كمبوديا.. كنز آسيا الدفين يخرج للعالم

حضارة قديمة وجمال يضاهي {نمور آسيا}

روعة طبيعية
روعة طبيعية
TT
20

كمبوديا.. كنز آسيا الدفين يخرج للعالم

روعة طبيعية
روعة طبيعية

تمتلك كمبوديا من المقومات السياحية والحضارية ما يجعلها في مصاف الدول الجاذبة للزوار في آسيا. تاريخ البلاد طاعن في القدم، وموقعها يتوسط القارة الآسيوية، لكنها ما زالت تعيش تحت ظل جاراتها، نمور آسيا التي افترست حصة الأسد من السياحة الدولية؛ نظرا للاستقرار السياسي والانفتاح على العالم. ربما أن التاريخ السياسي لكمبوديا لا يشفع لها، فعقود من المجازر والتهجير إبان حقبة الخمير الحمر، ساهمت في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن بلد غامض، كما هو الحال بالنسبة لجارتها بورما، أو ميانمار التي حكمها العسكر لعقود.
لكن ها هي كمبوديا تعود رويدا رويدا للواجهة بعد التحول السياسي والمصالحة الوطنية، وتحاول اللحاق بقطار النمو والتطور. تبدو العاصمة فينوم بين في طور النمو؛ بفضل مشاريع البناء والتوسع التي فرضتها الأجواء الاقتصادية والسياسية في المنطقة بفضل رؤوس الأموال الأجنبية التي استشعرت الإمكانات الهائلة لهذه البلاد. العملة رخيصة وكلفة الحياة قليلة جدا؛ لذا بدأ السياح ووكالات السفر من مختلف أنحاء العالم وضع كمبوديا ضمن برنامجهم؛ للاطلاع على أحد كنوز آسيا التي كانت دفينة حتى وقت قريب.

فينوم بين نقطة للبداية
تشكل العاصمة فينوم بين بداية مثالية للتعرف على ثقافة البلاد وتاريخها وأسلوب الحياة. إنها مركز التجارة والأعمال، ومقر الدولة والمؤسسات الحكومية، بحجم سكان يتعدى المليوني نسمة. ونظرا لضعف البنية التحتية وضيق الطرق الرئيسية التي تشق أطراف المدينة على جهتي نهر الميكونغ؛ تجدها في وسط النهار مزدحمة بكل ما يتحرك، بين عربات الركشا والدراجات النارية والهوائية والسيارات.
الباعة المتجولون في كل مكان وحركة المرور لا تنتهي حتى تغيب الشمس وراء الأفق، مصطحبة معها ضجيج السيارات، ليحل مكانها الموسيقى والعزف ليلا في الشوارع وسط الأسواق الشعبية المتناثرة، ولعل أهم سوق في المدينة هي «سار ثماي»، التي تحتوي على كل ما تتخيله من ملابس ومطاعم شعبية، وأعمال فنية وحرفية أتت من كل أنحاء والبلاد وما وراءها.
وللهرب من الازدحام المروري؛ قررت استجار دراجة نارية والانطلاق عند بزوغ الفجر في رحلة استكشاف للمدينة، دون إزعاج من هدير المحركات ودخان السيارات.
ها هو الليل يذهب بظلامه ليحل الفجر. السكون يطغى على الشوارع التي تحولت إلى ساحات طويلة شبه فارغة من معالم الحضارة. لكن الحياة تستمر في هدوء وسكينة، نسمات الهواء العليل حلت مكان الهواء الملوث وصوت الطيور، مكان يمكن سماعه من هنا وهناك. يمشي بعض الباعة عند حافة الشارع حاملي تجارتهم على أكتافهم نحو السوق الشعبية القريبة، كما تجد بعض النساء يخرجن الورود أو الفواكه الاستوائية من سلال من القش لتصفيفها على جانبي الشارع. الانطباع الأول أن المدينة نظيفة، يطغى عليها مزيج من الطابع المعماري الآسيوي التقليدي، وهناك بعض المباني تحمل طابعا غربيا متأثرا بالاستعمار الفرنسي. ووسط انغماسي بين شوارع المدينة، إذا بي أشعر بالجوع فجأة، فلم أكن قد تناولت وجبة الإفطار. نظرت حولي وعرفت السبب، إنها رائحة طعام لذيذ أيقظت أحشائي من سباتها. هناك عند حافة الشارع المؤدي للقصر الملكي يقف رجل وزوجته خلف شعلة من النار وأوان يبيعان الطعام. تناولت وجبة محلية تعرف بالبابو، الأكلة الأشهر في كمبوديا، التي تعتمد على الأرز مكونا رئيسيا، إضافة إلى اللحم أو المأكولات البحرية.
وبعد أن تصالحت مع معدتي بوجبة لذيذة ساخنة، شرعت في حديث ودي مع البائعة تشينادي حول كمبوديا. قالت لي إنها أتت للعاصمة مع زوجها قبل خمسة أعوام من قرية على الحدود الفيتنامية؛ لكي تحصل ابنتها على التعليم. وقالت بفخر «وجبة البابو التي نقدمها هي الأهم لدى الكمبوديين؛ لما لها من معان كبيرة في تاريخهم». وبعد شرح طويل تبين أن الخمير الحمر، وبسبب الضائقة الاقتصادية، فرضوا هذه الوجبة على الناس حتى يستطيعوا التعايش مع نقص الموارد، خاصة أن البابو يعتمد على إضافة الماء للرز؛ لذا يمكن للوجبة البسيطة أن تكفي عشرة أشخاص. وعند الساعة الثامنة صباحا كانت المدينة تعج من جديد بحركة السير؛ فقررت العودة للفندق وركوب الركشا لزيارة أهم المعالم، مثل القصر، المتحف الوطني وحقول الموت، حيث قتل الآلاف من السكان بواسطة غاز سام خلال فترة الخمير الحمر، حتى يوفروا قيمة طلقات الرصاص عليهم، كما قيل لي من قبل دليل محلي.

سيم ريب.. أعجوبة معمارية
وبعد يومين من التجوال في العاصمة انتقلت إلى مدينة سيم ريب، الهدف الرئيسي لزيارتي كمبوديا.
هي مدينة صغيرة وقليلة الاكتظاظ مقارنة بالعاصمة، لكنها تعاني كباقي المدن تدهورا في البنية التحتية. تشكل المدينة حجر أساس في السياحة؛ نظرا لوجود أهم المعابد التاريخية بالقرب منها، إضافة إلى قصر الملك القابع وسط غابة كثيفة تغلفه الطبيعة بجمالها ليتحول إلى تحفة معمارية.
ولعل من أهم المعالم التاريخية التي يجب زيارتها هو آثار أنغور وات، التي تعد فخر الحضارة الكمبودية، ومصنفا على لائحة «يونيسكو» للمعالم التاريخية.
تتألف أنغور وات من خمس بنايات، أهمها البناية التي تتوسط المجمع، وتعد إعجازا معماريا بما تحمله الكلمة من معنى، حتى أن بعض المؤرخين عدوه واحدا من أفضل تحفتين معماريتين في آسيا بجانب معبد باغان في بورما. المعنى الحرفي للمعبد هو الجنة على الأرض، وتقول الدراسات إن البناية شيدت بطريقة تحاكي إحدى المجرات في السماء.
استغرقت الجولة في أنغور وات نحو نصف يوم؛ فالتفاصيل الفنية الدقيقة في البناء والأحجار التي تعكس ضوء الشمس مذهلة، وتعبر عن عبقرية من بناها قبل أكثر من ألف عام. المكان مكتظ بالسياح، بعضهم أتى مباشرة من مطار مدينة سيم ريب. بعض السياح من أوروبا قالوا لي إنهم كانوا يحلمون منذ سنين بزيارة هذه المدينة التاريخية العظيمة.
وبعد أن أكملت وجبتي الدسمة من الثقافة والتاريخ، حان الوقت لجولة في القرى القريبة من المعابد، بعيدا عن الضجيج. قرى الفلاحين صغيرة وكباقي البلاد تعاني فقرا شديدا، حيث يعتمد السكان على الزراعة وصيد الأسماك للعيش. المنازل مبنية على ارتفاع متر أو أكثر عن الأرض، ترفعها عصي من الخشب؛ وذلك خشية من الفيضانات، وكذلك لحماية المنازل من الحشرات الزاحفة التي تعج بها الحقول المنتشرة في كل مكان. وفي المساء توجهنا نحو السوق الليلية في المدينة، رائحة التوابل تخلط برائحة الأسماك واللحوم المشوية عند بداية السوق، يتخللها باعة العطور والصناعات الحرفية وأحذية محلية الصنع، إنه مكان مناسب لشراء التذكارات من هذه المدينة الخلابة.
على الرغم من المنافسة الشديدة التي تواجهها كمبوديا من جاراتها فيتنام وتايلاند في جذب السياح، وعلى عكس الصورة النمطية التي قد تتشكل لدى الفرد عن كمبوديا بسبب تاريخها الدموي، إلا أنها تمتاز عن جاراتها بطيبة أهلها وحسن معاملتهم للغريب، وهو أمر صعب المنال في فيتنام أو حتى تايلاند. الفرق شاسع بين كمبوديا وتلك الدول بالنسبة للأمان، وهو أمرض ضروري لأي شخص يرغب في رحلة هانئة يصطحب معها خلالها عائلته.
المثير في كمبوديا أن صناعة السياحة والانفتاح على العالم ما زال في مراحله البدائية بعد عقود من القطيعة السياسية بسبب العقوبات التي فرضت على النظام الحاكم، لكن هذه الميزة هي ما يجعلها أكثر جذبا للسياح؛ فالبلاد ما زالت عذراء في كثير من أجزائها، لم تطلها يد الحضارة العابثة التي في بعض الأحيان لا ترحم جمال الطبيعة.



هل تخطط لرحلة بالقطار في أوروبا؟

إقبال شديد على السفر بالقطارات التي يمكن النوم فيها (ترينيتاليا)
إقبال شديد على السفر بالقطارات التي يمكن النوم فيها (ترينيتاليا)
TT
20

هل تخطط لرحلة بالقطار في أوروبا؟

إقبال شديد على السفر بالقطارات التي يمكن النوم فيها (ترينيتاليا)
إقبال شديد على السفر بالقطارات التي يمكن النوم فيها (ترينيتاليا)

ما زال السفر بالسكك الحديدية في توسع في أوروبا، مع افتتاح مجموعة من الطرق الجديدة واحتدام المنافسة على الطرق الرئيسية، بما في ذلك على خط السكك الحديدية الذي يمر أسفل القنال الإنجليزي. ومن الممكن أيضاً أن تساعد الخطط الرامية إلى تبسيط عملية الحجز في مختلف أنحاء أوروبا في تسهيل السفر بالسكك الحديدية وزيادة كفاءته.

يعدّ الطلب على السفر بالقطار قوياً ومتزايداً. فقد زادت حركة نقل الركاب عبر الحدود بالسكك الحديدية داخل أوروبا بنسبة 7 في المائة في عام 2024 مقارنة بعام 2023، بحسب مجموعة شركات السكك الحديدية والبنية التحتية الأوروبية، وهي مجموعة صناعية مقرها بروكسل.

ازدياد واضح في خدمة النوم على القطارات خلال السفر بين البلدان (يوروستار)
ازدياد واضح في خدمة النوم على القطارات خلال السفر بين البلدان (يوروستار)

من باريس إلى ميلانو وما بعدها

بالنسبة للمسافرين المحبين للسكك الحديدية، هنالك الكثير من المسارات الجديدة للاختيار من بينها. بدأت الخدمة النهارية المباشرة بين باريس وبرلين تستغرق نحو ما يقرب من 8 ساعات في ديسمبر (كانون الأول). وتبدأ تذاكر المسار - الذي يتوقف أيضاً في ستراسبورغ بفرنسا وكارلسروه وفرانكفورت بألمانيا - بمبلغ 60 يورو (نحو 62 دولاراً). ويُضاف المسار الجديد إلى الخدمة الليلية البطيئة التي تربط العاصمتين الفرنسية والألمانية، والتي افتتحت في أواخر عام 2023.

ووصف ألبرتو مازولا، المدير التنفيذي لمجتمع شركات السكك الحديدية والبنية التحتية الأوروبية، وهي مجموعة صناعية، المسار الجديد بين باريس وبرلين بأنه «همزة وصل مهمة بين عاصمتين أوروبيتين رئيسيتين». ولكنه أضاف أن المسار لا يتسم إلا بسرعة عالية بصفة جزئية، وبالبنية التحتية المناسبة، وقد ينخفض وقت السفر إلى أقل من 5 ساعات. وأضاف: «هناك فرصة للقيام بعمل أفضل».

وسوف تشهد باريس قريباً خدمات جديدة أخرى خصوصا مع زيادة شركة «ترينيتاليا» الإيطالية للسكك الحديدية من وجودها في السوق الفرنسية.

سوف تُعيد شركة «ترينيتاليا» مع شركة «إس إن سي إف»، الشركة الوطنية للسكك الحديدية في فرنسا، فتح الخدمات المتنافسة بين باريس وميلانو في ربيع العام الحالي، بعد أكثر من 18 شهراً من وقوع انهيار أرضي في جبال الألب الفرنسية؛ ما أجبر الخط على الإغلاق. بدأت خدمة «إس إن سي إف» باريس ميلانو في 31 مارس (آذار)، بتذاكر يبدأ سعرها من 29 يورو؛ وبدأت خدمة «ترينيتاليا» في اليوم التالي. وسوف يشمل كلا المشغلين محطات في ليون بفرنسا، وتورينو بإيطاليا، من بين مدن أخرى على طول المسار. وفي أماكن أخرى في فرنسا، وفي منافسة أيضاً مع «إس إن سي إف» الفرنسية، سوف تبدأ «ترينيتاليا» في تشغيل خدمة بين باريس ومرسيليا في 15 يونيو (حزيران)، مع توقف في ليون، وأفينيون، وآكس - أون - بروفانس.

كما يتأهب المشغل الإسباني «رينفي» أيضاً إلى إحراز تقدم في فرنسا. وأعلنت الشركة أنها تعتزم قريباً تشغيل خدمة عالية السرعة بين برشلونة بإسبانيا وتولوز في جنوب غربي فرنسا. وسوف تشمل الرحلة، التي تستغرق 3 ساعات ونصف الساعة، توقفات في بيربينيان وكاركاسون في فرنسا، وغيرونا في إسبانيا، من بين مدن أخرى. وسوف تُدار بصورة موسمية، بدءاً من الربع الثاني من العام الحالي وحتى منتصف سبتمبر (أيلول).

ويجري العمل أيضاً على إقامة توصيلات عالية السرعة بين بلغراد في صربيا، وبودابست في هنغاريا؛ ولشبونة وبورتو في البرتغال؛ وبراغ وبرنو في جمهورية التشيك.

كما بدأت خدمات جديدة لقطارات النوم هذا العام. فقد افتتحت شركة «يوروبيان سليبر» الخاصة خطاً موسمياً للسكك الحديدية بين بروكسل والبندقية. وتُدير الشركة بالفعل قطاراً للنوم لنقل الركاب على مدار العام بين بروكسل وبراغ وإيطاليا، وهي الخدمة التي بدأت في العام الماضي.

وقد انتشرت عودة قطارات النوم إلى البرتغال وإسبانيا، حيث تعمل الحكومتان على إعادة فتح الخدمة الليلية بين بلديهما. وقد توقفت الخدمات - التي تربط لشبونة ومدريد وبلدة هينداي الفرنسية على الحدود مع إسبانيا - عندما بدأ الإغلاق الشامل بسبب الوباء في مارس (آذار) من عام 2020، ولكنها يمكن أن تباشر العمل مرة أخرى خلال النصف الأول من العام الحالي.

منافسة عبر القنال

تشتد المنافسة على طول أحد خطوط السكك الحديدية الشهيرة في أوروبا، وهو الخط الذي يمتد أسفل القنال الإنجليزي. يمكن للمسافرين الراغبين في السفر بالقطار بين لندن والقارة الأوروبية أن يسافروا يوماً ما مع شركة سكك حديدية أخرى غير «يوروستار»، لكن ليس قبل عام 2029 على أقرب تقدير.

وتشهد شركة «يوروستار»، التى تحتكر الخط العابر للقنال الإنجليزي منذ افتتاحه في عام 1994 طلباً قوياً. وعبر شبكتها - التي تشمل التواصلات بين لندن وباريس، ولندن وبروكسل، من بين خدمات أخرى - استضافت الشركة المُشغلة 19.5 مليون راكب في عام 2024، بزيادة أكثر من 5 في المائة عن العام السابق. ومن الممكن أن تشهد الشركة دفعة أخرى خلال العام الحالي، مع بدء تشغيل خدماتها المباشرة بين لندن وأمستردام هذا الشهر، بعد توقف دام ما يقرب من 8 أشهر بسبب تحديث البنية التحتية في محطة أمستردام المركزية.

ولكن الشركة، التي قلصت شبكتها خلال الجائحة، لا تزال تواجه تحديات. ففي تقرير صدر في ديسمبر من قبل منظمة النقل والبيئة، وهي منظمة غير ربحية تابعة لشركة «تيفينيت»، جاءت شركة «يوروستار» في المرتبة الأخيرة في تصنيف 27 شركة أوروبية للسكك الحديدية، حيث حصلت على نقاط منخفضة فيما يتعلق بالأسعار والموثوقية وسياساته الصارمة بشأن الدراجات. (لا يُسمح باستخدام الدراجات المُجمعة بالكامل في خدمة باريس - لندن، بسبب القيود الأمنية التي لا تخضع لسيطرة «يوروستار». وعلى مسارات أخرى، تسمح «يوروستار» بالدراجات «بأعداد محدودة وفي ظروف معينة»، بما في ذلك إزالة العجلات).

* خدمة «نيويورك تايمز»