تحديات تنتظر وزير الطاقة السعودي الجديد

توحيد «أوبك» وتوطين الصناعة وتطوير آليات التخاطب والتواصل مع السوق.. من أبرزها

على السعودية أن تعمل الآن على الإبقاء على أسعار النفط في مستويات حول المستويات الحالية.. وفي الإطار خالد الفالح وزير الطاقة السعودي الجديد
على السعودية أن تعمل الآن على الإبقاء على أسعار النفط في مستويات حول المستويات الحالية.. وفي الإطار خالد الفالح وزير الطاقة السعودي الجديد
TT

تحديات تنتظر وزير الطاقة السعودي الجديد

على السعودية أن تعمل الآن على الإبقاء على أسعار النفط في مستويات حول المستويات الحالية.. وفي الإطار خالد الفالح وزير الطاقة السعودي الجديد
على السعودية أن تعمل الآن على الإبقاء على أسعار النفط في مستويات حول المستويات الحالية.. وفي الإطار خالد الفالح وزير الطاقة السعودي الجديد

في الثاني من يونيو (حزيران)، وفي قاعة الاجتماعات الرئيسية المفتوحة في الطابق الثاني من ذلك المبنى الزجاجي الواقع على شارع هيلفرشتروفر شتراسه في قلب العاصمة النمساوية فيينا، سيطل وجه جديد على الوزراء المجتمعين حول الطاولة الضخمة.
وسيجد خالد الفالح الرجل الذي بنى مسيرته المهنية في شركة أرامكو السعودية نفسه وسط حشد من الوزراء لم يسبق له التعامل معهم من قبل، وسيجد على نفس الصف الذي يجلس عليه على يمينه بعيدًا بخطوات قليلة وزير الطاقة القطري محمد السادة، وعلى يساره وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي.
أما في الناحية المقابلة من الطاولة فسيجد وزير النفط الإيراني بيغن نامدار زنغنه، الذي لن يأتي للتفاوض حول أي شيء يقلل من إنتاج إيران أو يكبحه.
ولن يجد الفالح نفسه وحيدًا في مواجهة كل هؤلاء، بل سيجد بجانبه يمنا نائب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي اعتاد على الحضور إلى هذه الاجتماعات منذ عام 1987، وعلى يساره سيكون محافظ المملكة في «أوبك» الدكتور محمد الماضي، أحد مهندسي السياسة النفطية في الوزارة، والذي عمل في تسويق النفط السعودي لسنوات طويلة. وفي المقاعد من خلفهم سيكون هناك بلا شك باقي وفد المملكة إلى «أوبك»، والذي في الغالب سيضم الممثل الوطني للسعودية في «أوبك» وبقية المستشارين في الوزارة.
وسيكون هذا الاجتماع هو الأول للفالح، وسيجلس على نفس الكرسي الذي جلس عليه من قبله أربعة وزراء، آخرهم علي النعيمي، والذي خاض حروبًا مريرة وشرسة على مدى 20 عامًا لإدارة السوق والمنظمة التي يعرف عن أعضائها عدم التزامهم بأي سقف للإنتاج يتفقون عليه فيما بينهم إلا فيما ندر. وسيخوض الفالح نفس التحدي، وسيجد أمامه منظمة منقسمة حول الأسعار، ومنقسمة حول سياسة الدفاع عن الحصة السوقية بدلاً من الأسعار، وهي الاستراتيجية التي أقنعهم بها النعيمي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، والتي بدأت تؤتي أكلها بعد عام ونصف، وبدأت السوق في طريقها إلى التعافي.
ولكن التحديات كثيرة أمام وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الجديد ولن تكون كلها منصبة على «أوبك»، فبعضها دولي على مستوى الصناعة ومستوى «أوبك»، وبعضها محلي على مستوى الوزارة وخطط المملكة لبناء اقتصاد غير نفطي، وفيما يلي أبرز التحديات التي ستواجه الوزير الجديد:
أول وأبرز التحديات هي الحفاظ على وحدة الصف في «أوبك»، حيث باتت المنظمة اليوم في أضعف حالاتها، ويعتبر أغلب المراقبين في السوق أن المنظمة إما في غيبوبة أو أنها توفيت، لأنها لم تعد قادرة على فرض سياسات موحدة تخدم السوق ومصالح دولها الأعضاء، إضافة إلى الخلافات المستمرة حول الحصص السوقية بين أعضائها.
وقد يكون جملة «موت أوبك» مبالغًا فيها، إذ إن المنظمة ما زالت تعمل وما زال وزراؤها يجتمعون، ولا يزال التنسيق قائم بينهم كما حدث مؤخرًا في الدوحة عندما اجتمعوا بهدف تثبيت إنتاجهم. وقد يكون اجتماع الدوحة ترك أثرًا سلبيًا على سمعة المنظمة في السوق إذ لم يتوصل الدول إلى اتفاق، ولكن التنسيق العالي بينهم ميزة إيجابية يراها البعض. ويقول مندوب الكويت الوطني السابق في «أوبك» عبد الصمد العوضي لـ«الشرق الأوسط»: «(أوبك) اليوم في حالة مزرية جدًا، والسعودية هي القائد الفعلي للمنظمة بلا شك، وإذا ما أرادت السعودية إنقاذ (أوبك) فعليها التوقف عن إضاعة الوقت في التعاون مع الدول خارج (أوبك)، ويجب التركيز على دول المنظمة، وفرض سياسات تأخذ بالحسبان الواقع الاقتصادي الصعب لكل الدول الأعضاء». وإحدى مشكلات «أوبك» السابقة هي عدم انصياعهم والتزامهم بالقرارات، ولكن الدكتور سداد الحسيني، الخبير النفطي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الفالح قادر على تجاوز هذا التحدي، لأنه «يملك شخصية قوية قادرة على التعامل بحزم مع الدول التي لا تلتزم بالاتفاقات».
وبالحديث عن «أوبك» والسياسة البترولية السعودية، هناك تحدٍ آخر وهو تطوير آليات التواصل مع السوق، وتطوير السياسة الإعلامية لوزارة الطاقة. ويرى الكثير من المحللين في السوق أن السياسة الإعلامية لوزارة البترول سابقًا كانت سبب إرباك السوق.
وأوضح جون كيمب محلل السوق في «رويترز»، في تقرير أصدره هذا الشهر عقب تعيين الفالح في منصبه، أن أحد أول الأمور التي يتعين عليها فعله هو تحديث سياسة التواصل مع السوق والإعلام. وقال كيمب: «لعقود طويلة ظلت استراتيجية الأسعار والإنتاج السعودي تنتقل إلى السوق عن طريق مجموعة مفضلة من الصحافيين والمحللين، وبصورة مجهولة وغير معرفة تحت مسميات مثل، مصدر خليجي رفيع في (أوبك)».
ويضيف كيمب: «النتيجة لهذه السياسة الانتقائية في إيجاز الإعلام والتي لا يوجد لها مثيل في كل أسواق السلع وباقي الدول، هي عدم الوضوح والحيرة بالنسبة للسوق، الأمر الذي أدى إلى عدم الرضا من قبل جميع الجوانب، وأدى لظهور مراقبين لـ(أوبك) مثل مراقبين الكرملين، مهمتهم توضيح الأمور المبهمة للجميع».
ويقول كيمب إن الوزارة بدأت في التغيير في آخر أيام النعيمي، ولكن يجب إحداث تغييرات أكبر، مثل تعيين متحدث رسمي قادر على توضيح الأمور، خاصة وأن الفالح شخصيًا متحدث جيد ويعبر عن السياسات السعودية بطلاقة، مثلما فعل في دافوس هذا العام.
مواجهة تقلبات أسعار النفط
وأسعار النفط حاليًا في تعافٍ، وسيدخل الوزراء الاجتماع والأسعار في مستويات قريبة من 50 دولارًا، وهذا قد يجعل الفالح في وضع مريح، إذ لا أحد يتوقع أن «أوبك» ستغير سياستها الحالية، أو تقوم بتجميد إنتاجها مع تحسن أساسيات السوق.
وهذا الأمر بدا واضحًا في المسح الذي أجرته وكالة بلومبيرغ، ونشرت تفاصيله بالأمس وشمل 27 محللاً، كلهم إلا واحد، قالوا إن «أوبك» لن تجمد إنتاجها في اجتماع يونيو. وحتى وزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك لا يعتقد أن «أوبك» سوف تجمد إنتاجها كما قال في تصريحاته يوم الجمعة الماضي.
ويقول المحلل النفطي الدكتور أنس الحجي لـ«الشرق الأوسط» إن على السعودية أن تعمل الآن على الإبقاء على أسعار النفط في مستويات حول المستويات الحالية، إذ إن ارتفاع الأسعار إلى مستوى 70 دولارًا سيعني أن منتجي النفط الصخري سيعودون إلى الإنتاج.
وقال مصرف غولدمان ساكس بالأمس إن عودة إنتاج النفط الصخري للنمو يحتاج إلى أسعار فوق 60 دولارًا، وسبق وأن قلل مصرف بانك أوف أميركا من قدرة منتجي النفط الصخري على العودة إلى زيادة الإنتاج مع أسعار تحت 60 دولارًا، إذ إن عليهم تسديد ديونهم المتراكمة قبل الاستثمار في إنتاج جديد. ولكن أسعار النفط لا بد أن ترتفع على المدى البعيد مع تقلص الاستثمارات في الطاقة الإنتاجية، كما يقول المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الرمادي الذي أوضح: «سيجد الفالح نفسه في موقف صعب، فهو لا يستطيع تغيير سياسة (أوبك) الحالية، لأنها تؤتي ثمارها، وبنفس الوقت لا يستطيع ترك الصناعة العالمية تعاني من ضعف الاستثمارات، لأن هذا يهدد بأسعار عالية مستقبلاً، وضغط على المنتجين في (أوبك) لمقابلة الطلب المتزايد».
وبالأمس قال مصرف مورغان ستانلي في تقرير إن الاكتشافات النفطية في 2015 نزلت لأقل مستوى منذ عام 1952، مع تقليص شركات الطاقة ميزانيات التنقيب في أعقاب هبوط أسعار النفط، ما يخلق فجوة في تلبية الطلب مستقبلا. والاكتشافات النفطية حيوية لتجديد الموارد، وتلبية الطلب الذي لا يزال ينمو، وتعويض استنزاف الحقول القائمة.
ويبقى التحدي الأهم أمام الفالح هو توطين صناعة النفط السعودية، إذ إن المملكة تحتاج لخلق وظائف وفرص عمل كثيرة، كما أنها يجب أن تنتقل إلى التصنيع بدلاً من الاعتماد على استيراد المواد والمعدات من الخارج.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.