الجزائر: الجيش يكثف عملياته لإحباط محاولات «داعش» تنشيط خلايا متشددة

اجتماع عالي المستوى لبحث محاربة الإرهاب في ليبيا ومالي

الجزائر: الجيش يكثف عملياته لإحباط محاولات «داعش» تنشيط خلايا متشددة
TT

الجزائر: الجيش يكثف عملياته لإحباط محاولات «داعش» تنشيط خلايا متشددة

الجزائر: الجيش يكثف عملياته لإحباط محاولات «داعش» تنشيط خلايا متشددة

أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، أمس، أن الجيش قتل متطرفا بمنطقة البويرة، بمنطقة القبائل شرق العاصمة، في سياق عملية عسكرية تم شنها الأسبوع الماضي، وقتل فيها أيضا ثلاثة متطرفين، أول من أمس. ويكثف الجيش من نشاطه في البويرة بسبب معطيات تملكها السلطات العسكرية، تتحدث عن تشكل خلايا تابعة لـ«داعش».
واستمرت العملية العسكرية بالبويرة، أمس، حيث شوهدت القوات الخاصة تقترب من منطقة غابية، يعتقد أن بها إرهابيين يتحصنون في مخابئ، علما أن المنطقة نفسها شهدت مقتل متسلق جبال فرنسي في سبتمبر (أيلول) 2014. بعد احتجازه مدة 10 أيام من طرف تنظيم «جند الخلافة بالجزائر» الموالي لـ«داعش». فيما يقول الجيش إنه استأصل شأفة «جند الخلافة» بمقتل زعيمه عبد المالك قوري في عملية عسكرية كبيرة نهاية 2014 بمنطقة يسَر، القريبة من العاصمة.
ومن البويرة، التحقت العام الماضي ثلاث فتيات بفرع «داعش» في ليبيا، كلهن زوجات مسلحين جزائريين قضى عليهم الجيش في السنوات الماضية.
من جهة أخرى، أعلن الجيش عن تدمير ثلاثة مخابئ وإبطال مفعول ألغام جاهزة للتفجير بمنطقة تيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة)، وهي منطقة تحتضن معاقل «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وبها يوجد على الأرجح زعيمها عبد المالك دروكدال، الذي تسعى المخابرات العسكرية إلى قتله، منذ 2005.
وفي تيزي وزو بمنطقة القبائل الكبرى، تكثف الأجهزة الأمنية من مساعيها لإحباط محاولة بعث الروح في خلايا نائمة تتبع لإرهابيين، تم القضاء عليهم في السنوات الماضية. وتقول تقارير أمنية إن «دواعش» ليبيا أوفدوا عناصر منهم إلى منطقة القبائل بهدف «إعادة تنشيط الجهاد». ويمثل الإرهاب بالنسبة لغالبية الجزائريين (بعبعا) عانوا من ويلاته في تسعينات القرن الماضي، ولا يريدون العودة إلى تلك الفترة. وترى السلطات أن الحدود مع ليبيا تشكل خطرا داهما، ولهذا نشر الجيش الآلاف من أفراده بالمناطق الحدودية، تحسبا لتسلل إرهابيين وتهريب أسلحة.
وكان موضوع الإرهاب بالحدود المشتركة بين الجزائر وليبيا وتونس، في صلب اللقاء الذي جمع أول من أمس بالجزائر عبد القادر مساهل، وزير الشؤون الأفريقية والمغاربية والجامعة العربية، والمستشار البريطاني المكلف بشؤون الأمن القومي مارك ليال غرانت. وصرح مساهل للصحافة الحكومية الجزائرية بأن اللقاء الذي دام يومين «بحث الوضع المقلق في المنطقة، ونحن نعمل معا من أجل تقارب الرؤى حول البحث عن حلول لمشكلاتنا الأمنية»، مشيرا إلى أن «الوضع في الساحل الأفريقي شغل حيزا مهما في النقاشات مع الوفد البريطاني، وقد تم تقييم الوضع فيما يخص الإرهاب والجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة مثل (داعش) و(القاعدة) و(بوكو حرام)».
وأضاف مساهل أنه «من الضروري عودة الاستقرار إلى مالي وليبيا لأن الأوضاع في البلدين مرتبطة ببعضها ومتشابكة، وغياب الاستقرار في هذين البلدين يعد تهديدا للمنطقة برمتها»، وتابع موضحا أنه «من البديهي أن المسألة التي تشغل الجزائر وبريطانيا هي محاربة الإرهاب. فهما يملكان خبرة كبيرة في هذا المجال، وآفة الإرهاب تشكل اليوم تهديدا كبيرا يتطلب ردا شاملا، وبريطانيا بلد مهم وعضو دائم في مجلس الأمن. كما أنه يلعب دورا فيما يعرف بتقنين الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب». ودعا مساهل إلى «تعاون دولي لقطع الطريق على الإرهابيين أمام استعمال التكنولوجيا لأغراض إجرامية». يشار إلى أن الجزائر وبريطانيا تشتركان في مسعى تم إطلاقه منذ سنوات، يتعلق بافتكاك قرار من مجلس الأمن الدولي يدين الحكومات التي تدفع فدية للإرهابيين، نظير تحرير رعاياها المختطفين. وقال المستشار البريطاني إن «الشراكة الاستراتيجية التي بادر بها الرئيس بوتفليقة ورئيس الوزراء ديفيد كامرون منذ سنوات، تشمل أيضا البعد الأمني الذي تطرقنا إليه، والبعد الاقتصادي، حيث سيتم تنظيم منتدى لرجال الأعمال البريطانيين الذي سيحلون بالجزائر قريبا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.