تتخوف من تعاظم نفوذ «داعش» في المنطقة والتحول إلى كارثة أمنية على غرار ما يجري في العراق وسوريا. وكل من هذه الدول تحاول مد يد العون إلى طالبان، التي هي الأخرى قلقة من تزايد نفوذ «داعش» على حسابها في كثير من المناطق.
مع هذا، المحللون السياسيون في كابل يرون أن طالبان تشعر بالعزلة وتعاني من قلة مواردها المالية. وهي الآن تبحث عن ممولين جدد، وقد تجد في إيران خير مموّل لأنشطتها العسكرية؛ نظرا للخطر المشترك الذي يجمعهما. لذلك؛ كما سبقت الإشارة، تعمل إيران على توطيد علاقاتها بطالبان من أجل التنسيق معها في الحرب ضد «داعش».
في هذه الأثناء، تتعدد الروايات حول ملابسات اغتيال زعيم طالبان، وخليفة الملا عمر، أختر منصور الذي استهدفته طائرة أميركية من دون طيار يوم 15 مايو (أيار) الماضي في منطقة أحمد وال، التابعة لمدينة كويتا الباكستانية.
الرواية الباكستانية تفيد بأن منصور قام بزيارة إلى إيران، ولقد عاش فيها لفترة تتجاوز شهرا كاملا، ووجدت تأشيرة إيرانية على جواز سفره الباكستاني، غير أن طهران نفت علاقتها بزعيم طالبان المقتول. ولكن في أي حال، كل المؤشرات تشير إلى أن إيران عززت صلاتها بالفعل مع طالبان، وفتحت قنوات التواصل مع مقاتلي الحركة من أجل التنسيق معها. وثمة معلومات عن أن إيران لعبت أيضا دور جسر التواصل بين طالبان وبين روسيا، التي أعربت عن رغبتها في التنسيق مع طالبان ومساعدتها في التصدي لظاهرة «داعش» الذي يهدد بالتمدد قرب حدود روسيا في مناطق الشمال الأفغاني على حساب طالبان. ولعل استهداف أختر منصور في منطقة قريبة من مثلث حدودي بين باكستان وإيران وأفغانستان يوحي بخطورة اللعبة التي تلعبها طهران في علاقاتها المزدوجة مع الحكومة الأفغانية من جهة ومع حركة طالبان من جهة أخرى.
على صعيد آخر، يقول حكمة الله صافي، الخبير الاستراتيجي الأفغاني، إن سياسة إيران تجاه أفغانستان «غامضة يشوبها الكثير من الشبهات وعلامات استفهام؛ فهي من جهة تقول بأنها تقف إلى جانب الحكومة في كابل وتدعم مساعيها للحوار وإنهاء الحرب، وتقدم لها الدعم المالي من أجل النهوض بمؤسساتها الحيوية. ومن جهة ثانية، نرى كيف أنها تتودد للجماعات المسلحة التي تنعتها كابل بالجماعات الإرهابية، مثل طالبان وتفتح لها مكاتب في أراضيها وتقوم بالتنسيق معها». ويتابع صافي «طهران تخرق القانون الدولي ولا تعير أي اهتمام للعلاقات السياسية القائمة عبر القنوات الدبلوماسية بين الدول»، ويستطرد قائلا: إنها «ستحاول في المرحلة المقبلة التقرب إلى طالبان أكثر فأكثر؛ لأنها تدرك جيدا بأن المنطقة مقبلة على حرب جديدة أحد أطرافها (داعش) في أفغانستان وعلى مستوى المنطقة».
أما بالنسبة لروسيا، التي تجاور أفغانستان عبر دول آسيا الوسطى، فهي الطرف الخارجي البارز الآخر الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع طالبان. وفي تطور جديد يكشف مدى محاولات الروس توسيع دائرة تحالفاتهم الإقليمية لمحاربة تنظيم داعش. وكما سبق، تصاعد في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، عندما أخذت مجموعات من طالبان تبايع «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش»، وهو الأمر الذي تسبب في إزعاج كبير عند قيادات الحركة.
هذا، وحسب موقع «دايلي بيست» الأميركي، فإن حركة طالبان تجري حاليا اتصالات مع الدول المجاورة لها من دول «كومنولث الدول المستقلة»، أي دول آسيا الوسطى السوفياتية سابقا، وحتى مع روسيا التي أخرجتها من أفغانستان عام 1989. ويشير الموقع إلى أن هذه الاتصالات لها علاقة بالجهود الروسية لمجابهة انتشار جماعات تتعهد بالولاء للتنظيم المتطرف. ويرجح خبراء أن تكون مخاوف روسيا هي ذات مخاوف طالبان من اتساع نفوذ «داعش»، مع التذكر أن لطالبان تاريخا في التواصل مع أعدائها لتحقيق مصالحها. ومن المفارقات، كما يرى بعض المحللين، أن الاتصالات مع روسيا تظهر في الوقت نفسه الذي رحب فيه نائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم بحلفائه السابقين في روسيا، وحاول تعزيز علاقاته بدول الاتحاد السوفياتي السابقة على الحدود الأفغانية. وكان الجنرال دوستم، وهو ينتمي إلى إثنية الأوزبك (التي تشكل غالبية سكان جمهورية أوزبكستان السوفياتية السابقة) قد زار موسكو وغروزني (عاصمة جمهورية الشيشان الروسية الذاتية الحكم) قبل بضعة أشهر وشن هجوما شديدا على «داعش»، قال فيه إن «دول الكومنولث» وحتى تاجيكستان وتركمانستان، كلها مستعدة للوقوف معنا ضد «داعش».
وحقا، سعت روسيا في الآونة الأخيرة إلى تعزيز إجراءات الأمن خوفا من تهديدات المتشددين، وخصوصا من منطقة شمال القوقاز المضطربة، بعد عودتهم إلى بلدانهم من الشرق الأوسط أو أفغانستان واحتمال سعيهم للانتقام من التدخل العسكري الروسي ضد الجماعات المعارضة السورية.
واليوم بات واضحا مدى اهتمام قادة دول آسيا الوسطى بخطورة تسلل «داعش» إلى أراضيهم عبر أفغانستان، خاصة أنهم اتفقوا على تشكيل «قوة مشتركة للدفاع عن الحدود» في أوقات الأزمات في ظل الاضطرابات في أفغانستان. ويقول الملا عبد السلام، القيادي السابق في طالبان والعضو في لجنتها العسكرية، إن «الاتجاه العالمي - الأميركي والتهديد الذي يمثله (داعش) باتا نقطة لقاء لمصالح روسيا والحركة الأفغانية، ولا يمكن أن نستبعد مزيدا من التعاون وفقا للسيناريوهات التي ستظهر في الشرق الأوسط». وهذا يعني أنه إذا نجحت روسيا في تدخلها بسوريا للدفاع عن بشار الأسد، فإن طالبان ستتشجع لتكثيف اتصالاتها بها، وربما التعاون علنا مع سلطات الرئيس فلاديمير بوتين. ولكن حتى الآن فإن الاتصالات مع موسكو تجري بسرية شديدة، والمكان الأساسي للمحادثات هو في جمهورية تاجيكستان، عبر الحدود مع ولاية شمال قندوز الأفغانية المحاصرة، التي ربما يكون عملاء الاستخبارات فيها مشاركين في تقديم شحنة أسلحة لطالبان. وكان ضمير كابلووف، مندوب الرئيس الروسي الخاص لشؤون أفغانستان، قد صرح بأن روسيا تجري اتصالات مع طالبان من أجل التنسيق والتشاور للقضاء على «داعش»، وأثار هذا التصريح استغراب الحكومة الأفغانية واستنكار وزارة الدفاع الأفغانية. ثم جاء السفير الروسي في كابل ألكساندر مانتستكي لينفي خبر «التنسيق» مع طالبان، مع أن ثمة معلومات بأن اتصالات الروس مع طالبان ترجع إلى بدايات عام 2013، وذلك عندما التقى مسؤولون في الاستخبارات الروسية، بالتنسيق مع الحكومة التاجيكية، بقادة طالبان على منطقة حدودية مع أفغانستان. فهل تعود روسيا التي خرجت مهزومة من أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي إليها مجددا بحجة مواجهة «داعش».. لكن هذه المرة عبر طالبان؟



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.