شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان.. حوار وجوار

من الفاتيكان إلى «الباتاكلان» في مواجهة أصولية وعنصرية

البابا فرنسيس مرحباً بشيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته للفاتيكان في الثالث والعشرين من هذا الشهر (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس مرحباً بشيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته للفاتيكان في الثالث والعشرين من هذا الشهر (أ.ف.ب)
TT

شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان.. حوار وجوار

البابا فرنسيس مرحباً بشيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته للفاتيكان في الثالث والعشرين من هذا الشهر (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس مرحباً بشيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته للفاتيكان في الثالث والعشرين من هذا الشهر (أ.ف.ب)

جاءت تحرّكات شيخ الأزهر الشريف، فضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب خلال الأيام القليلة الماضية، لتبعث برسالة إلى العالم برمته، وإلى أوروبا خاصة، رسالة تعظّم من شأن الحوار والجوار، الاتفاق والتعايش، التسامح والمودة، في مقابل دعوات العنف وصيحات الرفض والإقصاء، ورايات الأصوليات المتعصبة، ونيران مدافع الإرهاب.

زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للفاتيكان ولاحقًا زيارته لفرنسا خلال شهر مايو (أيار) الحالي، تؤكدان أن الأزهر الشريف يأخذ على عاتقه دورًا من أدواره التاريخية من جديد. دورًا يتصل بسماحة الدين الإسلامي مع الآخر، ويشير إلى مدى تقبل المسلمين أصحاب الثقافات الأخرى والديانات المغايرة، حتى وإن كان الواقع المعاصر مليئًا بمشاهد الألم والنار والدمار.
وهنا يعنّ لنا أن نغوص في أعماق التاريخ لنتساءل سويًا.. متى عرف الحوار طريقه بين الشرق والغرب على صعيد أتباع الأديان السماوية، الإسلام والمسيحية بنوع خاص؟ وهل هو حوار جديد تاريخيًا - كما يخيل للبعض أو حسب ما ترصد الذاكرة المعاصرة - أم أن هناك في أضابير التاريخ وقصص الجوار العربي المسيحي الإسلامي ما هو مثير وجميل ورفيع القدر في الوقت ذاته؟
يخيّل إلى البعض أن تاريخ الحوار الإسلامي المسيحي المعاصر يعود إلى الحدث الكبير الذي غيّر مجريات العالم الكاثوليكي في ستينات القرن العشرين، أي المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الذي انعقد في حاضرة الفاتيكان خلال الفترة من عام 1962 إلى 1965، غير أن الأمر في واقع الحال أبعد من ذلك بكثير..
والشاهد أنه في عام 1219 م، في ظل احتدام ما عُرف عند العرب بـ«حروب الفرنجة»، وفي الغرب باسم «الحروب الصليبية»، خرج من بين صفوف الأوروبيين الكاثوليك، ومن أعمال مدينة أسيزي الإيطالية تحديدًا، راهب سيغدو لاحقًا رمزًا للحوار والسلام، ومعلمًا لرفض الأصوليات اليمينية الأوروبية التي ستظهر تاريخيًا في القارة الجارة الأكبر والأقرب للعرب والمسلمين.
ظهر فرنسيس الأسيزي، مؤسس الجماعة الكاثوليكية المعروفة بـ«الأخوة الأصاغر».. أو «الفرنسيسكان».
كانت صيحة ملوك أوروبا أن المسلمين هم الذين يقطعون الطريق على الحجاج المسيحيين للوصول إلى «الأراضي المقدسة» والمعالم المسيحية في فلسطين، لا سيما القدس. وبدا ذلك أنه المبرّر والوازع لشن حروب أصولية متطرفة، رأينا مثلها، وإن بأثواب وأردية خفية، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لقد رفض فرنسيس الأسيزي تلك الدعاوى المنحولة، ومضى إلى معسكرات الصليبيين في دمياط، صائحًا أن خطايا وآثام الأوروبيين هي التي تسد الطريق إلى المقدسات وليس المسلمين. ومن ثم رحل عن مخيماتهم غاضبًا، متنبئًا لهم بالروح بالهزيمة النكراء، وهو ما حدث لاحقًا. ومضى على الأثر ليقابل سلطان المسلمين الملك الكامل ابن الملك العادل الأيوبي، ويحل ضيفًا مكرّمًا عليه وليعزز ويكرم وفادته، وتجرى بينهما حوارات عميقة، ويرحل فرنسيس محملا بالهدايا، ويأخذ إذن السلطان لأن تنتشر جماعته التي تبحث عن السلام في فلسطين، ولاحقًا تعود إلى مصر.
اعتبر نصر فرنسيس الأسيزي بحسب المؤرخين المسلمين قبل الغربيين أفضل من كسب أربعين موقعة حربية، وعُرف بـ«صليبية المحبة»، لا «صليبية جيوش» ريكاردوس قلب الأسد، التي لم تخلُ من منطلقات دنيوية أخرى.
عرفت مصر إذا هذا النوع الراقي من الحوار الإسلامي - المسيحي باكرًا جدًا، ومع انطلاقة المجمع المشار إليه سالفًا، عمل العلامة المصري الأب الدكتور جورج قنواتي، الراهب الكاثوليكي الدومنيكاني الأشهر، على تعزيز العلاقة بين الكاثوليكية والإسلام.
في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وبالتحديد في العام 1986، بدأ البابا يوحنا بولس الثاني، بابا الفاتيكان، تلك المسيرة الحوارية الجديدة عبر لقاء الأسيزي، الذي جمع كل الأديان في مدينة فرنسيس الأسيزي التاريخية، ولاحقًا بدأت مسلسلة من الحوارات بين الأزهر والفاتيكان.
هل تغير المشهد الآن بعد زيارة الشيخ الطيب؟ بداية يلزم الإشارة إلى أن سنوات حبرية البابا السابق بنيديكتوس السادس عشر، كانت قليلة الحظ مع العالم الإسلامي خاصة، ولذا تعرّض الحوار لكبوات أدت إلى تعليقه لمدة خمس سنوات. غير أن شخص البابا فرنسيس، البابا الحالي، وإدارته للبابوية استطاعا أن يعدلا ويبدلا من رؤية العالم الإسلامي، وأن يفتحا أبواب الفاتيكان واسعة مرحبة بشيخ الأزهر وصحبه من علماء المسلمين الأزهريين.
والواقع أن البابا فرنسيس، الأرجنتيني المولد، ارتقى السدة البطرسية خلفًا لبنيديكتوس السادس عشر الذي اعتبره كثيرون في أوروبا «بابًا محافظًا أقرب ما يكون للأصولي». وهكذا أيضًا نظرت أصوات فلسفية أوروبية إلى ذلك البابا الألماني المولد الذي كان، عندما يعرف باسم الكاردينال جوزيف راتزينغر، يتولى منصب رئيس مجمع العقيدة والإيمان لمدة ربع قرن في الفاتيكان. غير أن فرنسيس بدا من لحظاته الأولى، رجل تسامح ومصالحة، يعشق البساطة ويحب الناس، يحرص على بناء الجسور ويرفض الجدران العالية.
وغداة انتخاب البابا فرنسيس كان شهر رمضان الفضيل يحل على العالم الإسلامي، وكانت رسالته إلى المسلمين تجد صدى طيبًا، إذ هنأ مسلمي العالم كله بالعيد وبيّن ما للصوم من كرامة في كل الأزمان ولدى كل الأديان. وعندما اشتعلت أزمة رسوم مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية، استنكر فرنسيس أن يتعرض أصحاب الأديان لامتهان الكرامة على ذلك النحو. وفي اليونان مضى إلى جزر المهاجرين المسلمين ليصطحب منهم أفرادًا إلى الحاضرة الكاثوليكية، ومن قبل كان قد أوعز إلى مختلف الأبرشيات والكنائس والرهبانية الكاثوليكية في عموم أوروبا بفتح أبوابها واستضافة أسر اللاجئين. وفي حواره الأخير مع مجلة «لا كروا» الفرنسية الكاثوليكية الشهيرة، أشار إلى إمكانية التعايش الإسلامي - المسيحي في أوروبا وفي غيرها من بقاع وأصقاع العالم.
يمكن القول دون تزيد إن فرنسيس الأول، رغم سنوات حبريته التي لم تتجاوز بعد السنوات الثلاث، استطاع أن يشكل علامة أوروبية ذات وزن في طريق رفض الأصولية الدينية وسياقات الغطرسة التي تواكبها. ولقد وجدت شخصيته قبولاً شعبويًا ونخبويًا أوروبيًا تمثل أخيرًا في تكريمه بالجائزة الشهيرة للملك «شارلمان» رغم ما تعانيه القارة العجوز من حزازات الإسلاموفوبيا البغيضة، وإشكاليات المهاجرين وأزمات اندماجه. وبدا الرجل ولا يزال صوتًا صارخًا في «البرّية الأوروبية الأصولية»، إن جاز التعبير في هذا الإطار، ولم يكن غريبًا أو مثيرًا أن يتحدث الإمام الأكبر الطيب عنه بوصفه «رجل سلام»، رجلاً يتبع تعليم المسيحية التي هي ديانة المحبة والسلام، ويحترم الديانات الأخرى ويقدر مؤمنيها.
ومن ناحية ثانية، يأتي الشيخ الطيب ووراءه رصيد للأزهر الشريف قبلة الإسلام السنّي وتاريخ طويل من الإشعاع في العالمين العربي والإسلامي، للتأكيد على نقاط الالتقاء وتعظيمها، وهي نقاط كثيرة وتحتاج إلى الاجتماع عليها. وفي المقدمة منها نشر ثقافة السلام ورفض الاتهامات غير المبررة للإسلام، وهو بذلك يفتح صفحة جديدة مع أوروبا والغرب، وبذلك أيضًا يضع سدودًا وحدودًا أمام تيارات العنف التي تختبئ وراء رايات الإسلام السياسي.
الشيخ الطيب وفرنسيس الأول، يشكلان معًا، دون أدنى شك، جبهة مقاومة عنيفة للذين عملوا طويلاً - لا سيما من رجالات السياسية حول العالم - على عسكرة الكون، وهدر دماء الآمنين، بتلاعبهم بمقدرات الأديان والإنسان. ومع أن اللقاء لم يطل لأكثر من ثلاثين دقيقة يرجح أن تكون له استحقاقات طيبة وإيجابية في الآتي من الأيام، لا سيما وأن هناك حديثًا عن «مؤتمر للسلام العالمي» تحت رعاية هاتين المرجعيتين الدينيتين، وبما لهما من تأثير إيجابي على نحو ثلاثة مليارات من البشر حول البسيطة.
بعد الفاتيكان، توجه الشيخ الطيب إلى باريس «مدينة النور»، عاصمة فرنسا دولة «التنوير»، التي تريد الأصوليات الظلامية على أنواعها إطفاء أنوارها، وإلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين. ومن على «منبر الملتقى الثاني للحوار بين حكماء الشرق والغرب» بالعاصمة الفرنسية كان الطيب يؤكد على أهمية الحوار، وتحقيق الاندماج، وبناء جسور الثقة وتحقيق قيم التعايش بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.
وهنا شيء ما يربط ذهنية الشيخ الطيب بالبابا فرنسيس، ويتمثل في النظر إلى فرنسا بمنظور خاص، فالطيب الذي عاش بين أهليها باحثًا ودارسًا لسنوات طوال يدرك أن فرنسا هي قلب أوروبا المفكر النابض، وعقلها التنويري المنفتح. وفرنسيس في حواره مع «لاكروا» يوجّه لفرنسا عتابًا من نوع خاص، إذ يصفها بأنها الابنة البكر للكنيسة الكاثوليكية، لكنه يصفها بأنها ابنة غير أمينة، ومردّ ذلك تلك الحالة من العلمانية الجافة والمسطّحة، ومن الأنوار التي تعمي التي سادتها، ومعها تضمحل رويدًا رويدًا روح الكاثوليكية التي اتسمت بها في فرنسا لقرون طوال.
تعني الرؤية المتفقة للبابا وشيخ الأزهر شيئًا واحدًا، هو حتمية سيادة روح الإيمان الخلاق القابل للآخر، والرافض للتهويمات الأصولية، وللعلمانية الطاردة لروح الدين. وهذا هدف يجمع القامتين الكبيرتين، مما يعني أن اللقاء بالفعل يرسي قواعد جديدة يمكن البناء عليها في أجواء من الثقة المتبادلة والمتزايدة، ويقطع الطريق على دعاة حروب الأصوليات والتطرف والإلغاء.
ولقد أحسن شيخ الأزهر سواءً في تصريحاته في الفاتيكان أو في كلماته وتحركاته في فرنسا. ففي تصريح لإذاعة الفاتيكان - القسم العربي أكد من تلك الحاضرة التي وصفها البعض بأنها «قلب التاريخ النابض»، أن رسالة الأديان هي إسعاد الإنسان أينما كان وأنه «سعيد بزيارة الفاتيكان والجلوس مع البابا في جلسة نقاش واتفاق». وأظهر الأمام الأكبر صورة الإسلام السمح، الذي يعلم تمام العلم جوهر الإسلام الحقيقي، الداعي للتعارف بين الأمم، لا إسلام «داعش» الذي رأينا صورًا منه لا علاقة لها بالإسلام.
وفي باريس حرص الشيخ الطيب في لفتة رائعة على زيارة مسرح «الباتاكلان»، حيث وضع باقة من الزهور تكريمًا لضحايا الاعتداءات التي ضربت باريس يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وبينهم كثر سقطوا داخل ذلك المسرح. كما قرأ الفاتحة على أرواح الضحايا، الأمر الذي جعل العالم يتذكر ما قاله الشيخ الطيب غداة تلك الاعتداءات التي وصفها بـ«الشائنة»، ولم يتوقف عند إدانتها فحسب، بل دعا «العالم أجمع إلى التوحّد في مواجهة هذا الوحش المسعور».
وحقًا، كانت أجمل صورة نقلها الإعلام الغربي عن الإسلام والمسلمين في الأعوام الأخيرة، هي تلك التي التقطت لشيخ الأزهر وهو يضع الزهور أمام «الباتاكلان». ولعل الأجمل والأكثر تأثيرًا من ملايين الدولارات التي يمكن أن تنفق لتبيان عدم ارتباط الإسلام بالإرهاب، كانت الكلمات التي تفوه بها قائلاً: «أتيت لأعلن أمامكم وباسم الإسلام، أن دم البشر يجب أن يحفظ من الإبادات والتضحيات، فالعلاقة التي أسسها الله بين البشر مبنية على السلام والأخوة والتعاون، فيما ليس للإرهاب بلد أو دين. مع جميع المسلمين تألمت لرؤية إراقة الدماء هنا وفي كل مكان آخر بسبب الشر. لذا علينا جميعًا في الشرق والغرب أن نتضامن لمواجهته».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».