إيران تستمد شريان بقائها عبر دعمها للمنظمات الإرهابية

قامت بإيواء عدد من قياداتهم بعضهم مطلوب لدى السعودية والخليج

إيران تستمد شريان بقائها عبر دعمها للمنظمات الإرهابية
TT

إيران تستمد شريان بقائها عبر دعمها للمنظمات الإرهابية

إيران تستمد شريان بقائها عبر دعمها للمنظمات الإرهابية

تثبت إيران يوما بعد يوم أن سياستها التدخلية في دول المنطقة والجوار متواصلة من دون توقف، ومن يتابع سياسة إيران، يجد أن نظامها يسيطر عليه فكر الميليشيات الذي يتصف بالعقلية التي يغذيها الإرهاب، فهي ليست دولة مؤسسات بل دولة ميليشيات، ولا تريد للإرهاب أن ينقطع، ولا تريد اجتثاثه لأن بقاءه من بقائها.
فلإيران سجلّ حافل في العمليات الإرهابية بواسطة رجالها وميليشياتها، وسياساتها تصف كل من يخالفها بالإرهاب، وكل من يتعاون معها بالممانع أو المجاهد حتى ولو كان يرتكب جرائم حقيقية على الأرض.
وفي دراسة نشرها مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، أظهرت أن نظام ولاية الفقية في طهران لم يمانع يوماً ما من دعم المتطرفين والمتشددين سياسيا ودينيا، في المنطقة والعالم، لخدمة مصالحه، ومصالح حلفائه، السياسية تارة، والطائفية تارة أخرى.
لقد تعاونت إيران مع الجماعة الإسلامية في مصر نواة تنظيم القاعدة، ومع تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان، ومع الإخوان المسلمين وحماس، ثم انقلبت على كلّ هؤلاء بعد الحرب السورية وصنفتهم كإرهابيين، عندما تعارضت المصالح. ومع أنّ العالم كلّه صنّف تنظيم القاعدة تنظيما إرهابيا، إلا أن إيران قامت بإيواء عدد من قياداته بعضهم مطلوب لدى السعودية ودول الخليج، وبعضهم مطلوب لدى السلطات الأميركية.
لقد استفادت إيران من الجماعات الإسلامية أكثر من استفادة تلك الجماعات من إيران؛ فقد اعتبرتها إيران ورقة ضغط إقليمية ودولية، ولعبت بوجودها على الأراضي الإيرانية، في حين أنّ تلك الجماعات لم تستفد شيئا يُذكر من إيران سوى شراء السلاح الإيراني، وتثبيت المزاعم الإيرانية والترويج الإعلامي الإيراني حول العالم أن الإرهابيين من السنّة فقط.
ويبدو أن السياسة الإيرانية هنا تقوم على لُعبة استغلال تلك الجماعات في الضغط على خصومها السياسيين إقليميا ودوليا، فالقائمة شملت مطلوبين لدى السعودية مثل: صالح القرعاوي. ومطلوبين لدى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية. ولكن يبدو أن إيران فضلت الاحتفاظ بهؤلاء القادة كجزء من استراتيجيتها في المنطقة. وقد أثبتت الوثائق الأميركية وجود تلك العلاقة –المعروفة أصلا- بين إيران وتنظيم القاعدة، ويمكن حصر استفادة إيران من وجود مثل تلك القيادات في الآتي: سيف العدل، محمد صلاح زيدان، سافر مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق إلى السودان، وتولى القيادة العسكرية للتنظيم بعد مقتل أبو حفص المصري.سعد بن لادن، الابن الثالث لزعيم تنظيم القاعدة. ووجد مع 24 شخصا من أفراد عائلته في إيران، أبو حفص الموريتاني، أول مسؤول شرعي لتنظيم القاعدة، أبو الوليد المصري، ولا زال محتجزاً في إيران حتى الآن، جعفر الأوزبكي: وهو شخصية كاريزمية وأساسية في التنظيم ولا زال موجودا في إيران ويشرف على شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا لصالح جبهة النصرة، ياسين السوري، وهو محتجز أيضا في إيران، وله دور كبير في نقل أصحاب الخبرات القتالية من باكستان إلى سوريا، صالح عبد الله القرعاوي، مؤسس كتائب عبد الله عزام فرع التنظيم في بلاد الشام، وتزوج من ابنة محمد الحكايمة أثناء وجودهما في إيران، وهو من أخطر المطلوبين على قائمة الـ 85 السعودية.
وللإيرانيين وجود قوي في مناطق البشتون، ووجودهم يتخذ طابعا مخابراتيا، لأن أفغانستان بالنسبة لإيران رئة استراتيجية لا يمكن التخلي عنها، وتشير الوثائق إلى احتفاظ المخابرات الإيرانية بعلاقات وثيقة مع طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وربما تلك النقطة هي الحائل دون انقلاب السياسة الإيرانية ضد طالبان والقاعدة انقلابا جذريا، نظرا لاحتياج الدولة الإيرانية إلى المنظمتين في أفغانستان لما تتمتعان به من شعبية وحشد هناك بين القبائل. وتشير الوثائق إلى ضبط شحنات من الأسلحة الإيرانية لدى المنظمتين.
أما بالنسبة لعلاقة إيران بتنظيم "داعش" الإرهابي فقد لمحَ عددٌ من الباحثين إلى وجود علاقة بين إيران والتنظيم، وذلك لوجود عدد من المصالح والأهداف المشتركة بين الجانبين، وهذه بعض الدلائل:
- تجاهل البغدادي لإيران في خطاباته رغم أنه ذكر دولا كثيرة منها دول إسلامية.
- استهداف الشعوب العربية والإسلامية، وتفخيخ المساجد، وتكفير الأنظمة، وهو نفس اتجاه إيران، ويصبّ في مصلحتها المباشرة.
- تعتبر إيران أن لا شرعية للأنظمة السياسية في المنطقة، وهذه نفس رؤية "داعش".
- وصل "داعش" لحدود إيران ولم يتقدم لاختراق الحدود الإيرانية، وكذلك في سوريا لم يستهدف "داعش" ميليشيا إيران الطائفية ولا النظام السوري، بل تصب كل جهوده ضد الثوار.
وهذا يدلّ على أن "داعش" إن لم يكن مخترقا من إيران فهو تابع لها، وينفذ أجندتها، واستراتيجيتها وخططها في الداخل العربي.
وكذلك المتابع لخريطة "داعش" منذ بدايته في العراق يجد أنه كان دائما في المحافظات والمدن السنية فقط، فقد تغلغل في الأنبار والرمادي، والفلوجة، ولم يتوجه جنوبا نحو كربلاء أو النجف، رغم أن المدينتين الشيعيتين على الحدود مباشرة جنوب الأنبار.
أما بخصوص حزب الله فهو يعتبر أكبر وأقدم وأخطر تنظيم مسلح موال لإيران الخميني، وهو لا يُخفي هذه الموالاة منذ تأسيسه، لذلك كان طبيعيا أن يقول إبراهيم الأمين الناطق الرسمي باسم الحزب، جواباً عن علاقة الحزب بإيران "نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران"، وجاء في الإعلان التأسيسي للحزب أو ما يُسمى بالرسالة المفتوحة التي وجهها الحزب في 16 فبراير (شباط) 1985م "إننا أمة أبناء حزب الله نعتبر أنفسنا جزءًا من أمة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة، حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله." وعلى هذا فحزب الله إذن هو حزب إيراني أو رأس الحربة الإيرانية في المنطقة، فهو تابع لها فقهيا، واجتهاديا، وسياسيا، واقتصادياً.
وفي اليمن سعت إيران الى ايجاد حليف لها عبر دعم جماعة عبد الملك الحوثي أو أنصار الله، واستطاعت بمرور الزمن وبسياسة النفس الطويل، عن طريق الدعم الدؤوب والتدريب المستمر، إلى احتواء واحتضان الحركة، وتحويلها إلى أداة لينة موالية تمام الموالاة للسياسة الإيرانية، وإخراجها عن المشروع الوطني اليمني. وبعد أن كانت حركة عربية زيدية صارت حركة فارسية، تسعى لإنهاك دول الجوار، والتعدي على الأمن القومي الخليجي لصالح المشروع الإيراني.
ولم يسلم العراق من المشروع الايراني، حيث صرّح مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي تصريحات اعتبر فيها العراق "عاصمة الامبراطورية الإيرانية الجديدة".
وكان نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري اللواء إسماعيل قائاني قال هو الآخر "إن إيران مستمرة في فتح بلدان المنطقة، وإننا بدأنا بالسيطرة على أفغانستان والعراق، وسوريا، وفلسطين ونتقدم اليوم في بقية بلدان المنطقة بنفوذنا".
يسعى النظام الإيراني من خلال تأسيس جيوش من الإرهابيين والطائفيين، والميليشيات المسلحة للحفاظ على ديمومته وبقائه، إلا أن عوامل الضعف والهشاشة الداخلية التي تأكل جسده، إلى جانب الصراع بين الطبقة الحاكمة وبين رجال الحرس الثوري، وعدم وجود مؤسسية مستقرة يُلجأُ إليها عند النزاع، وكذلك لنفور قطاع كبير من الإيرانيين من هذا الحكم الكهنوتي في ظل استمرار الاضطهاد الداخلي والتوريط الخارجي، سيؤدي لا محالة الى زواله.



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».