«تذكرونا».. مشروع يشبع شغف هواة اقتناء «التذكارات» السعودية

أطفال من مرضى السرطان يضعون لمساتهم عليها ويجنون أرباحًا

متجر «تذكرونا» الذي افتتح مؤخرا بمدينة الخبر («الشرق الأوسط»)
متجر «تذكرونا» الذي افتتح مؤخرا بمدينة الخبر («الشرق الأوسط»)
TT

«تذكرونا».. مشروع يشبع شغف هواة اقتناء «التذكارات» السعودية

متجر «تذكرونا» الذي افتتح مؤخرا بمدينة الخبر («الشرق الأوسط»)
متجر «تذكرونا» الذي افتتح مؤخرا بمدينة الخبر («الشرق الأوسط»)

اعتاد كثير من الناس العودة من الرحلات والعطلات محملين بالتذكارات، مثل تمثال لساعة «بيغ بن» من لندن، أو قطعة فنية لمدرج «الكولوسيوم» من روما، أو تحفة مزينة ببرج «إيفل» من باريس، وربما اقتناء مجسم للأهرامات من القاهرة.. لكن ماذا عن الذين يزورون السعودية ويرغبون في اقتناء تذكار منها؟
هذا السؤال تنبه له القائمون على مشروع «تذكرونا» الذي يعرض تذكارات وطنية تحمل هوية البلد ويمكن تقديمها هدايا للزوار الأجانب أو اقتنائها من قبل المهتمين بروح الأصالة، مما يشبع شغف هواة تجميع التذكارات الوطنية، سواء كانوا من السعوديين أو من يزورون السعودية ويريدون حمل هدية تذكرهم بهذه الزيارة.
والأجمل من ذلك أن الأطفال المصابين بمرض السرطان هم من يسهمون بوضع لمساتهم على كل المنتجات المُعدة للبيع، مع تخصيص ريال من كل منتج يتم بيعه لدعم مرضى السرطان، وكذلك تغطية تكاليف الزيارات الشهرية لهم بالكامل من دخل المبيعات، وذلك بالتعاون مع «جمعية السرطان السعودية».
هذا المشروع الذي يقع في أحد المجمعات التجارية الشهيرة بمدينة الخبر يقدم الدروع والمجسمات التي تحمل صور أهم المعالم السعودية القديمة والحديثة، مثل قصر المصمك، وساعة مكة المكرمة، وبرج المملكة، وبرج الفيصلية، وجزيرة المرجان.. وغيرها، إلى جانب ميداليات المفاتيح وقطع المغناطيس الخاصة بالثلاجة، وجميعها بتصاميم وطنية.
يضاف لذلك، قناني الرمل الملون الذي يحمل داخله رسومات مُعبرة عن التراث السعودي، واللوحات الجدارية المطعمة بصور أشهر المعالم التاريخية، ويتضمن المتجر كذلك قطعًا مميزة من الأواني المنزلية الشعبية، و«السبحات» المزينة بالأحجار الكريمة، وكثيرا من التحف المشغولة يدويًا.
وأشار وائل البسام، صاحب فكرة المشروع، إلى أن فكرة هذا النشاط جاءت لتطوير العمل الخيري التطوعي كي يتوقف عن الاعتماد على الهبات والتبرعات المقطوعة، واستبدال عمل تجاري بها، يدر دخلاً تشغيليًا للفريق التطوعي دون الاهتمام بالأرباح مثل المشاريع التجارية البحتة.
وقال البسام لـ«الشرق الأوسط»: «مشروعنا مشابه لفكرة الوقف الخيري، ولكن تتم إدارته عن طريق القائمين عليه وليس عن طريق جمعية خيرية، والهدف في النهاية واحد؛ هو دعم مرضى السرطان، خصوصًا الصغار منهم، بشكل مميز، والمساهمة في علاجهم عن طريق تسليتهم وزيارتهم أولاً، ثم ربطهم بالمجتمع عبر المنتجات التي يساهمون في صنعها ثانيًا.. وكلا الهدفين له تأثير نفسي إيجابي يوازي العلاج الكيماوي والعضوي».
وذكر أن المشروع يسعى لدمج المرضى بالمجتمع بكل فئاته ومستوياته الاجتماعية والثقافية والعمرية، فالمريض يحتاج للتواصل مع الجميع، وفي المقابل، فإن جميع أفراد المجتمع يبحثون عن فرصة كهذه تتيح لهم العمل الخير بشكل لا يتطلب دفع صدقات بالضرورة، وإنما يكفي زيارة المرضى والدعاء لهم والتواصل معهم.
إلا أن تقديم منتجات تذكارية تعبر عن الوطن، فكرة موجودة في الخارج، لكنها غير شائعة في السعودية، وهو ما يطرح التساؤل عن مدى جدواها ونجاحها، خصوصًا أن هذه المنتجات عادة ما تستهوي السياح أكثر من أبناء البلد، وهو ما يعلق عليه البسام بالقول: «فعلاً يؤسفنا أن المنتجات التذكارية، خصوصا الحديثة، نادرة في وطننا رغم الزخم الكبير للتراث السعودي الثري بحضارة مميزة ورائعة وملهمة، لذلك أخذنا زمام المبادرة في ريادة هذا المجال، ونفخر بتصميم منتجاتنا عبر فنانين وفنانات من الوطن».
وعن طبيعة العلاقة بين جمعية السرطان والمشروع، أوضح البسام أن المشروع وقّع اتفاقية مع «جمعية السرطان السعودية» لتنفيذ فعاليات تشمل زيارة فريق «تذكرونا» التطوعي، المحاربين الصغار في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام شهريا، لتسليتهم بالألعاب والمسابقات وقراءة القصص والأناشيد والرسم والتلوين، ثم توزيع الهدايا.
وأكد أن العائد النفسي والاجتماعي على مرضى السرطان كبير جدًا، «فهم ليسوا فقراء يحتاجون تبرعات مالية، بقدر ما يحتاجون إلى التواصل مع المجتمع لرفع روحهم المعنوية وزيادة ثقتهم بأنفسهم والإحساس بالدعم والمساندة، ليكون العائد المعنوي سبيل العلاج الأكثر تأثيرا بإذن الله، وعندها نكون قد حققنا هدفنا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».