دي ميستورا في باريس اليوم واجتماع للمعارضة السورية في الرياض الجمعة

مصادر أوروبية الوضع وصل لطريق مسدود ولا أمل في العودة إلى جنيف

دي ميستورا في باريس اليوم واجتماع للمعارضة السورية في الرياض الجمعة
TT

دي ميستورا في باريس اليوم واجتماع للمعارضة السورية في الرياض الجمعة

دي ميستورا في باريس اليوم واجتماع للمعارضة السورية في الرياض الجمعة

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الصلة بالملف السوري، أن الهيئة العليا للمفاوضات ستعقد اجتماعا في الرياض، يوم الجمعة القادم، للنظر في احتمالات وشروط العودة إلى جنيف واستئناف المحادثات، التي توقفت جولتها الثالثة عمليا قبل شهر من دون أن تحقق أي نتائج جدية بعد عشرة أيام من المناقشات التي أجراها المبعوث الدولي مع وفدي المعارضة والنظام وأطراف أخرى «مجتمع مدني، ممثلين عن مجموعات القاهرة وموسكو ...»، لكن هذه المصادر بدت بالغة التشكيك بالنظر إلى تطورات الوضع الميداني و«غياب الشروط» التي من شأنها أن تحفز المعارضة للعودة إلى جنيف من دون أن يتحقق أي منها، وهي أربعة: وقف العمليات العسكرية واستهداف المدنيين، إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والنظر في أوضاع عشرات الآلاف من المعتقلين، وأخيرا استعداد النظام للسير جديا في الحل وعنوانه عملية الانتقال السياسي. ووصفت المصادر المشار إليها الوضع اليوم بأنه «وصل إلى طريق مسدود ولا نرى كيفية الخروج منه إذا استمرت العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام، واستمر الطرف الروسي بتقديم الدعم له، لا بل المشاركة في عمليات القصف الجوي في منطقة حلب ومناطق أخرى من سوريا».
وفي السياق عينه، ترى هذه المصادر أنه إذا عمدت موسكو ابتداء من اليوم إلى تنفيذ المخططات التي أعلنت عنها سابقا، وهي ضرب مواقع الجهات التي لا تحترم وقف النار في إشارة إلى النصرة و«داعش» غير المشمولتين بالهدنات، ولكن أيضا الفصائل الأخرى التي تتداخل مواقعها مع مواقع النصرة، فإن ذلك «سيقود إلى تعقيدات إضافية»، خصوصا أن موسكو «ستستخدم هذه الحجة لاستهداف المعارضة مجددا كما فعلت نهاية الأسبوع في حلب مثلا».
إزاء هذا الوضع المعقد وبعد العجز الذي أظهره وزراء خارجية مجموعة الدعم لسوريا في اجتماعهم في فيينا في 17 مايو (أيار) في الاتفاق على شروط إعادة العمل بوقف الأعمال العدائية، تبدو المصادر الغربية «بالغة التشاؤم» من تطورات الوضع السوري ومن إمكانية العودة إلى التهدئة: «خصوصا إذا كانت محلية ولساعات هنا وأيام هناك». لكن ستيفان دي ميستورا الذي كان يأمل بالدعوة مجددا إلى اجتماعات جنيف في 26 الشهر الحالي ما زال يتنقل من عاصمة لأخرى من أجل العثور على المدخل المناسب لوقف التدهور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مهمته المتعثرة. واليوم، يعقد دي ميستورا لقاءات تشاورية مع المسؤولين الفرنسيين في وزارة الخارجية قبل أن ينتقل إلى جنيف للمشاركة، الخميس، في اجتماعات لجنة وقف الأعمال العدائية التي تترأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وذلك بصيغتها الجديدة.
تلقي المصادر الأوروبية باللائمة على الطرف الأميركي الذي «تأخر كثيرا» قبل أن يخرج عن صمته ويمارس بعض الضغوط على الطرف الروسي، من أجل لجم التدهور الميداني بعد تكثيف العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات النظام والقوى التي تساندها في الغوطة وداريا وحلب ومناطق أخرى. وتضيف هذه المصادر أن واشنطن «الحريصة على علاقات جيدة مع موسكو»، التي تعتبر أن «استمرار التعاون معها هو الشرط الأول للخروج بشيء إيجابي» في الملف السوري، لا ترغب في القيام بما من شأنه «الإساءة» لهذه العلاقة، ولا ترى حقيقة الدور الروسي، وهو الأمر الذي «تستغله» موسكو لتنفيذ سياستها في سوريا. وامتدادا لهذه النظرة، تعتبر المصادر الأوروبية أن الجهود التي بذلتها واشنطن وموسكو من أجل إنقاذ الهدنة الهشة وكذلك الطلب الروسي لوقف للأعمال العدائية لمدة 72 ساعة في الغوطة الشرقية وداريا «غير كافية»، كما أنها «ليست الشيء المطلوب» الذي من شأنه ترميم وقف النار وتسهيل العودة إلى طاولة المفاوضات.
وكان الوزير جون كيري قد طلب من نظيره الروسي سيرجي لافروف «حض النظام على الوقف الفوري لضرباته الجوية ضد قوات المعارضة والمدنيين الأبرياء في حلب وفي محيط دمشق»، فيما حذرت وزارة الخارجية الأميركية من أنه «في حال استمر عنف النظام، فإننا سنشهد انهيارا كاملا» لوقف الأعمال القتالية. وردة فعل المصادر الأوروبية أن «المطلوب ليس فقط ضغط موسكو على النظام، بل أن تمتنع القوات الروسية بدورها عن التصعيد». وردا على العمليات التي ضربت الاثنين مدينتي طرطوس وجبلة على الساحل السوري، تتوقع هذه المصادر أن يتم استغلالها لتبرير التصعيد في مناطق أخرى من سوريا.
في غياب أي استحقاقات سياسية ودبلوماسية رئيسية يمكن أن تساهم في خفض أعمال العنف واشتعال الجبهات، يبدو أن التصعيد سيكون في الأيام والأسابيع القادمة سيد الموقف الأمر الذي لا يهدد الهدنة غير القائمة حقيقة، بل مجمل الوساطة الدولية ومهمة ستيفان دي ميستورا نفسها. والثابت اليوم، وفق ما تقوله مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن التركيز منصب على ضرب «داعش» وهو نقطة الالتقاء بين موسكو وواشنطن في الوقت الراهن. لكن الرغبة الأميركية لم تصل إلى حد قبول القيام بضربات مشتركة مع الطيران الروسي؛ لأن واشنطن شعرت بأن هناك «فخا منصوبا» لها، وأنها «لا تعرف إلى أين سيقودها»، وهو ما دفعها، وفق المصادر الأوروبية، إلى رفض العرض الروسي.
من ضمن هذه الرؤية، يمكن فهم الضغوط التي تمارسها واشنطن على المعارضة السورية؛ حيث نبهتها من أن التخلي النهائي عن الهدنة «سيكون خطأ استراتيجيا»، وفق ما أعلنه المبعوث الأميركي مايكل راتني الذي دعا الفصائل الـ39 التي هددت قبل يومين بالتخلي النهائي عن الهدنة أمهلت النظام حتى مساء الثلاثاء لوقف هجماته. والحجة الأميركية أنه يتعين التفاوض على الرغم من استمرار الأعمال القتالية. وسبق للوزير كيري أن قارن بين وضع المعارضة السورية ووضع بلاده إبان الحرب في فيتنام؛ حيث كانت المفاوضات في باريس تجري على صوت المدافع وأزيز الطائرات. لكن الواضح أن الطرف الأميركي يتعلق بـ«حبال الهواء» ويريد أن يقتنع أن الهدنة ما زالت قائمة للانصراف إلى هدفه الأول، وهو محاربة «داعش» ولو كان ذلك على حساب المعارضة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.