المشهد: السينما والأقليات

المشهد: السينما والأقليات
TT

المشهد: السينما والأقليات

المشهد: السينما والأقليات

* لو تزوّج رجل من أصول اسكوتلندية أو فرنسية، أي أوروبية بيضاء، بامرأة من أصول سكان جزيرة هاواي هل تكون النتيجة إيما ستون؟
* بالطبع لا. الزواج العابر للعناصر والأجناس ينجب فئة تجمع بين العنصرين المتزوّجين. في هذه الحالة شعر كث داكن على عينين سوداوين، ملامح مختلفة عن المواطنين الأصليين للجزيرة، لكنها ليست على نقيض وأنف ربما أعرض من أنف الأب ذاته.. إلخ
* لكن بالتأكيد فإن نتيجة هذا الزواج بين أميركي من أصل أوروبي ناصع البياض وبين مواطنة من هونولولو أو هاواي سمراء مع عينين كبيرتين وبنية بدنية قوية وعريضة لن تثمر إيما ستون أو جوليا روبرتس أو ساندرا بولوك
* رغم ذلك، عندما قام المخرج المثقف كاميرون كراو بإخراج «ألوها» سنة 2015 رضي بإسناد دور الوليد الهجين إلى إيما ستون ذات العينين الخضراوين والبشرة البيضاء الناعمة والوجه الدقيق. مائة في المائة أوروبية لم يخالطها أي دم آخر. وهذا ما أثار مؤسسات آسيوية - أميركية فقامت بطرح السؤال حول السبب الذي من أجله تم تعيين ممثلة مائة في المائة بيضاء لتؤدي شخصية خمسين في المائة غير بيضاء.
* والسؤال الذي طرحته مدعومًا بأمثلة ونماذج سابقة كثيرة هو: لماذا غمط حق الممثلين الآسيويين في الظهور على الشاشة وتفضيل الممثلين (من الجنسين) ذوي البشرة البيضاء والعنصر الأنجلو ساكسوني أو الآري أو الخالي من شوائب الاختلاط عمومًا في مثل هذه الأدوار؟
* السؤال حق لكن الجواب واضح عندما يكون الدور رئيسيًا: الحاجة لبيع الفيلم في السوق والاعتقاد أنه لو تم إسناد دور إيما ستون إلى مرغريت شو أو كونستانس وو أو سواهما لما جذب الفيلم جمهورًا غفيرًا. المفاجأة أن الفيلم سقط في كل الأحوال!..
* هوليوود وما يُسمى بـ«الأقليات» أمر له تاريخ طويل. المواطنون الأميركيون الأصليون (الهنود الحمر) لم يكن من بينهم سوى قلّة قليلة من الذين لعبوا أدوارهم الفعلية في أفلام الغرب الأميركي. كان الممثلون الأميركيون البيض (من لي فان كليف إلى بيرت لانكاستر ومن تد دي كوستا إلى ستيف ماكوين) يؤدون دور الهندي الأحمر. لاحقًا في مطلع السبعينات.. برز ما كان مخفيًا: مجموعة من الممثلين من المواطنين الأصليين برهنوا بجدارة على قدراتهم.. من بينهم ول سيمسون وشيف دان جورج (بدأ التمثيل وهو في السبعين من العمر أو نحوها).
* في بلادنا لا يُثار مثل هذا السؤال: لا أدوار للأقليات (وهن لسن أقليات بالطبع) الذين يحيون جنبًا إلى جنب (الغالبية). ولا حكايات تخرج عن نطاق أبناء وبنات المدن فيلعب الممثل الذي تعرف أنه مولود في شبرا البلد دور الصعيدي ويمتزج كل ذلك بالتنميط المخصص لكل مجموعة و... كله ماشي.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.