داريا المحاصرة تدخل هدنة الـ48 ساعة

تخصيص قافلة مساعدات طبية لها وللمعضمية بضغط روسي ـ أميركي

مدنيون من معضمية الشام بريف دمشق أمس يقتربون من حاجز أمني للنظام في انتظار السماح لهم بمغادرة المنطقة المحاصرة (رويترز)
مدنيون من معضمية الشام بريف دمشق أمس يقتربون من حاجز أمني للنظام في انتظار السماح لهم بمغادرة المنطقة المحاصرة (رويترز)
TT

داريا المحاصرة تدخل هدنة الـ48 ساعة

مدنيون من معضمية الشام بريف دمشق أمس يقتربون من حاجز أمني للنظام في انتظار السماح لهم بمغادرة المنطقة المحاصرة (رويترز)
مدنيون من معضمية الشام بريف دمشق أمس يقتربون من حاجز أمني للنظام في انتظار السماح لهم بمغادرة المنطقة المحاصرة (رويترز)

أعلنت موسكو وقفا لإطلاق النار لمدة 48 ساعة في مدينة داريا السورية، وهي أكبر مدن الريف الغربي للعاصمة دمشق؛ لإتاحة الفرصة أمام إدخال مساعدات إنسانية إلى السكان المحاصرين، حيث وصلت أمس قافلة تحتوي على مساعدات وأجهزة طبية، من دون أي مواد غذائية، في وقت تحدثت معلومات عن أن هدنة داريا ستنسحب على مناطق أخرى، بينها جبهة درعا.
وقال رئيس «المركز الروسي لدعم السلام في سوريا» سيرجي كورالينكو في تصريحات نقلتها وكالة «تاس» الروسية للأنباء: «إن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في الساعة 01:00 بالتوقيت المحلي من فجر أمس، وتم الاتفاق بشأنه مع حكومتي سوريا والولايات المتحدة».
ووضع عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق، إسماعيل الداراني، هذه الهدنة وغيرها في خانة «امتصاص النظام لاندفاعة الثوار، سواء في ريف دمشق أو الجبهة الجنوبية، أو حتى في وسط البلاد». وأكد الداراني لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهجوم الفاشل الذي شنّه النظام في الأيام الأخيرة على درايا وكبّده عشرات القتلى وخسائر كبيرة في الآليات والمعدات، دفعه إلى إعادة حساباته على أسس مختلفة». وقال الداراني: «قبل أيام تمكّن الجيش الحر وفصائل المعارضة الأخرى من تحرير قرية دير خبية، الواقعة قرب مدينة خان الشيخ المطلّة على أتوستراد في الغوطة الغربية، وتمكن من أسر عدد كبير من قوات النظام ومقاتلي الميليشيات الإيرانية»، لافتا إلى أن «النظام ومن ورائه الروس، يسعون إلى تهدئة الوضع على الأرض، لامتصاص اندفاعة المعارضة وهجماتها في الغوطتين أولا، وإعادة ترتيب صفوفهم ميدانيا ثانيا، وثالثا وهو الأهم تحقيق مكاسب سياسية وتقديم أوراق حسن سلوك للأمم المتحدة على أساس أن النظام ليس في وارد التصعيد».
ورأى الداراني أن ما يحكى عن هدنة في درعا ليس مفاجئا، معتبرا أن «التحركات العسكرية في درعا والجبهة الجنوبية خفيفة جدا، وهي لن تشهد تصعيدا كبيرا منذ نحو ثلاثة أشهر، وكأنها في هدنة غير معلنة». لافتا إلى أن النظام «يحاول اتباع أسلوب المهادنة قرب دمشق والجنوب، لإعطاء الأهمية للجبهة الشمالية، التي تشهد تطورات على الأرض».
وبعد 12 ساعة على سريان وقف إطلاق النار، دخلت عند الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس (الأربعاء)، أول قافلة مساعدات إنسانية إلى مدينة داريا المحاصرة من قوات النظام جنوب غربي دمشق منذ عام 2012. وأفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بـ«وصول أول قافلة مساعدات إلى سكان داريا». وقالت على صفحتها على «تويتر»: «لقد دخلنا للتو إلى المدينة (الثالثة من بعد الظهر) مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري». وأعلن المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بافل كشيشيك لوكالة «الصحافة الفرنسية»، أن القافلة «لا تتضمن مواد غذائية، إنما تقتصر محتوياتها على مستلزمات النظافة».
أما المجلس المحلي لمدينة داريا، فقال على صفحته على «فيسبوك»: «دخلت قبل قليل (بعد ظهر أمس) قافلة مساعدات طبية عن طريق الأمم المتحدة إلى مدينة داريا، من دون مساعدات غذائية، وهي الأولى منذ بدء الحصار على المدينة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي». وأوضح أن القافلة «تحتوي على أدوية وبعض المعدات الطبية».
وأوضح مدير المكتب الإعلامي لـ«أجناد الشام» أحمد الشامي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «قافلة مؤلفة من خمس شاحنات، دخلت مدينة داريا بعد الظهر (أمس)، كما دخلت خمس شاحنات أخرى إلى معضمية الشام في التوقيت نفسه». وأشار إلى أن «المساعدات تحتوي على مواد طبية وأدوية وتجهيزات للمستوصفات»، لافتا إلى أن «هذه القافلة دخلت بشكل مفاجئ، حتى من دون إعلامنا مسبقا بذلك». وقال الشامي: «منذ ثلاثة أسابيع دخل وفد من الأمم المتحدة إلى داريا، وعاين الوضع ميدانيا، واستعجل دخول المواد الطبية بسبب وجود حالات صحية صعبة لمئات المدنيين، وربما جاء دخول هذه المساعدات تلبية لتوصية وفد الأمم المتحدة الذي حذّر من كارثة صحية وموت محتم لعشرات المرضى».
وفي 12 مايو (أيار) استعد سكان داريا لاستقبال أول قافلة مساعدات تصل إليهم بعد حصول المنظمات الدولية على موافقة الأطراف المعنية، إلا أن القافلة عادت أدراجها محملة بالأدوية وحليب الأطفال من دون أن تفرغ حمولتها عند آخر نقطة تفتيش تابعة لقوات النظام. ولم يدخل أي نوع من المساعدات إلى داريا منذ فرض الحصار عليها عام 2012 على رغم مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي تمكنت من إيصال المساعدات في الفترة الأخيرة إلى مدن محاصرة عدة، بعد موافقة الحكومة السورية تحت ضغط من المجتمع الدولي.
وتشكل داريا معقلا يرتدي طابعا رمزيا كبيرا للمعارضة؛ لأنها خارجة عن سلطة النظام منذ أربع سنوات، كما أن لها أهمية استراتيجية بالنسبة للنظام السوري على اعتبار أنها ملاصقة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.
وكانت داريا في طليعة المدن السورية التي بدأت حركة احتجاج على نظام الرئيس بشار الأسد، التي بدأت في مارس (آذار) 2011، إلا أنه وخلال سنوات الحصار الطويلة خسرت المدينة المدمرة بشكل شبه كامل 90 في المائة من سكانها البالغ عددهم 80 ألف نسمة، ويعاني الذين بقوا فيها نقصا خطيرا في المواد الغذائية ونقص التغذية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.