صفحات ركاب الطائرة باب مفتوح على الألم والحزن يلف مكاتب «مصر للطيران»

والدة إحدى المضيفات لا تزال تنتظر اتصالاً هاتفيًا من ابنتها

صفحات ركاب الطائرة باب مفتوح على الألم والحزن يلف مكاتب «مصر للطيران»
TT

صفحات ركاب الطائرة باب مفتوح على الألم والحزن يلف مكاتب «مصر للطيران»

صفحات ركاب الطائرة باب مفتوح على الألم والحزن يلف مكاتب «مصر للطيران»

في الوقت الذي تجلس فيه والدة المضيفة المصرية سمر عز الدين ممسكة بهاتفها في انتظار تلقيها اتصالاً من ابنتها التي تظن أنها لا تزال على قيد الحياة بإحدى الجزر اليونانية، يسعى زوجها مصطفى سعد لملاحقة القصص المختلقة على مواقع التواصل الاجتماعي حول زوجته الراحلة التي كانت ضمن طاقم الرحلة رقم «804» التي تحطمت فوق البحر المتوسط في طريق عودتها إلى القاهرة من مطار شارل ديغول بالعاصمة الفرنسية باريس.
وتبدو الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لضحايا حوادث الطيران بابا مفتوحا على الألم. وبدأ سعد في حسابه الشخصي على «فيسبوك» بمطالبة الجميع بإغلاق الصفحات التي تتناول أخبار الضحايا، وحذف أي صور أو تعليقات تم نقلها من حسابها الشخصي، مراعاة لشعور أسرتها، إلا أن استمرار زحف مريدي الموقع على حسابات ضحايا الطاقم، أثار غضب زوجها الذي أكد على حسابه الشخصي اتخاذ إجراءات قانونية حيال ذلك.
وبعد اختفاء الطائرة المصرية فجر الخميس الماضي، انتشر كثير من الصور والقصص الحزينة عن طاقم الطائرة، أظهر البعض منها إحساس المضيفة سمر عز الدين بوقوع الحادث، وهو ما نفته صديقتها التي رفضت الكشف عن اسمها في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن «هوس الترافيك والصراع على حصد أكبر عدد من (اللايك) و(الشير) شجع مريدي مواقع التواصل على تناقل القصص التي لم يتحققوا منها».
تقول المضيفة العشرينية: «ما نشر عن إحساس سمر بالموت قبل رحلتها، ليس صحيحا، سمر رحمها الله كانت تحب الحياة، وآخر شيء يأتي في بالها الموت»، وتابعت: «ما يحدث في الواقع هو اختلاق قصص غير حقيقية استنادا إلى تفاصيل غير دقيقة، دون مراعاة لإحساس ومشاعر أهالي الضحايا، وإحدى الصفحات نشرت صورا خاطئة لزميلتنا يارا هاني، وطلبت منهم حذفها».
وأقامت أسرة يارا هاني (26 عاما) التي التحقت بـ«مصر للطيران» عام 2014، مراسم القداس لها، أول من أمس، بكنيسة العذراء بحي مصر الجديدة.
وأضافت زميلتها قائلة: «هناك من يسمح لنفسه بالدخول على حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على صور شخصية لنا ولزملائنا رحمهم الله، ولكننا أصبحنا الآن أكثر حرصا بعد ما جرى».
وحاولت «الشرق الأوسط» الحديث مع مصطفى سعد زوج المضيفة سمر، إلا أنه رفض نظرا للظروف التي يمرون بها منذ وقوع الحادث.
ولقيت دعوة مصطفى بغلق الصفحات التي تداولت أخبارا وصفها بالكاذبة عن ضحايا الطائرة، ترحيبا كبيرا من قبل المتابعين لحسابه، ممن اعتبروا تجاوز الخصوصية والحصول على صور شخصية من حسابات الضحايا دون الرجوع لذويهم أشبه بالسرقة التي تهدف للترويج ولا تراعي مشاعر أسر الضحايا الذين لا يعلمون أي شيء عن أبنائهم منذ الخميس الماضي.
تقول صديقة سمر: «هناك أبشع من سرقة الصور من الحسابات الشخصية واختلاق القصص عن طاقم الطائرة، وهو ربط الناس قصصهم بالسياسة والدين، دون الالتفات إلى وجود كارثة بهذا الحجم ولا مراعاة للمشاعر».
وتضيف الفتاة العشرينية عن سمر: «كنا أصدقاء.. تدربنا معًا. لم نتواصل قبل الحادث. الكل مشغول برحلاته، لكننا قضينا وقتا طيبا في التدريب قبل توزيعنا على الرحلات»، لتنهي كلامها: «الله يرحمها ويصبرنا».
حوادث الطائرات وكيفية النجاة منها، يتدرب عليها جميع موظفي شركة «مصر للطيران»، هذا ما يؤكد عليه أحد ضباط المراقبة الجوية للشركة خلال تعليقه لـ«الشرق الأوسط» على الحادث وطبيعة العمل في الوقت الراهن بعد اختفاء الطائرة.
يقول ضابط المراقبة الجوية، شريطة عدم ذكر اسمه: «جميعنا في حالة حزن، لكن الكل يعمل وهو متماسك، لأن تخلينا عن المسؤولية التي تقع على عاتقنا سوف يؤدي إلى مصائب أكبر»، وتابع: «نمر باختبارات نفسية ونتعرض لضغوط للتعايش مع أي حادث نمر به».
يستبعد ضابط المراقبة الجوية، وجود استهداف لطائرات شركة «مصر للطيران»، مشيرا إلى أن الحادث لم يعرقل سير الرحلات، مستشهدا بحادث اختفاء الطائرة الماليزية، التي فقدت يوم 8 مارس (آذار) عام 2014، الذي لم يوقف الرحلات من وإلى ماليزيا، على حد قوله.
ويؤكد الشاب الثلاثيني أنه لم تصدر أي تعليمات من الشركة بعيد وقوع الحادث للموظفين، مؤكدا أن الرحلات الجوية اليومية مستمرة بشكل طبيعي دون إلغاء أي رحلة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.