مهرجان «كان» السينمائي.. حيث تتنافس الأزياء مع الأحجار الكريمة

بيوت الجواهر تعتبره بيتها الصيفي ووسيلة سهلة لتسويق جديدها

أمل كلوني وأقراط أذن من «كارتييه»
أمل كلوني وأقراط أذن من «كارتييه»
TT

مهرجان «كان» السينمائي.. حيث تتنافس الأزياء مع الأحجار الكريمة

أمل كلوني وأقراط أذن من «كارتييه»
أمل كلوني وأقراط أذن من «كارتييه»

في شهر مايو (أيار) من عام 1957 بدأت النجمة الراحلة إليزابيث تايلور موضة جديدة أصبحت تقليدًا في مهرجان كان السينمائي إلى اليوم. حينها ظهرت بملابس سباحة على الريفييرا، وتاج مرصع بالماس يزين رأسها وعقد مرصع بالياقوت بتوقيع دار «كارتييه» على جيدها. أثارت صورتها جدلاً كثيرًا تداولته المجلات والصحف، مما فتح عيون الصاغة ودور الجواهر على استعمال المهرجان كمنصة لعرض جديدهم وأيضًا كل ما غلا ثمنه، ولا بأس من استضافة زبائنهم المهمين بحجة حضور المهرجان، وفي الوقت ذاته اطلاعهم على آخر تصاميمهم. هذا الموسم يؤكد أن هذه الظاهرة زادت قوة، وأن بيوت الجواهر باتت تنافس بيوت الأزياء حضورًا في الريفييرا الفرنسية، بحيث أصبح لكل منها جناح خاص ترتاده النجمات لاستعارة ما يحلو لهن. أما نجمات الدرجة الأولى فيحصلن على خدمة خاصة إضافة إلى إغراءات أخرى كثيرة، تشمل دفع مبالغ ضخمة لقاء ظهورهن بأقراط أذن أو سوار أو عقد. فمن منا لا يتذكر الجدل الذي أثارته شارون ستون في أواخر التسعينات عندما رفضت إعادة سوار مرصع بالماس من دار جواهر معروفة، على أساس أنها اعتقدت أنه كان هدية لقاء ظهورها به.
الآن وبعد أن أصبحت «شوبار» الراعي الدائم له، فإنها شجعت إلى حد كبير بيوت الجواهر الأخرى أن تعتبر المهرجان بيتها الصيفي، إلى حد أنه لا تمر مناسبة، سواءً على السجاد الأحمر أو على يخت أو في فندق، من دون بريق الذهب والأحجار الكريمة. هذه السنة التحقت ماركات شابة مثل «ميسيكا» بمخضرمين نذكر منهم «فواز غريزوغونو»، و«كارتييه» و«ديور» و«هاري وينستون» وهلم جرًا. وبينما يرفض البعض فكرة استعارة أزياء أو جواهر للظهور بها، لا سيما أن الكل أصبح يعرف خبايا الأمور وأن كل ما تلبسه النجمات ليس ملكًا لهن، وما هو سوى عملية ترويجية، فإن البعض الآخر يبررها. فعدد الافتتاحات والحفلات التي على النجمات حضورها، للبقاء في الواجهة أو لربط علاقات يمكن أن تنتج عنها عقود أو أفلام، كثيرة، تتطلب تغيير مظهرهن أكثر من مرة في اليوم الواحد. ثم إنه إذا كانت الحياة بالنسبة لويليام شكسبير مجرد مسرح كبير نلعب فيه أدوارًا مختلفة، فإن مهرجان «كان» أهم مسرح سينمائي لاستعراض الجواهر، حيث تلعب فيه النجمات أدوار عارضات، وفي النهاية يبدو الكل متألقًا وسعيدًا بالشمس والبريق.



كيف فرضت منحوتة مساحتها في عالم الموضة والفن؟

تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)
تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)
TT

كيف فرضت منحوتة مساحتها في عالم الموضة والفن؟

تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)
تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)

منحوتة كانت السبب في شراء مبنى تحوَّل، فيما بعد، إلى متحف يحتضن إبداعات الفنان أرنالدو بومودورو، ثم إلى محل معاصر يستعرض منتجات راقية لا تقلُّ فنية عن إبداع حرفيي دار «فندي».

تعود القصة إلى عام 1999، عندما اشترى الفنان أرنالدو بومودورو مبنى حوّله إلى استوديو ومعرض خاص به في حي سولاري بميلانو. كان بمساحته الوحيد القادر على استيعاب منحوتته البرونزية الضخمة، Novecento، التي تُعرَض حالياً على مقربة من «بالاتزو ديلا سيفيلتا» الإيطالي، المقر الرئيسي لدار «فندي» في روما.

يجسد نظرة «فندي» الفنية خصوصاً أن مساحته كانت مُغرية لاحتضان عروضها

في سنة 2013، وعندما قرَرت «فندي» التوسع في ميلانو لم تجد أفضل من هذا الاستوديو حضناً لإبداعاتها، فهو يجسد نظرتها الفنية، إضافة إلى أن مساحته التي أغْرت بومودورو كانت هي أيضاً العنصر المُغري لـ«فندي»، فهي شاسعة تسمح بعرض منتجاتها، وفي الوقت نفسه تنظيم أنشطة وعروض أزياء عبر منصة جرى توسيعها ليصل طولها إلى 1650 متراً مربعاً، احتضن، في الموسم الماضي، تشكيلتها لموسم خريف وشتاء 2025-2026. لم تخيِّب مساحته ظنها، إذ استوعبت كل ضيوفها.

المثير في العلاقة بين «فندي» والفنان أرنالدو بومودورو أنها لا تقتصر على المبنى أو على كونه فناناً مبدعاً، هو أيضاً مهتم بالموضة، وله صولات فيها؛ لكن من بوابة الأوبرا. له عملان مهمان في هذا المجال حافظت عليهما «فندي» ووضعتهما أمام مدخل محلها الجديد ليشهدا أن العلاقة بينها وبين الفنان تشمل الأزياء كذلك. الأوبرا الأولى بعنوان «ديدو، ملكة قرطاج» من تأليف كريستوفر مارلو، جرى عرضها في عام 1986، والثانية بعنوان الملك أوديب، من تأليف إيغور سترافينسكي، جرى تقديمها في عام 1988.

تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)

عندما تسلّمت «فندي» المبنى في ميلانو، أول مرة، كان لا بد من إعادة تصوّره بالكامل. وسَّعت مساحته ولم تمسَّ هويته الصناعية وأياً من العناصر التي تُذكِّر بتاريخه؛ فالمبنى له تاريخ عريق في المجال الصناعي، حيث شُيّد ليكون منشأة صناعية مخصصة لإنتاج التوربينات الكهربائية، وكان سبّاقاً في هذا المجال، فقد كان المُصدِّر الأساسي لهذه التوربينات إلى محطة الطاقة الكهرومائية لشلالات نياجارا. هذا التاريخ يُفسر خرسانته الخفيفة وهياكله المعدنية المكشوفة ونوافذ السقف التي يمكن إغلاقها بالكامل.

حافظت الدار على شخصيتها الصناعية وركزت على المساحة (فندي)

حرصت الدار أيضاً على شخصيته الفنية، بتقسيمها المساحة الداخلية المتألقة بألوان محايدة تُعززها عناصر من الخشب والرخام، إلى عدة أجزاء مستقلة، منها منطقة الكواليس والمشغل، ومساحة أخرى للعرض. كل مساحة مستقلة عن الأخرى لا يربط بينها سوى ممر بانورامي مرتفع فوق مساحة العرض يوجد في الطابق الأول.

كل شيء في المبنى يضج بالأناقة الإيطالية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)

رغم التاريخ الصناعي للمبنى من الخارج، ورغم التحف الفنية المعروضة فيه، فإن الزائر وبمجرد دخوله يستشعر روح «فندي»: ألوانها وخاماتها وترفها، فهي تظهر في الأسقف والثريات والأرائك والسجاد وكل تفصيلة.