مقاربة مغايرة إلی الفن الإسلامي

أولیفر لیمون يرد على المفاهيم الخاطئة للدراسات الاستشراقية

مدخل إلی علم الجمال الإسلامي  -  المؤلف: أولیفر لیمون - المترجمان: نازنین أردوبازارچي، جواد فندرسکي
مدخل إلی علم الجمال الإسلامي - المؤلف: أولیفر لیمون - المترجمان: نازنین أردوبازارچي، جواد فندرسکي
TT

مقاربة مغايرة إلی الفن الإسلامي

مدخل إلی علم الجمال الإسلامي  -  المؤلف: أولیفر لیمون - المترجمان: نازنین أردوبازارچي، جواد فندرسکي
مدخل إلی علم الجمال الإسلامي - المؤلف: أولیفر لیمون - المترجمان: نازنین أردوبازارچي، جواد فندرسکي

شغل البحث والنقاش حول ماهیة الجمال والفن الإسلامیین أذهان الکثیر من أهل الفلسفة والفن منذ سنین طویلة. وأما فیما یتعلق بإمکانیة وضع الفن الإسلامي أو علم الجمال الإسلامي تحت عنوان موضوع الفلسفة، فإن ذلك یمثل موضوعا جادا ومستحقا للدراسة، ذلك لأن الجمال هو من العناصر الأساسیة في فلسفة الفن. ویری الحکماء المسلمون أن مظاهر الجمال في هذا العالم هي تجلیات مهمة للجمال المطلق أي الله. ولذلك فقد اعتبروا بعض الأسماء والصفات الإلهیة من قبیل خالقیة الله مصدر الفن والجمال في العالم الإسلامي. والفنانون هم المجسدون لهذه الأسماء والصفات من خلال خلق آثار علی قدر استطاعتهم. ویعد أولیفر لیمون أستاذ الفلسفة بجامعة جان مورز، لیفربول، أحد أبرز الباحثين في الفلسفة الإسلامیة خلال القرون الوسطی. وقد نقح مع الدکتور نصر مجموعة تاریخ الفلسفة الإسلامیة بمجلدین.
وأما فیما یتعلق بكتابه الجديد، فإنه یری أن نوعا بالغ الخصوصیة من الشعور والوعي قد استخدم في تکون الفن الإسلامي، ولهذا السبب فإن الإسلامي یختلف اختلافا كبیرا عن الفنون الأخرى. وهو يرد بقوة على القائلين بأن المسلمین لا یجوز لهم في الفن رسم الإنسان وتجسیمه.
یتحدی لیمون هذه الأفکار ویری أنها مغلوطة. ویقول في المقابل إن المقاییس المستخدمة في الفن الإسلامي یجب أن تتطابق مع المعاییر المستخدمة في الفن بالمفهوم العام وأن السعي من أجل أن ینضوي الفن الإسلامي في مقولة خاصة، ناجم عن دراسات استشراقية ذات مفاهيم خاطئة فيما يتعلق بهذا الفن. أنه یری أن الفن الإسلامي فن متسام إلی حد کبیر، وعلینا أن نتخذ حیاله سلوکا یتطابق مع المعرفة الجمالیة.
يقول لیمون إن «الکثیر من ناقدي الفن الإسلامي لا یعتبرونه فنا حقیقیا. ومن المسلم به أنهم یعدونه لافتا للنظر ومدهشا بل إنهم یکرسون أعمارهم من أجله ولکن لا یعتبرونه فنا. وهو ادعاء رهیب ذلك لأنهم یکتبون حوله في باب الفن وفي کتب تحمل عنوان الفن الإسلامي. وسوف نتوصل إلی هذه النتیجة، وهي إن هؤلاء الأشخاص یصفون الفن الإسلامي بطرق غیر متطابقة مع معرفة الجمال والفن. هم یتجنبون استخدام لغة نقدية جمالية، بل مصطلحات دینیة واجتماعیة لوصفه. وهدف هذا الکتاب تحدي هذا الاتجاه».
وبعد أن یدرس لیمون أحد عشر خطأ شائعا حول الفن الإسلامي من مثل أن البعض یری أن لا وجود لعلم الجمال الإسلامي، وأن للإسلام أنماطا فنية خاصة به، وأن الفن الإسلامي دیني في ذاته وما إلی ذلك، یعمد إلی دراسة بعض القضایا مثل الرسم، والخط، والعمارة، والحدائق، والأدب والموسیقی في الفن الإسلامي، کما أنه یولي اهتماما من نوع خاص لتعالیم القرآن الکریم، إذ یرکز اهتمامه علی معنی ومفهوم الخلق الأدبي والإعجازي للقرآن. وتستند معالجاته إلى الأمثلة التاریخیة، والفنیة، والفلسفیة، والکلامیة والآثار الفنیة في العالم الإسلامي.
ويدرس المؤلف في أحد أقسام الکتاب الخط بشکل شامل ویعتبره أفضل الفنون الإسلامیة، ففيه تلذذ بجمال الأشکال والخطوط المسطرة علی الأوراق.
ويدرس لیمون الموسیقی أیضا. وهو یری أن النظریات المحوریة في الموسیقی نمت خلال الفلسفة الإسلامیة. وهو يرى أن هناك نظریتين رئیستين في الموسیقی: إحداهما تعود إلی الفارابي وابن سینا، والأخرى إلی إخوان الصفاء وأبي یوسف الکندي، کما یتطرق المؤلف بعد دراسة مکانة فلسفة الموسیقی، إلی الموسیقی الدینیة ویذکر أن بعض الأنواع من الموسیقی، والأغاني والمقطوعات، دینیة بذاتها.
ویمکن اعتبار الکتاب الحاضر نظرة جدیدة من فیلسوف غربي إلی العالم الإسلامي، حیث استطاع التعرف من جدید علی بعض المفاهیم التقلیدیة في الفن الإسلامي، وتناول دلالاتها بالبحث والدراسة.
* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية (شرق بارسي)



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.