أوبك.. عام ونصف من الصمت أمام تراجع الأسعار

متى تغير المنظمة سياستها الحالية؟

أوبك.. عام ونصف من الصمت أمام تراجع الأسعار
TT

أوبك.. عام ونصف من الصمت أمام تراجع الأسعار

أوبك.. عام ونصف من الصمت أمام تراجع الأسعار

منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2014 قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تبني استراتيجية جديدة في الأسواق، غير متوقعة، فاجأت بها العالم، تمثلت في إبقاء مستويات الإنتاج دون تغيير، رغم تراجع الأسعار من مستوى 115 دولارًا إلى أقل من مائة دولار وقتها، في موجة هبوط بدأت في يونيو (حزيران) أي قبل بدء اجتماع المنظمة في جنيف بستة أشهر.
وبعد مرور عامين تقريبًا على موجة الهبوط الأعنف في أسواق النفط، ونحو عام ونصف العام على قرار أوبك، بتبني استراتيجية الإبقاء على الإنتاج دون تغيير رغم انهيار الأسعار، ما زال بعض العاملين في أسواق النفط يعيشون «حالة المفاجأة»، من موقف المنظمة حتى ذهب البعض منهم إلى القول بأن «أوبك قد انتهت».
ورغم أن أوبك قد أعلنت من قبل عن استمرار استراتيجيتها تلك لمدة عامين كحد أقصى، (تبدأ من ديسمبر 2014 وتنتهي في الشهر نفسه من عام 2016) لتأتي بالنتيجة المرجوة التي تتمثل في تقليل إنتاج النفط الصخري، المنافس الذي أصبح قويًا، وبالتالي تراجع المعروض ليتوازن العرض مع الطلب، فإن بعض المسؤولين في القطاع تجاهلوا تمامًا الفترة الزمنية اللازمة لنجاح استراتيجية أوبك، وراحوا يكيلون الاتهامات للمنظمة بالتقاعس تارة، والدخول في تحالفات دولية سياسية تارة أخرى.
ومؤخرًا قال إيجور سيتشين رئيس شركة روسنفت أكبر شركة نفط روسية، إن الخلافات الداخلية تقضى على أوبك، وإن قدرتها على التأثير في الأسواق تبددت تقريبًا. مضيفًا في تصريحات أدلى بها مطلع الأسبوع الماضي: «في الوقت الحالي تستبعد مجموعة من العوامل الموضوعية أن تملي أي اتحادات لمنتجين إرادتها على السوق.. وبالنسبة لأوبك فقد انتهت فعليًا كمنظمة موحدة».
وهناك أكثر من مليوني برميل زيادة عن الطلب حاليًا، موجودة في الأسواق يوميًا، الأمر الذي يؤخر استقرار الأسعار، إلا أن معطيات جديدة ظهرت في السوق مؤخرًا دعمت الأسعار، مثل تقليل إنتاج كندا من الحقول الرملية بنحو مليوني برميل يوميًا نتيجة حرائق ضخمة، وإضرابات في قطاع النفط النيجيري، وتخوفات من فقدان نحو 2.5 مليون برميل يوميًا في حال انهيار فنزويلا التي أعلنت حالة الطوارئ مؤخرًا، فضلاً عن تراجع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري للشهر الثامن على التوالي في يونيو (حزيران) مع تفاقم الضغوط الناجمة عن انهيار أسعار الخام لعامين، بحسب توقعات الحكومة الأميركية يوم الاثنين الماضي. ويبدو أن التغيرات الأخيرة في وزراء النفط لبعض دول الخليج مثل السعودية والكويت، لها بعد آخر مرتبط بدور منظمة أوبك خلال الفترة المقبلة، ومدى تأثيرها على أسعار النفط.
وفي اجتماع الدوحة الأخير يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي، لمجموعة من كبار منتجي النفط من داخل وخارج منظمة أوبك، فشلوا في التوصل لاتفاق بشأن تثبيت الإنتاج، المرتفع أساسًا، حتى بدا للبعض أن سياسة «السوق المفتوحة» في قطاع النفط ستكون المتحكم الأكبر خلال الفترة المقبلة.
ويتضح دور أوبك على المدى القريب والمتوسط، من تصريحات وزير النفط السعودي خالد الفالح، الذي تولى منصبه خلفًا لـ«أسطورة النفط» علي النعيمي، قائلاً: «السعودية لديها من الموارد ما يكفي لانتظارها لحين تحقق ذلك (استعادة السوق توازنها)». في إشارة إلى استمرار استراتيجية الإبقاء على الإنتاج دون تغيير حتى آخر العام على أقل تقدير.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير لها مؤخرًا، إنه من المتوقع تراجع الإنتاج الإجمالي من النفط الصخري نحو 113 ألف برميل يوميًا إلى 4.85 مليون برميل يوميًا، وهو ما يثبت فاعلية استراتيجية أوبك في التعامل مع النفط الصخري.
وتأسست منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1960 بمبادرة من الدول الخمس الأساسية المنتجة للنفط في حينه (السعودية وإيران والعراق والكويت وفنزويلا) في اجتماع عقد بالعاصمة العراقية بغداد، وكان السبب الأساسي للمنظمة هو التكتل في مواجهة شركات النفط الكبرى، وللسيطرة بشكل أكبر على أسعار البترول وترتيبات الإنتاج. وتوفر دول أوبك أكثر من 40 في المائة من النفط العالمي ولديها احتياطيات مؤكدة تمثل 80 في المائة من نفط العالم. وتضم المنظمة حاليًا ثلاث عشرة دولة هي: السعودية والكويت والإمارات والعراق وقطر وفنزويلا وإيران وإندونيسيا، وليبيا، والجزائر، ونيجيريا، وأنجولا، والإكوادور، وانتقل مقرها عام 1965 من سويسرا إلى العاصمة النمساوية فيينا.
يقول ضرغام محمد علي رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في العراق والخبير في شؤون النفط إن «دور أوبك انتهى ولكن مرحليًا، لأن دورها مرتبط بقدرتها على تحديد الحصص السوقية، بما يضمن إمدادات تتناسب مع حجم الطلب السوقي دون حدوث ظاهرة الإغراق أو التعطيش».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه من دون هذه القدرة فليس لهذه «المنظمة أي دور، فدورها لا يقتصر على إعداد الدراسات وتوقعات السوق، فهذه المهام يقدر عليها مكتب استشاري وليس منظمة دولية بإمكانات أوبك».
وفي أوائل الثمانينيات كان دور منظمة أوبك يقتصر على الحفاظ على أسعار النفط، ومنذ عام 1983 بدأت تتبع سياسة جديدة تقوم على تحديد سقف إنتاجي محدد لا يجوز للدول الأعضاء تجاوزه، مع توزيع الحصص الإنتاجية وفقًا لهذا السقف على الدول الأعضاء وحسب الطاقة الإنتاجية المتاحة لكل منها. وأوضح ضرغام محمد علي، أن «عدم قدرة أوبك على العودة إلى نظام الحصص يمثل نهاية دورها العالمي، وازدياد انقسام المواقف داخلها يزيد من ضعف دورها».
وقال إن أمام أوبك ثلاثة خيارات، الأول يتمثل في «اتفاق الأعضاء من جديد على استعادة دورها القيادي والعودة إلى نظام الحصص السوقية، والثاني يقضي بإعادة هيكلة المنظمة بإعادة صياغة نظامها وإضافة وإبعاد أعضاء عنها حسب الفاعلية، أما الثالث فيكمن في تأسيس منظمة بديلة تستوعب عددا أكبر من الدول المنتجة».
وتتكون منظمة أوبك من ثلاثة أجهزة، المجلس الوزاري: وهو السلطة العليا للمنظمة، ويتكون من وفود تمثل الدول الأعضاء، وبموجب دستور المنظمة يعقد المجلس الوزاري اجتماعين عاديين كل عام، وقد ينعقد المجلس في دورة غير عادية بناء على طلب أي دولة عضو في المنظمة بواسطة الأمين العام للمنظمة الذي يقوم بالتشاور مع رئيس المؤتمر.
مجلس المحافظين: ويتكون من مندوبين يرشحون من قبل‌ حكوماتهم، ومن حق المجلس الوزاري للمنظمة أن يشكل أجهزة متخصصة كلما تطلبت الظروف ذلك.
السكرتارية: تتكون من الأمين العام، ورؤساء الإدارات، وبقية الموظفين المعارة خدماتهم من الدول الأعضاء، وتضم سكرتارية المنظمة خمسة أقسام رئيسية.
ويرى كامل عبد الله الباحث في مركز الأهرام الاستراتيجي في القاهرة، والمتابع لأسواق النفط، أن دور أوبك لم ينته، لكنه تقلص في الوقت الحالي، نتيجة استراتيجية المنظمة التي تبنتها منذ ديسمبر 2014.
وقال عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن دور أوبك قد ينتهي، لكنه آخذ في التقلص إلى حد كبير بفعل انضمام عدة دول من خارج المنظمة إلى سوق النفط العالمية، إضافة إلى هبوط الأسعار، على خلفية التوجه (من بعض الدول) للبحث عن أنواع أخرى من الطاقة النظيفة». مضيفًا أن هذا يتطلب من أوبك أن تكون أكثر مرونة في التعامل مع المنتجين الجدد من خارجها للحفاظ على دور أكثر فعالية في السوق الدولية.
ووفقًا لنظام أوبك الأساسي، على موقعها الرسمي، فإنها تتمثل في تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للدول الأعضاء وضمان استقرار أسواق النفط من أجل تأمين إمدادات فعالة واقتصادية ومنتظمة للمستهلكين، ودخل ثابت للمنتجين وعائد عادل على رأس المال في صناعة النفط.
ويرى عبد الله هنا أن «مشكلة أوبك الحالية تتمثل في حالة التنافس الشديد بين أعضائها من المنتجين الكبار، وهذا يفرض على المنظمة أن تكون أكثر تكيفًا ومرونة».
من جانبه أكد نايل الجوابري المحلل المالي والاقتصادي في قطاع النفط الإماراتي، أن اعتماد أوبك على استراتيجية طويلة الأمد، أفقدها دورها في التأثير على الأسعار، مشيرًا إلى فشل اجتماع الدوحة الشهر الماضي بشأن تثبيت الإنتاج.
وأشار الجوابري إلى أن «ابتعاد أوبك عن التدخل في تحديد الإنتاج وبالتالي الأسعار يجعل السوق في تباين لأنه لا يوجد قرار ثابت من أوبك لتثبيت الإنتاج من جميع الأعضاء». مشيرًا إلى «رؤية المملكة 2030» التي توضح تخلي السعودية عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، مما يجعلها تبتعد رويدًا رويدًا عن التدخل السريع في أسواق النفط، مما يُحدث تباينا في الأسعار تباعًا.



السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
TT

السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

يمثل إقرار مجلس الوزراء السعودي «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية» خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في البلاد، وتنفيذ مستهدفاتها الوطنية، وتحقيق أمن الطاقة، وضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، ودعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة، وفق ما صرح به مختصون لـ«الشرق الأوسط».

والسعودية من بين أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي. من هنا، فإنه يمثل حصة كبيرة من صادراتها غير النفطية. ويبلغ الإنتاج السنوي من البتروكيماويات في السعودية نحو 118 مليون طن.

وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، قال إن «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية يأتي ليحقق عدداً من المستهدفات، في مقدمتها؛ تنظيم العمليات البترولية والبتروكيماوية، بما يسهم في النمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وزيادة معدلات التوظيف، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، ويُسهم في حماية المستهلكين والمرخص لهم، ويضمن جودة المنتجات، وإيجاد بيئة تنافسية تحقق العائد الاقتصادي العادل للمستثمرين».

زيادة التنافسية

يقول كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً، الدكتور محمد سرور الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية) سيلعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي وتعظيم الاستفادة منه»، مضيفاً أنه «سيزيد من القدرة التنافسية بين شركات البتروكيماويات وسيدعم جهود السعودية لتعزيز أمن الطاقة؛ سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية».

وأشار الصبان إلى أن النظام الجديد سيساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية؛ «مما سيعزز معدلات التوظيف، ويرفع كفاءة استخدام الطاقة، ويساعد في ترشيد استهلاك الطاقة ومنتجات البتروكيماويات واقترابها من المعدل الفردي العالمي»، لافتاً إلى أن «تنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المستهدفات السعودية في أمن الطاقة».

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

تنظيم العمليات التشغيلية

من جهته، قال محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد» المختصة في تحليل بيانات قطاعات الاستثمارات البديلة، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «يُسهم في تحقيق أهداف متعددة، تشمل رفع كفاءة الأداء في القطاع، وتحقيق المستهدفات الوطنية، وتنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية. كما تكمن أهمية النظام في تلبية احتياجات القطاع عبر تطوير الإطار القانوني بما يواكب أفضل الممارسات العالمية».

وأضاف أن النظام «يمثل نقلة نوعية، ويحل محل نظام التجارة بالمنتجات النفطية السابق، ويهدف إلى تنظيم العمليات التشغيلية، بما في ذلك أنشطة البيع، والشراء، والنقل، والتخزين، والاستيراد، والتصدير، كما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد النفطية والبتروكيماوية، مما يعزز من حماية المستهلكين والمستثمرين، ويدعم توفير بيئة تنافسية عادلة».

وأشار حمدي إلى أن النظام يضمن حماية المستهلكين والمرخص لهم؛ «مما يعزز من ثقة السوق ويضمن جودة المنتجات، بالإضافة إلى دعم استقطاب الاستثمارات من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة وشفافة، تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، كما يُسهم في تحقيق أمن الطاقة عبر ضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، فضلاً عن دعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة».

ويرى حمدي أن النظام يعكس التزام السعودية بتحقيق أهداف «رؤية 2030»، عبر «تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، وتنظيم عملياته، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى «أننا سنرى تحولاً كبيراً في القطاع بعد العمل بهذا النظام، ودخول استثمارات أجنبية جديدة أكثر مع وضوح الرؤية المستقبلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي».

مواكبة التحولات الكبيرة

أما المحلل الاقتصادي طارق العتيق، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النظام «خطوة استراتيجية في مواكبة التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاعا الطاقة والبتروكيماويات عالمياً والقطاعات المرتبطة بهما. كما يسهم في دعم الصناعات التحويلية وتعزيز قيمتها وإضافتها إلى الاقتصاد المحلي والمنتج الوطني، بما يخدم مصلحة تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة والتنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف (رؤية 2030) في هذا السياق».

وأشار العتيق إلى أن النظام ستكون له مساهمات مهمة في تحفيز وتنمية الصناعات المحلية بقطاع البتروكيماويات، «مثل صناعات البلاستيك والمطاط وقطع الغيار... وغيرها، وفي الاستفادة من الميزة التنافسية التي تمتلكها السعودية في إنتاج المواد الأولية، وأهمية استغلالها في تصنيع منتجات نهائية تلبي الطلب المحلي والإقليمي. كما أنه سيسهم في رفع التنافسية بالقطاع ويزيد مساهمته في خلق الوظائف والتوطين، ونقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل السعودية».