أطلق باحثون جزائريون وفرنسيون في مجال التاريخ، لائحة مفتوحة للنخبة في البلدين، بغرض تمكين السلطات الجزائرية من استرجاع رفات أوائل المجاهدين الذين سقطوا خلال أولى معارك المقاومة، التي تصدت للحملة العسكرية الفرنسية على الجزائر، وذلك بعد الغزو عام 1830، وتحتفظ فرنسا برفات هؤلاء في «متحف الإنسان» بباريس.
وقد نشرت «رابطة حقوق الإنسان» الفرنسية، فرع مدينة تولون (جنوب فرنسا) بموقعها الإلكتروني، أمس لائحة تتضمن 600 توقيع لباحثين في مجال التاريخ، ومهتمين بفترة استعمار فرنسا للجزائر (1830 – 1962)، وبالعلاقات بين البلدين في شقها التاريخي، وقضية «الذاكرة» التي يطالب بها الجزائريون، ومفادها «اعتذار فرنسا عن جرائم الاستعمار ودفع تعويضات».
وجاء في موقع الرابطة الحقوقية أنه «تم وضع بقايا جماجم عشرات الجزائريين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي خلال القرن الـ19 في أكياس من الورق، موجودة على رفوف خزانات حديدية، داخل متحف الإنسان بباريس»، ووصف أصحاب الرفات بـ«الرجال الشرفاء الذين سقطوا في ميدان الكرامة».
وأفاد الموقع بأن غالبية بقايا الجماجم لم يعتن بها خبراء المتحف، ونشر بعض أسماء الشهداء الجزائريين، ومن بينهم محمد الأمجد عبد المالك الشهير بـ«الشريف بوبغلة»، والشيخ بوزيان زعيم المقاومة الشهير بالزعاتشة، التي وقعت بمنطقة بسكرة (450 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة) عام 1849. وموسى الدرقاوي، وسي مختار بن قودير التيتراوي. ويتضمن الاكتشاف أيضا الجمجمة المحنطة لعيسى الحمادي، الذي كان أحد أبرز المساعدين العسكريين للشريف بوبغلة، فضلا عن القالب الأصلي لرأس محمد بن علال بن مبارك، مساعد الأمير عبد القادر، رمز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار، ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
ودعت الرابطة الحقوقية إلى نقل رفات وبقايا رموز المقاومة الجزائرية إلى بلدهم، على أساس أن «الجزائريين أولى بهم وحتى يتم دفنها كما يليق بمقام أصحابها». وذكرت الرابطة أن هناك مسعى مشابها أطلقه باحثون عام 2011. غير أن السلطات الفرنسية، حسب الرابطة، رفضت ذلك، مشيرة إلى أن الحكومة الجزائرية «مدعوة إلى طلب رفات أبنائها من فرنسا بشكل رسمي».
وسبق للجزائري علي فريد بلقاضي، الباحث في قضايا التاريخ، أن صرح منذ عامين بأن عظام وجماجم العشرات من الثوار الجزائريين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، يوجدون بـ«المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس»، وأوضح الباحث، الذي يهتم أيضا بعلم النقوش الليبية والفينيقية، أن بعض العظام محتفظ بها في هذا المتحف منذ سنة 1880. وهو التاريخ الذي ضمت فيه هذه الرفات إلى المجموعة «العرقية» للمتحف.
من جانبه صرح مدير «المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي» بباريس، فيليب مينيسيي، لوكالة الأنباء الجزائرية (حكومية)، في وقت سابق، أنه «ليس هناك أي مانع في إعادة رفات هذه الشخصيات إلى أرض الوطن، ولكي يتم ذلك يكفي أن يقدم الطرف الجزائري طلبا للفرنسيين»، مضيفا أن «هذه الرفات هي في الأصل هبات تعتبر إرثا وطنيا، ومجرد اتفاق بين الدولتين الجزائرية والفرنسية يمكن أن يسهل مسعى استعادتها من طرف الجزائريين».
وبحث وزير المجاهدين الجزائري، الطيب زيتوني، مع كاتب الدولة الفرنسي جان مارك تودشيني، المكلف بقدامى المحاربين والذاكرة، بباريس نهاية العام الماضي، كل الملفات الموروثة عن الاستعمار، باستثناء قضية رفات رموز المقاومة. ومن بين أبرز الملفات التي جرى لقاء ثان حولها بالجزائر في شهر فبراير (شباط) الماضي، مصير فرنسيين اختفوا في الأيام الأولى للاستقلال، وأملاك «الأقدام السوداء» التي يطالبون بها، وهم المئات من الفرنسيين الذين غادروا الجزائر غداة الاستقلال، زيادة على طلب «الحركى» رفع الحظر عن زيارة بلدهم الأصلي، وهم الجزائريون المتعاونون مع الاستعمار ضد ثورة الاستقلال.
وصرح زيتوني حينها أن «فرنسا والجزائر مدعوتان إلى معالجة الملفات المتعلقة بذاكرتيهما المشتركة، بشكل جدي ومسؤولية»، وتحدث عن «تعامل إيجابي فرنسي مع مطالب الجزائر بشأن الذاكرة»، وفهم من كلامه أن الفرنسيين تجاوبوا مع قضية تسليم أرشيف ثورة التحرير (1954 - 1962)، وتعويض ضحايا الاستعمار. وقال زيتوني أيضا إن «الجزائر وفرنسا تبديان حاليا إرادة قوية لتطوير علاقاتهما، وتسوية القضايا العالقة، وهذا منذ الزيارة الإيجابية للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر نهاية 2012».
الجزائر: مطالب بجلب رفات رموز المقاومة من باريس
القضية تندرج في إطار ما يعرف بـ«الذاكرة»
الجزائر: مطالب بجلب رفات رموز المقاومة من باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة