نابليون بونابرت في «كان»‬

نابليون بونابرت في «كان»‬
TT

نابليون بونابرت في «كان»‬

نابليون بونابرت في «كان»‬

في مثل هذه الأيام، قبل 31 سنة، عرض مهرجان «كان» فيلم يوسف شاهين «وداعًا بونابرت» الذي حكى جانبا من حكاية الحملة الفرنسية في مصر في أواخر القرن الثامن عشر وكيف تعددت الاعتبارات والمواقف تجاه الوجود الفرنسي بين راغب به ورافض له. هذه المواقف مرمّز إليها بثلاثة أشقاء كل واحد منهم ينهل من رأيه الخاص في نابليون وحملته.‬
> تم عرض هذا الفيلم في المسابقة لكنه خرج من دون جائزة. لم يكن الفيلم الأول أو الأخير للمخرج الراحل الذي يعرضه في إطار المهرجان الفرنسي، لكن المظلة المستخدمة لإرسال الفيلم إلى المهرجان الفرنسي كان متصلاً بحقيقة أن الموضوع فرنسي - مصري (كذلك الإنتاج) وأن ذلك يشفع للفيلم اشتراكه.‬
> الآن، يوسف شاهين، من الغائبين الراحلين عن هذه الدنيا جنبًا إلى جنب عدد كبير من السينمائيين الذين شاركوا عبر العقود الطويلة في مسابقات المهرجان الفرنسي. تفكر في شاهين فيتناهى إليك أنطونيوني وفيلليني وهيتشكوك وروزي وكوروساوا ومونيشيللي ورومير ولوزي ويانشكو وهال آشبي.‬
‬> هؤلاء جميعًا ماتوا، لكن هناك غائبين عن العمل توقفوا وهم ما زالوا في قمّـة النشاط. ففي الدورة ذاتها التي اشترك فيها شاهين في مسابقتها، كان بجواره البريطاني ألان باركر بفيلم «بيردي» والأميركي بول شرادر بفيلم «ميشيما» والبرازيلي هكتور بابنكو الذي قدّم فيلمه «قبلة المرأة العنكبوت»، وفي سنوات متقاربة كريستوف زانوتسي وجيل كارل وجان - لوك غودار ووولتر هيل والهندي مرينال سن، وجميعهم ما زالوا أحياء لكنهم لا يعملون وإن فعلوا فمرّة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر.‬
> الغائب الأكثر شمولية هو النظام الذي أوجد هذا الرهط الكبير من المبدعين. كانت الفترة من الستينات وحتى نهاية الثمانينات ما زالت قادرة على إطلاق الأعمال المتوّجة بنضارة مخرجيها. والسبب أن المخرجين كانوا يمسكون بزمام المبادرة أكثر مما يفعل أترابهم الحاليون. المخرج كان المبدع والمسؤول الأول قبل أن يكون الاسم الذي ستبني عليه شركات التوزيع ما تستطيع جنيه من نجاحات.‬
> لم يعد المخرج اليوم مسؤولاً وحيدًا، ولذلك فإن إبداعه أصبح داخل صندوق قد يكبر وقد يصغر لكنه يحدد ما يستطيع القيام به. كذلك أصبح أسمه متداولا كعامل جذب واستقطاب. هو يخرج فيلمه لصالح شركات الإنتاج والتوزيع التي تريد أن تبني عليه نجاحاتها الخاصة. كان ذلك موجودًا في السابق طبعًا، لكن من دون أخذ القرارات من بين يديه. ‬
‬> للتدليل، كان برغمان وأنطونيوني وروبرت التمن مثلاً، يمضون وقتًا أطول على الإخراج ووقتا أقصر على البحث عن تمويل. العكس هو الصحيح اليوم. ‬



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.