مصادر يمنية: الجهود الدولية تنصب في تثبيت وقف النار وإطلاق المعتقلين

كشفت عن مطالبة الانقلابيين بـ50 % من الحكومة ومؤسسات الدولة

شوارع تعز التي تشهد على أعنف المواجهات القتالية ما زالت تحت الحصار (رويترز)
شوارع تعز التي تشهد على أعنف المواجهات القتالية ما زالت تحت الحصار (رويترز)
TT

مصادر يمنية: الجهود الدولية تنصب في تثبيت وقف النار وإطلاق المعتقلين

شوارع تعز التي تشهد على أعنف المواجهات القتالية ما زالت تحت الحصار (رويترز)
شوارع تعز التي تشهد على أعنف المواجهات القتالية ما زالت تحت الحصار (رويترز)

في الوقت الذي تتحدث بعض المصادر اليمنية والدبلوماسية عن اقتراب التوصل إلى اتفاق لتسوية النزاع في اليمن، كشف مصدر يمني رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» عن طبيعة تلك التحركات التي تقوم بها بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وقال إن هذه التحركات تهدف إلى التوصل إلى مسألتين رئيسيتين، هما: إيقاف الحرب، من خلال تثبيت وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، وليس إلى اتفاق سياسي شامل ينهي الحرب والصراع الدائر في البلاد. وأعرب المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، عن شكره لكل المساعي التي تبذلها أطراف إقليمية ودولية من أجل وضع حد للنزاع في اليمن، لكنه أكد أن الحل والتسوية السياسية لن يأتيا من خارج مشاورات السلام في الكويت.
واستبعد المصدر المقرب من الرئاسة اليمنية، تمامًا، أن تكون الجهود التي تبذل، والتي لم يعلن عنها، حتى اللحظة، بشكل رسمي، تخطط لتسوية سياسية شاملة في اليمن، خارج إطار مشاورات الكويت أو قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالأزمة اليمنية، وقال إن الشرعية ووفدها المفاوض، لن تقبل أبدا بتسوية تشبه أو تكون تكرارًا لما كان يعرف بـ«اتفاق السلم والشراكة»، الذي وقع مع الحوثيين في سبتمبر (أيلول)، عام 2014، وانقلبوا عقب التوقيع عليه، على الشرعية مباشرة، و«لن تقبل بتجريب المجرب»، وأضاف: «لدى وفد الشرعية إصرار على عدم قبول اتفاق خارج إطار ما يتم الاتفاق عليه في مشاورات الكويت»، و«أي فكرة خارج إطار المشاورات، وخارج إطار تطبيق القرار 2216، لن تكون محل ترحيب من جانب وفدنا بالكويت».
كما كشف المصدر اليمني الرفيع لـ«الشرق الأوسط» أن الانقلابيين الحوثيين يسعون، من خلال الإلحاح على مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، الذي يطرحونه في مشاورات الكويت ويتمسكون به، إلى الحصول على 50 في المائة من السلطة، في الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وأعرب المصدر عن الرفض المطلق لأن يكون الحوثيون شركاء مع اليمنيين مناصفة في البلاد، واعتبر أن «أي تسوية تأتي في هذا السياق، سوف تكون مكافأة لهم على انقلابهم على الشرعية في اليمن»، في وقت ذكرت مصادر سياسية أخرى بأن مشروع التسوية السياسية والاتفاق على إنهاء الحرب الذي تسعى إلى التوصل إليهم الأمم المتحدة وعدد من الأقطاب الدولية، يقوم على أساس تطبيق القرار 2216، وتطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل، بعد إجراء تعديلات وإضافات عليها، بما يتناسب ويرضي كل الأطراف، حيث أكدت المصادر أن التصور المقبل هو لدولة اتحادية واضحة المعالم، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، الأسابيع القليلة الماضية، في لقاءات جمعته بوفود من أبناء عدة أقاليم، أعلنت ضمن مخرجات الحوار الوطني، حيث شدد هادي على موضوع الدولة الاتحادية والأقاليم.
في هذه الأثناء، يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لقاءاته بوفد الانقلابيين (الحوثي – صالح) في الكويت، بعد أن أنهى جولة من اللقاءات مع وفد الحكومة الشرعية، وبحسب ما رشح من معلومات من مصادر مقربة من المشاورات، فإن ولد الشيخ يبحث مع الانقلابيين قضايا الانسحابات من المدن، وفي مقدمتها صنعاء وتعز وصعدة، وإشكالية تسليم السلاح، وغيرها من القضايا التي بحثها، اليومين الماضيين، مع وفد الحكومة، وذلك لبلورة أفكار مشتركة حول نقاط الاتفاق والاختلاف إزاء القضايا المطروحة للنقاش، بعد أن لعبت الجهود الكويتية والأممية والقطرية، الأسبوع الماضي، دورًا في منع انهيار المشاورات، وأقنعت وفد الحكومة بالعودة إلى الجلسات، التي علق مشاركته فيها، في أعقاب تراجع وفد الانقلابيين عن الاعتراف بالمرجعيات الخاصة بالمشاورات، وفي مقدمتها القرارات الدولية الملزمة.
إلى ذلك، يستمر التقدم، وإن كان بطيئا، في عمل لجنة المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرًا، وتستمر اجتماعات اللجنة بمشاركة خبراء من الصليب الأحمر الدولي، حيث يتم بحث تبادل كشوفات الأسماء وآليات التسليم وفئات الأشخاص الذين يفترض أن يتم الإفراج عنهم قبل حلول شهر رمضان المبارك المقبل، أو مع الأيام الأولى من الشهر، غير أن المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، تؤكد أن وفد الانقلابيين يمر في ورطة تتعلق بعدم وجود كشوفات أو قوائم لديه بمعتقلين أو مختطفين لدى الشرعية بالطريقة المماثلة التي لديه.
إذ لم يعلن عن اعتقال قوات الشرعية، في أي من المحافظات المحررة، لعناصر بطريقة مخالفة للقانون، باستثناء أسرى الحرب، في الوقت الذي يسعى الانقلابيون إلى تحويل كل المحتجزين لديهم إلى ما يشبه أسرى حرب، وإلى ورقة للمساومة بهم في المشاورات، وهو الأمر الذي يقول المراقبون إن الانقلابيين يحاولون الضغط باتجاهه.
وكانت مصادر سياسية ودبلوماسية، كشفت لـ«الشرق الأوسط»، اليومين الماضيين، عن جهود تبذلها أطراف دولية للتوصل إلى صيغة اتفاق تسوية سياسية لإنهاء النزاع المسلح الدائر في اليمن، في وقت أكد المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إصرار المنظمة الدولية على حل الأزمة اليمنية، وأبدى ولد الشيخ، خلال أكثر من شهر من المشاورات المترنحة في الكويت، تفاؤلاً مستمرًا في التوصل إلى صيغة اتفاق، واستعان الوسيط الأممي بأمين عام الأمم المتحدة وكبار المسؤولين في الدولة المستضيفة للمشاورات (الكويت)، إضافة إلى الاستعانة بأمير دولة قطر، وبعض الشخصيات اليمنية المؤثرة والمقبولة من طرفي النزاع، وذلك لتليين مواقف الطرفين باتجاه عدم انهيار المشاورات، والاستمرار حتى التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع.
وتدور هذه النقاشات، سواء في مشاورات الكويت، أو من قبل الأطراف الإقليمية والدولية لدراسة الحلول للأزمة اليمنية، في وقت دخلت المشاورات في الكويت في نقاشات في صلب القضايا الرئيسية والشائكة، وفي مقدمتها الانسحابات وتسليم الأسلحة، غير أن مصادر مقربة من المشاورات أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن واحدة من القضايا الرئيسية التي باتت تطرح، بكل وضوح، هي مسألة إبعاد المخلوع علي عبد الله صالح، وعبد الملك الحوثي، عن المشهد السياسي، على اعتبار أن خطوة كهذه تمثل إحدى ركائز بناء الثقة بين الطرفين، للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة، بحسب تلك المصادر.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.