أطفال مرضى السرطان يجذبون الجمهور لأول معرض لرسوماتهم في بغداد

رغم ارتعاشة أقلام التلوين بين أيديهم، وضعف بنيتهم التي أنهكها المرض ورحلة العلاج، فإن 15 طفلا عراقيا استطاعوا أن يقيموا أول معرض لرسوماتهم، ضم نحو 30 لوحة جسدت أحلامهم بالشفاء والعيش في وطن آمن يلبي لهم كل ما يحبون، وسط إعجاب الجمهور الذي احتشد وتفاعل مع الأعمال الفنية وما تلاها من ورشة للرسم الحر خلال فعاليات «مهرجان الطفولة» الذي حمل عنوان: «ملائكة ترسم».
المعرض احتضنته مؤسسة «برج بابل للتطوير الإعلامي»، (إحدى منظمات المجتمع المدني)، بمقرها وسط العاصمة بغداد، وأشرفت عليه الفنانة التشكيلية الشابة نبراس هاشم برفقة عدد من الداعمين والنشطاء، ويهدف إلى لفت الأنظار لمواهب مرضى السرطان من الأطفال وحاجتهم الشديدة للدعم النفسي والمعنوي، وقبله إلى مشفى خاص بهم بدلا من تلقيهم العلاج في مستشفى عام يفتقر لكثير من وسائل العناية والاهتمام ومستلزمات العلاج والنظافة.
تقول الإحصاءات الرسمية إن في العراق نحو 4 آلاف طفل مصاب بالسرطان بسبب الحروب وأطنان القنابل والأسلحة المحرمة التي تعرض لها خلال سنواته السابقة، مقابل عدم وجود مشفى خاص بهم يوفر لهم الرعاية التي يحتاجونها وعوائلهم لإكمال مسيرة العلاج.
أجواء فعالية مرضى السرطان، غلب عليها المرح وتعاطي الصغار مع فقراتها المنوعة، وكان منها أن يرسم كل واحد منهم شخصية كارتونية على وجه زميله، وتناول وجبة طعام متميزة، وتوزيع الهدايا بينهم، في جو احتفالي مختلف خارج جدران المشفى وألم ذويهم. تقول الطفلة سارة نعيم (9 أعوام): «أحب الرسم، وأشعر أنه يخفف عني أوجاعي، وأتمنى بيعها كي أعول بها عائلتي، بعد أن تكلفت الكثير لعلاجي».
أما صديقتها موج خالد (11 عامًا)، فقالت: «لا أحب العلاج والإبر، فرسمتها في لوحتي ووضعت عليها علامة (X)، وهنا فقط نسيت أني مريضة».
بدوره، يقول هنريك هنري، مهندس ومن النشطاء في مجال المساعدات الإنسانية وأحد المنظمين للمهرجان: «المبادرة اليوم تهدف إلى تسليط الضوء على هؤلاء المصابين، ورعاية مواهبهم، وجمع الموارد لهم عبر بيع لوحاتهم وشراء ما يحتاجونه من مستلزمات».
وأضاف: «من المؤسف أن يضم العراق نسبة عالية من مصابي مرض السرطان؛ إذ تذكر الإحصاءات الرسمية أن العدد الكلي في العراق يبلغ 4 آلاف طفل، 70 في المائة منهم من مدينتي الأنبار والفلوجة، و30 في المائة من المحافظات الجنوبية، كما أن التقصير الحكومي واضح، فقمنا بهذه الفكرة لأجل تسليط الضوء أكثر على هذه الشريحة المغيبة».
ولفت إلى أن «هناك تقصيرا حكوميا واضحا ليس في موضوع العلاج لأنه متوفر نوعا ما، لكن ما ينقص هو المشفى الملائم، وأقصد المستشفى الموجود في كل دول العالم عدا العراق، وقد أعددنا تصاميم المشروع، وننتظر توفير الإمكانات للشروع بتطبيقه ليكون أول مشفى في العراق لعلاج أطفال مرضى السرطان».
بدورها، تقول الناشطة بان هاشم ذنون، إحدى المشاركات بالمشروع: «أطفال مرضى السرطان لا يستطيعون ممارسة هواياتهم، بسبب طبيعة العلاج، فتكون الحركة ضعيفة وبطيئة، لذلك ترك بعضهم الدراسة، فحاولنا أن نكون قريبين منهم ونحاول التخفيف من آلامهم وتقديم الدعم النفسي والمعنوي، وقد جاءت النتائج مشجعة ومحفزة على التواصل معهم».
منظمة الفعالية الفنانة التشكيلية نبراس هاشم قالت: «لمسنا أن أهم لغة لتواصل الأطفال المصابين بالسرطان مع حياتهم المعيشية، هي الرسم، والرسم على نحو محدود بسبب حالتهم الصحية، ولذلك اخترنا تنظيم هذه الفعالية. كذلك معاناة المرضى بسبب عدم وجود مشفى خاص بهم، والموجود يستقبل فقط 40 طفلا بإمكانات بسيطة، في حين أن العدد أكبر من ذلك بكثير».
وأكملت تقول: «قمنا بعدة زيارات لهم، واطلعنا على رسوماتهم؛ بعضهم أخذوا يعكسون حالتهم المرضية عبر الرسم. وأسعى من خلال هذه الفكرة إلى إلقاء الضوء على حالات كهذه، لأجل إنشاء المستشفى الخاص بهم، وحث الجهات المعنية على الاهتمام بالجانب الفني والثقافي للطفل المريض، واستطعنا تجميع بعض التبرعات من عدة جهات مانحة، مثل شركة (البرونز للأثاث) في بغداد التي قدمت لهم هدايا ووجبة طعام مناسبة لهم، ومبلغا ماليا لكل طفل مشارك».