ثمن الحرية في الفلوجة 5 آلاف دولار

«الشرق الأوسط» تلتقي عائلات نجحت في الفرار من جحيم {داعش}

ثمن الحرية في الفلوجة 5 آلاف دولار
TT

ثمن الحرية في الفلوجة 5 آلاف دولار

ثمن الحرية في الفلوجة 5 آلاف دولار

كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر متعددة من داخل الفلوجة، عن تحديد «داعش» مبلغ 5 آلاف دولار للعائلة التي تريد الفرار وترك المدينة الواقعة تحت حصار تنظيم الإرهابي، وسط تزايد عدد الفارين من الجحيم المخيم على المدينة، إلى أكثر من 750 شخصا أغلبهم من النساء والأطفال.
وأفادت مصادر محلية من داخل مدينة الفلوجة بأن «تنظيم داعش يعيش حالة من الذعر والهلع بعد تقدم القوات الأمنية العراقية من مداخل المدينة، وحذر التنظيم المتطرف الأهالي من الهرب أو رفع الرايات البيضاء على أسطح المنازل، من أجل استخدامهم دروعا بشرية، فيما حاول بعض مسلحيه مقايضة بعض العائلات بالسماح لهم بالهرب مقابل المال».
وأضافت المصادر ذاتها بأن «مسلحي التنظيم أعدموا رجلا وزوجته من أهالي الفلوجة رميا بالرصاص؛ لأنهما حاولا الهرب من المدينة والاتجاه نحو منطقة عامرية الفلوجة».
وكشف مصدر طبي عراقي من داخل مدينة الفلوجة عن أن مستشفى المدينة تعرض لقصف صاروخي آخر تسبب في هدم الكثير من غرف المرضى الراقدين في المستشفى، وإصابة العشرات من الجرحى والمرضى، لافتا إلى «استقبال المستشفى جثث 25 قتيلا سقطوا جراء القصف العشوائي بالصواريخ والمدفعية، و43 من الجرحى».
وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن «إحصائية إجمالية لعدد الحالات التي استقبلها مستشفى المدينة منذ عامين فقط عن مقتل وإصابة أكثر من 9300 مدني جراء القصف المتواصل على المدينة، وأشارت الإحصائية إلى مقتل 532 طفلا، و332 امرأة، وإصابة 5864 آخرين، بينهم 962 طفلا، و808، تضاف إليهم أعداد أخرى من الشهداء والجرحى الذين سقطوا خلال الأيام الأربعة الماضية التي اشتد فيها القصف لدرجة غير مسبوقة، حيث تتساقط الآلاف من الصواريخ والقذائف في اليوم الواحد على مناطق متفرقة من المدينة وبشكل عشوائي».
وأشار المصدر إلى أن الكثير من الحالات لم تسجلها المستشفى بسبب عدم وجود سيارات إسعاف تنقل الجرحى والشهداء، وكذلك عدم وجود للسيارات المدنية الخاصة بسبب انعدام الوقود في المدينة منذ أشهر عدة، وهناك حالات من الإصابات تعالج بشكل بدائي من قبل الأهالي الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدينة، كما أن العشرات من المدنيين دفنوا تحت الأنقاض بسبب انهدام البيوت عليهم بشكل كامل إثر القصف الوحشي الإجرامي المتواصل ليل نهار».
وتمكنت عدد من العائلات المحاصرة داخل مدينة الفلوجة من الفرار من قبضة تنظيم داعش والوصول إلى مناطق تواجد القوات الأمنية العراقية، وقال عضو اللجنة الأمنية في محافظة الأنبار، راجح بركات، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «عدد العائلات التي تمكنت من الوصول إلى القطاعات العسكرية العراقية هاربين من قبضة تنظيم داعش بلغ أكثر من 405 عائلات، حيث استقبلتهم قواتنا الأمنية ونقلتهم إلى الأماكن المخصصة لهم في ناحية عامرية الفلوجة».
وأضاف بركات «إن إجمالي العائلات التي تمكنت من الوصول إلى قواتنا الأمنية خلال الأيام الماضية بلغت نحو 100 عائلة بتعداد 750 شخصا، بينهم 425 من الأطفال، فيما ما زالت العائلات الباقية تنتظر لحظة الخروج من المدينة والإفلات من قبضة التنظيم الإرهابي».
«الشرق الأوسط» التقت عددا من العائلات التي تمكنت من الهرب من قبضة تنظيم داعش، وقالت أم عبد السميع (54 عاما): إن «الحياة في مدينة الفلوجة كانت أشبه بالجحيم؛ فبعد شهور من الجوع والحصار تحت قبضة التنظيم الإجرامي أصبحت الفلوجة عبارة عن كتلة من النار في الأيام الماضية، حيث تتساقط القذائف من كل مكان حتى أصبحنا لا نفكر في الجوع؛ فالخوف والرعب وحدهما كانا المسيطرين على عقولنا وأجسادنا، اتجهنا بشكل لا إرادي ومعنا العشرات من العائلات صوب الممرات التي كانت القوات الأمنية قد أعلنت عنها منذ أشهر، وكنا نعلم جيدا بوجود المسلحين التابعين لتنظيم داعش، وبالخصوص القناصة، حيث كنا نسمع بأنهم قاموا بقتل العشرات من أهالي المدينة الذين حاولوا الفرار من قبضة (داعش)».
وأضافت أم عبد السميع: «اتجهنا نحو منطقة النساف غرب المدينة، وبالفعل تمكنا، وبرعاية الله عز وجل، من الوصول إلى القوات الأمنية التي نقلتنا إلى هنا، فيما اتجهت بعض العائلات إلى منطقة الحصي جنوب المدينة، ولا أعلم هل نجحت في الوصول إلى هناك أم وقعت بيد مسلحي التنظيم الإرهابي؟».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.