معرض سعودي يرصد تاريخ الرسوم المتحركة في مائة عام

عندما تفتش في أعماق طفولة الكثير من السعوديين، تجد قصة «هايدي» ومغامرات «عدنان ولينا» وحيوية «كابتن ماجد».. هذه الكلاسيكيات القديمة لأرشيف الرسوم الكارتونية التي رافقت أجيالا من أبناء السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات، كانت دافعا لإقامة (معرض الرسوم المتحركة الأول)، في مدينة الخبر، والذي أعاد إحياء هذه الشخصيات القديمة وربطها بتاريخ صناعة الرسوم الكارتونية وأبرز المحطات التي شهدتها هذه الصناعة.
يبدأ المعرض في التعريف بأقدم شريط رسوم متحركة عرفه التاريخ «إنمي»، كان مكونا من 3 ثوانٍ ويظهر به ولد يرفع قبعته الحمراء ويلوح بيده، وبعدها انطلق الجيل الأول من الرسوم الكارتونية اليابانية في الفترة من 1910 إلى 1920. وفي عام 1917 تحديدا، جاءت أول موجة للرسوم المتحركة اليابانية حيث تم إنتاج 12 عملا خلال عام واحد، من أهمها «السيف المشهور» الذي جاء من إنتاج «جوتشي كوتشي» أحد مؤسسي الإنمي.
ثم جاء الفيلم الكارتوني «أوراشيما تارو» وهو يحكي قصة صياد قام بتحرير سلحفاة فاصطحبته إلى رحلة تحت ماء البحر، من إنتاج «سياتارو كيتاياما» أحد مؤسسي الإنمي والذي أنتج أكثر من 13 فيلما. لكن في عام 1923 حدث زلزال كانتو الكبير والذي بلغت قوته 8.3 درجة، مما أدى إلى وفاة 100 ألف شخص وضياع كثير من الأعمال الفنية بما فيها أفلام الإنمي الأولى.
تلتها مرحلة الجيل الثاني، ما قبل الحرب العالمية الثانية، وفي حقبة الثلاثينات بدأ المحيط السياسي يتوتر بين اليابان والولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت أميركا العدو الأكبر لليابانيين، وهو ما ظهر في رسومات الإنمي حينها، إذ بدأت الأعمال الكارتونية اليابانية تعبر عن الخوف أو الشجاعة في الحروب، وكثير من الرسوم المتحركة أصبح لها طابع عسكري.
ويحكي محمد المضيان، وهو المشرف على المعرض، انعكاسات ذلك بقوله «صارت الرسوم الكارتونية مدعومة من قبل الجيش الإمبراطوري الياباني، وبدأت تظهر الأسلحة في هذه الأعمال، والشخصيات أصبحت قصتها ومراحل تطورها ذات صبغة عسكرية».
ويضيف «لإدخال فكرة أن الأميركي هو العدو، أحضر اليابانيون (ميكي ماوس) الشخصية الأميركية الشهيرة، ووضعوه في الأدوار الشريرة جدا، بحيث يأتي على أسطول من الحيوانات لمهاجمة الجزيرة المليئة بالحيوانات اللطيفة، لكن في النهاية يستطيع أهل الجزيرة النيل من (ميكي ماوس) وطرده».
واستمر موال الحروب والمناوشات في معظم الرسوم الكارتونية اليابانية خلال تلك الفترة، بحسب المضيان، حتى جاءت كارثة القنابل النووية عام 1945 والتي ضربت مدينتي هيروشيما وناجازاكي، مما أربك حراك الرسوم الكارتونية اليابانية وعطلها لسنوات.
ويقدم المعرض تعريفا بشخصية الياباني «أوسامو تويزوكا»، على اعتبار أنه من عوامل الإنمي الحديث، خاصة أنه أضاف نكهة جديدة للرسوم الكارتونية عملت نقلة نوعية كبيرة لأعمال الإنمي اليابانية، من خلال إضافة لمسات خاصة للشخصيات مثل العين الكبيرة، وهو ما لقي رواجا كبيرا بين جميع الرسامين حينها الذين التقطوا هذا الأسلوب واعتمدوا أسلوب العيون الكبيرة.
ومن أوائل أعمال أوسامو تويزوكا مسلسل (الفتى آسترو) الشهير، وهذا العمل الذي تم إنتاجه عام 1963 كان من أوائل الأعمال التي تجاوزت شعبيتها اليابان، فلقد كانت صناعة الرسوم اليابانية مقتصرة على الاستهلاك المحلي، لكن الفتى آسترو علّم الصناعة اليابانية أنه بالإمكان تصدير هذا الفن لدول العالم، وهو ما حدث فعلا.
وتناول المعرض كذلك الياباني «هاياو مايازاكي» الذي يُعد من الأعمدة الرئيسية للإنمي، ويُطلق عليه لقب (والت ديزني اليابان)، وكانت أول وظيفة له في شركة «توي انميشين»، وبدأ مزاولة الإخراج في أول مسلسل كارتوني له والذي عرف في المنطقة العربية باسم «عدنان ولينا» عام 1978، ثم افتتح شركة «موشي بروديكشن»، وكان حينها التنافس على أشده بين هاياو مايازاكي وأوسامو تويزوكا.
ويوضح المضيان ما تلا ذلك بقوله «في السبعينات انفجرت هذه الصناعة، وأصبحت الأعمال تُصدر إلى خارج اليابان»، ويشير إلى أن اليابانيين اعتمدوا كثيرا على الروايات الكلاسيكية والقصص الأوروبية في صناعة أعمالهم، قائلا: قصة «جزيرة الكنز» مثلا لم تكن غريبة علينا، وكذلك قصة «هايدي»، لكن اليابانيين أدركوا أن ثقافتهم الشعبية ليست سهلة الهضم رغم عمقها وقيمتها، لذا استوردوا القصص العالمية والتي قمنا نحن بدبلجتها لاحقا إلى العربية.
ونقلا إلى الحراك الكبير للدبلجة العربية التي أسهمت في انتشار الرسوم الكارتونية في الوسط العربي والخليجي تحديدا، يقدم المعرض هذا الحراك على موجتين، الأولى في فترة الثمانينات، ومن أشهر الأعمال التي تمت دبلجتها حينها: «فلونة روبنسون كروزو»، «جورجي»، «ليدي أوسكار»، «مغامرات عدنان»، «مغامرات نحول»، «لوسي»، «حكايات عالمية»، «سنان».
ويقدم المعرض بادرة وفاء لأصحاب أصوات الدبلجة العربية خلال تلك الفترة، من خلال وضع حائط كبير يضم أسماء وصور أشهر الشخصيات، مثل: مها المصري، سناء التكمنجي، جاسم النبهان، فلاح هاشم، فوزية عزت، سعاد جواد، عصمت محمود، سالم الجحوشي، مسافر عبد الكريم، عبد الرحمن العقل، علي المفيدي، داود حسين، سناء يونس.
تلا ذلك حقبة التسعينات والتي كانت زاخرة كذلك بأعمال الدبلجة العربية، لأعمال مثل: «لحن الحياة»، «الصياد الصغير»، «روبن هود»، «الكابتن ماجد»، «ليدي ليدي»، «أليس في بلاد العجائب»، «مغامرات نيلز»، «مغامرات كالميرو»، «صاحب الظل الطويل»، «سالي». بفريق دوبلاج ضم كلا من: علي القاسم، انجي اليوسف، أمل حويجة، مازن الناطور، سهير فهد، قمر الصفدي، مادلين طبر، أمل دباس، رفعت النجار، إيمان هايل.
ولا يفوت الذكر بأن كثيرا من هذه الأعمال تمت دبلجتها بعد سنوات من إنتاجها، على سبيل المثال مسلسل «الكابتن ماجد» الذي أنتج عام 1983 وتمت دبلجته في بداية التسعينات الميلادية، وشهد تاريخ الدبلجة العربية انتقالا ما بين فترة الموجة الخليجية التي جمعت فنانين من الخليج العربي والعراق ولبنان، ثم تأثر هذا الحراك باضطراب الأوضاع السياسية، لتنتعش بعدها شركات الدبلجة الأردنية والمصرية.
وبسؤال المضيان عن اختفاء هذه الكلاسيكيات وتوقف الرسوم الكارتونية عن تقديم الروايات العالمية والأعمال التي تركز على قيمة العائلة والحب وانتصار الخير، يقول: «لأنها لم تعد مربحة ماديا، فأصبح هناك تحول في كثير من شركات الإنتاج التي ابتعدت عن الأعمال الروائية المطولة، واتجهوا لفكرة وضع شخصيات معينة والتعريف بعلاقتهم ومحيطهم، بما يعطي الفرصة الدائمة للتعريف بهذه الشخصيات ورواجها عالميا، مثل (الفتى آسترو) الذي ما زال موجودا حتى اليوم».
ويتابع المضيان حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «إنتشار (الفتى آسترو) لأنه لم يرتبط برواية معينة، والأمر ذاته مع مسلسل (بوكيمون) الذي أنتج في الوقت الحديث، مع الإشارة إلى أنه كلما ازدادت مدة العرض كلما أصبح بإمكان ملاك العمل صناعة منتجات ترويجية للشخصية ومن ثم بيعها، مثل الدمى والألعاب والتذكارات، إلى جانب بيع الحقوق الفكرية أكثر من مرة، وهذا مربح كثيرا».
ويشير المضيان إلى أن عملية الإنتاج ذاتها لم تعد محتكرة على فئة نخبوية معينة كما السابق، قائلا: «كانت كمية المحتوى قليلة ومنتقاة، لكن الآن مع ثورة التقنية أصبح إنتاج المحتوى أمر أسهل وأسرع، وازداد التنافس». ويردف «الجيل الحديث تغير أيضا من ناحية استهلاك المنتج، فيلم يعد لديه الجلد والصبر على متابعة تسلسل الحلقات وأحداث العمل من الحلقة واحد واثنين وهكذا».
ويبدو حديث المضيان المليء بالشجن انعكاسا للتحولات التي عاصرها إنتاج الرسوم الكارتونية، وهو ما سعى لإظهاره قسم بيع اللوح الفنية المصاحب للمعرض، والذي يعرض اللوح وفق التسلسل التاريخي لإنتاج الأعمال، فيبدو التباين واضحا ما بين حقبة وأخرى، في حين أتاح المعرض لزواره إمكانية اقتناء هذه الأعمال، وهو ما جعل الزوار يحرصون على شراء اللوحة الشخصية الأقرب لطفولتهم.
وصاحب المعرض الذي استمر لثلاثة أيام، إقامة مرسم للأطفال بحيث يتمكنون من رسم وتلوين الشخصيات الكارتونية التي يفضلونها، إلى جانب شاشة عرض سينمائية ضخمة في الهواء الطلق تقدم الأعمال الكارتونية طيلة ساعات المعرض، مما جعل تجربة التجول في أنحاء المكان مفعمة بالتجدد والغوص في أعماق الطفولة وذكريات الأعمال الكارتونية الكلاسيكية التي ما زالت محفورة في ذاكرة شريحة واسعة.