تمام سلام: إخراج لبنان من أزمته يتطلب مساعدة خارجية

قال في لقاء صحافي: لا نتائج محسوسة بعد لجهود فرنسا

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في لقائه مع القائم بأعمال السفارة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في لقائه مع القائم بأعمال السفارة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
TT

تمام سلام: إخراج لبنان من أزمته يتطلب مساعدة خارجية

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في لقائه مع القائم بأعمال السفارة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في لقائه مع القائم بأعمال السفارة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)

عندما سألت «الشرق الأوسط» رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام عما إذا كانت هناك «إشارات» تنبئ بليونة إيرانية ما في ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان، رسم بيديه دوائر ودوائر قبل أن يرد بقوله إن الفرنسيين والألمان وأطرافا دولية أخرى تدخلت لدى إيران من أجل الحصول على شيء مثل هذا منها. وبالفعل: «وشعرنا أن هناك في مكان ما رغبة إيرانية» بالتسهيل، لكن الأمور «تعقدت مجددا بسبب مواجهة إقليمية جديدة وكان من أثرها تراجع الوضع إلى الوراء». ويضيف سلام أن «الأمور مربوطة بالوضع الإقليمي وبعضها ببعض. سوريا، والعراق، واليمن وغيرها، وبالأوراق التي تلعب هنا أو هناك، وما يُعطى بالمقابل. كما أن كثيرين يرون أنه يتعين انتظار الانتخابات الأميركية».
هذا الكلام للرئيس سلام جاء في إطار لقاء مع وفد ضيق من الصحافة الفرنسية الموجود في لبنان. واستفاد سلام من المناسبة ليقول كلاما صريحا، ويدق ناقوس الخطر، محذرا من الخطر الإرهابي الذي يهدد لبنان، وينبه الطبقة السياسية اللبنانية بأن استمرار التناحر والخلافات بين اللبنانيين بهذا الشكل «سيدمر» لبنان. وبصراحة متناهية، رأى سلام أن اللبنانيين «يتولون إدارة حياتهم وشؤونهم السياسية كقبائل، وعلى أسس الانقسامات الطائفية، وكل جهة سياسية تسعى لزيادة صلاحياتها عن طريق التجييش الطائفي الذي لا يصب في مصلحة البلد».
في كل حديث مع سياسي لبناني، يقفز إلى الواجهة موضوع الفراغ الرئاسي. وبخصوص هذا الموضوع أيضا، لا يختبئ سلام وراء أصبعه، بل يقول الأمور كما هي. ومن جملة ما يقوله إنه من أصل 12 رئيسا للجمهورية تعاقبوا على لبنان، هناك فقط رئيس واحد انتخب بموجب أصول اللعبة الديمقراطية في عام 1970، في إشارة إلى الرئيس الأسبق سليمان فرنجية الذي انتخب بأغلبية صوت واحد. وقال سلام إن اللبنانيين «تعودوا أن يكونوا تحت تأثير التدخلات الإقليمية والدولية، وعانوا دوما من صعوبة التفاهم فيما بينهم». والخلاصة التي يصل إليها مفادها بأن لبنان «بحاجة إلى مساعدة من الخارج»، للانتهاء من الفراغ على رأس الدولة، وهذه المساعدة يمكن أن تكون بشكل مؤتمر أو اجتماع «للأطراف الإقليمية أو الدولية الكبرى التي تتمتع بتأثير على الوضع اللبناني، لأن غالبية القوى الأساسية في لبنان متحالفة مع قوى إقليمية أو دولية لا تسمح بالتحرك بحرية في البلد». واستبق سلام الانتقادات والصعوبات التي يمكن أن تتسبب فيها هذه التصريحات، مثل أنها لا تصدر عن مسؤول متمسك بالسيادة الوطنية، بالقول إنها «للأسف توصيف للوضع كما هو».
منذ أن أدلى السفير الفرنسي في لبنان أول من أمس بتصريح حول مساعي بلاده لمساعدة لبنان عبر الإعداد لاجتماع، حصل لغط كثير، بعضهم فهم أن باريس تحضر لمؤتمر دولي خاص، وبعضهم كان يعلم مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي التقيناه أمس في عين التينة بأن المقصود هو اجتماع لمجموعة الدعم للبنان وليس لمؤتمر دولي. أما الرئيس سلام، فقد «اعترف» أنه «ليس هناك حتى الآن نتائج محسوسة أفرزتها المساعي الفرنسية الهادفة لمؤتمر حول لبنان في أوروبا». والجدير بالذكر أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت سيزور لبنان في 27 الجاري، وأن الملف الرئاسي سيكون على رأس المواضيع التي سيتناولها مع المسؤولين اللبنانيين. وكشف سلام أن فرنسا اتصلت بكل سلطات المنطقة بما فيها المملكة السعودية وإيران والأطراف الأخرى، ناهيك بالأطراف الداخلية اللبنانية، وهي مستمرة في ذلك. وما تريده باريس هو أن تجر وراءها البلدان الأوروبية والبلدان الإقليمية وربما لاحقا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لتنظيم مؤتمر «يشارك فيه الجميع». أما لماذا باريس وليس أي طرف إقليمي كما حصل في مؤتمر الطائف عام 1989 أو في الدوحة عام 2008 فالسبب عائد لكون العواصم الإقليمية «مشغولة إما بنفسها وإما مع الآخرين». لكن سلام يستدرك قائلا إن القوى الإقليمية والدولية تتناحر فيما بينها، مما يعني صعوبة تفاهمها حول لبنان.
يلقي الرئيس سلام على الوضع اللبناني نظرة متشائمة، ليس فقط لأن الوضع معقد، بل لأن القوى السياسية وكذلك اللبنانيون بشكل عام لا يغلبون المصلحة العليا على غيرها من المصالح. ورغم أن الحكومة نجحت في توفير الأجواء لإجراء مرحلتين من الانتخابات البلدية، فإن الأزمة «ما زالت مستمرة». ويشكو سلام من شلل البرلمان «المفترض به أن يجتمع مرتين في الأسبوع»، وليس في أوقات متباعدة ومن «العراقيل» التي توضع في وجه العمل الحكومي، حيث «القوى السياسية» الممثلة فيه تتناحر باستمرار فيما بينها داخل المجلس وخارجه، شاكيا من مبدأ القرار الإجماعي الذي يشل عمل حكومته. ونبه سلام من المخاطر المحدقة بلبنان وعلى رأسها الخطر الإرهابي، حيث إن لبنان «في خطر دائم». ولعل ما يخفف من وطأة هذا التشخيص أن لبنان ليس وحده في هذا الوضع، بل إن بلدانا إقليمية كثيرة تواجه الأخطار نفسها. وهذا الوضع وشعاره الأول الفراغ الرئاسي أفرز مجموعة من المشكلات تحتاج إلى نظام صلب ومتمكن، من أجل معالجتها، وعلى رأسها الشلل في عمل المؤسسات واستفحال أزمة اللاجئين السوريين والأزمات المتراكمة في قطاعات الكهرباء والطاقة والغاز «الواجب استخراجه من البحر والمجمد بسبب الخلافات السياسية». أما الحل بالنسبة إلى رئيس الحكومة فيكمن في السعي من أجل الخروج من النظام الطائفي بالتدريج، مشيرا إلى أن هذا النظام كان «أساس التوازن في البلد»، داعيا إلى قانون انتخابي جديد يتيح تمثيلا أفضل للبنانيين، ويضعف الجهات السياسية الطائفية. ويطالب سلام بتنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف التي لم ينفذ منها إلا ما بين 50 و60 في المائة، بسبب الضغوط السورية سابقا وبسبب الأزمات التي نشبت لاحقا.
أما ما يتمسك الرئيس سلام بالتشديد عليه، فهو اعتباره أن الحل لمعالجة التطرف والإرهاب على المدى الطويل يكمن في إيجاد «واحة سلام وديمقراطية واعتدال» في المنطقة، وأن ذلك يفترض إيجاد حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الأزمة السورية، فإنه يأسف أنها لم تدخل في الإطار التفاوضي بين مجموعة الدول الـ«5+1» وإيران. والحال أن المفاوضات انتهت «ولم يحصل شيء بعدها» لجهة إيجاد حلول للأزمات المشتعلة في المنطقة.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».