«فيينا فيلهارمونيكا» تسحر الجمهور في أمسية صيفية خاصة

تقول مصادر إن أسمهان غنت أغنيتها الأشهر «ليالي الأنس في فيينا» دون أن تزور المدينة، كما لم يزرها الشاعر أحمد رامي، وعلى الرغم من ذلك فإنهما أبدعا، فماذا كانا سيغنيان لو حضرا الخميس أول من أمس، الحفل الموسيقي الذي أقامته فرقة «فيينا فيلهارمونيكا»، بقصر الشونبرون؟
100 ألف فقط كان الحظ حليفهم، وتمكنوا من دخول القصر وحضور الحفل، إذ أغلقت السلطات الأبواب، ومنعت آلافا آخرين من الدخول، بعدما امتلأت أرجاء القصر في أمسية صيفية صافية أكثر من جميلة.
وتوزع الحاضرون في حدائق القصر الباروكي الإمبراطوري، ملتفين أمام المسرح الضخم الذي نصب كتعريشة مسقوفة أمام «نافورة نبتون»، وهي نافورة ضخمة تجسد نبتون، إله البحر عند الإغريق.
قاد فرقة «فيينا فيلهارمونيكا»، المايسترو الروسي سيمون بيشكوف، بمشاركة عازفتي البيانو الفرنسيتين الشقيقتين، كاتيا ومارييل لابيك.
رعت الحفل فرقة «فيينا فيلهارمونيكا» للموسيقى الكلاسيكية، التي تأسست 1842، وتعد الأولى أوروبيا، كدعوة وجهتها لسكان فيينا وزوارها، بهدف استمتاع محبي الموسيقى الكلاسيكية مجانا، في إطار تقليد صيفي سنوي، دأبت عليه هذه الفرقة منذ عام 2004.
نقل الحفل إلى 80 دولة، ومباشرة إلى لندن ومدريد وبوخارست ومونزا، وكدعاية سياحية لفيينا تم طرح جوائز لزيارة المدينة وحضور الحفل الذي تقيمه الفرقة في أول يوم من العام الجديد، بالإضافة لزيارة قصر الشونبرون، الذي كان مقرا صيفيا لعدد من أباطرة الهابسبرغ، وأشهرهم الإمبراطورة النمساوية ماريا تريزا، التي اختارته مشابها لقصر فرساي، حيث سكنت ابنتها ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر.
بدأ الحفل تمام الساعة الثامنة والنصف، وقدمت الفرقة خمس مقطوعات، تم اختيارها لمؤلفين فرنسيين من حقب مختلفة، بما في ذلك القرن الثامن عشر والقرن العشرين وهذا القرن، إذ شاركت الأختين لابيك، اللتين أبدعتا في لعب البيانو. وفي حديث صحافي لهما قالتا إن والدتهما الإيطالية بدأت في تعليمهما أصول الموسيقى وهما طفلتان صغيرتان، إحداهما ثلاث سنوات والأخرى خمس.
افتتح الحفل بمقطوعة «فتاة من إرل» التي ألفها جورج بيزيه 1872، كموسيقى تصويرية من بعض معزوفات قصيرة منفردة لمسرحية أوبرالية، لم تحظ بقبول وإن اشتهرت موسيقاها. وكان بيزيه حينذاك قد شارك شخصيا في عزف آلة الأورغن.
من جانبها نجحت «فيينا فيلهارمونيكا» في نقل الحضور، وكأنهم يتابعون مشاهد تلك المسرحية وحالة الغرام التي فيما بدا كانت مثيرة ومتقلبة، من رومانسية وشاعرية إلى خصام وانفصال، ثم عودة وتصالح.
ويعرف الجمهور النمساوي جورج بيزيه معرفة جيدة، لمتابعته أوبرا كارمن الشهيرة، التي عرضها المسرح النمساوي العائم بمدينة بريغنز لأكثر من موسم، برؤى وتصورات مختلفة.
في وصلة ثانية لعبت الفرقة لهيكتور برليوز (1803 – 1875) «إدانة فاوست»، التي استلهمها من قصيدة فاوست لغوتة، الذي أعجب به من أول قراءة إعجابا شديدا، ولكن لسوء الحظ لم ينل أول عرض لأوبرا «إدانة فاوست» رضى الجمهور، وفي هذا قال برليوز: «لم يحزني شيء قدر عدم المبالاة الذي استقبلونا به». لاحقا تغير الذوق الفرنسي فيما يبدو، إذ أصبحت مقطوعته المفضلة في الحفلات الباريسية، بل اشتهرت في الولايات المتحدة الأميركية وأيضا في طوكيو.
وتفاعل جمهور الشونبرون مع موسيقى برليوز أروع تفاعل، سواء في هدوء وصمت تام، أو في حركات رشيقة وفرح ورقص، وخصوصا أن الفرقة أبدعت في تصوير المزاج الإنساني المتقلب، كما تفجرت طاقات الأختين وهما تلعبان على البيانو نغمات هادئة أحيانا، وقوية كالشلالات أحيانا أخرى.
ولم يخلُ الحفل من أثر للعبقري موتزارت، إذ عزفت الفرقة مقطوعة لفرانك بولنك، اعتبرها هو شخصيا «خطوة للأمام عما سبقها من مؤلفاته»، معترفا بأنها تتضمن نفسا من روح موتزارت الذي يفضله على جميع الموسيقيين، تماما كما تفضله بلاده النمسا وبه تفتخر. وبالفعل جاءت المقطوعة بنكهات مختلفة ومتميزة، منها «فالس» ومنها «باليه»، بل ورقص عليها بعض الحضور «بولكا» بكل مرح ومهارة عالية.
أما الختام فكان من نصيب موريس رافيل، الذي يعده البعض أعظم مؤلف موسيقى فرنسي. لعبت له الفرقة أولا لحنا ألفه لأوبرا حكت قصة الغرام العذري بين الراعيين «دافنيس وكلوي»، وصاغها «باليه» من فصل واحد وثلاثة مشاهد، وقدمت للمرة الأولى بباريس عام 1912.