اللاجئون.. رهان التنظيمات الإرهابية

قبلتهم أوروبا ويهربون من الموت إلى جحيم «داعش»

مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة  («الشرق الاوسط»)
مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة («الشرق الاوسط»)
TT

اللاجئون.. رهان التنظيمات الإرهابية

مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة  («الشرق الاوسط»)
مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة («الشرق الاوسط»)

يهربون من الموت إلى الموت، هذا هو حال اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا هربا من جحيم أنظمتهم أو من الأوضاع السيئة، ليجدوا أمامهم جحيم التنظيمات الإرهابية التي تراهن عليهم؛ للانضمام إليها وتنفيذ المخططات المُتطرفة.
الخبراء والمراقبون المتابعون لتحركات اللاجئين أكدوا أن «ما تفعله التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم (داعش) ألجأت غالب أهل سوريا والعراق إلى المطالبة باللجوء أو الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا؛ هربا من الفتك بهم ومن مظاهر الوحشية التي يصبها هذا التنظيم الإرهابي بين عشية وضحاها»، موضحين أنه «قد يظن هؤلاء اللاجئون والهاربون أن هناك جنة في أوروبا تنتظرهم ورغد العيش مهيأ لهم؛ لكنهم يفيقون على واقع مرير يختصر المُعاملة في الإهانة المستمرة والعنصرية البغيضة، فضلا عن إهمال سلطات الدول الأوروبية في رعايتهم وكفاية حقوقهم الإنسانية». وبحسب الخبراء والمراقبين، فإن أكثر ما يخيف دول أوروبا هو الاعتقاد الذي يتسرب إلى عقولهم من أن تدفق اللاجئين بهذا العدد الضخم عملية ممنهجة لأسلمتها وفتحها إسلاميا، مؤكدين أن «إعادة الأطفال إلى بلادهم حال بلوغهم سن الثامنة عشرة هو بمثابة دعم مقنع للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش) لتجنيد هؤلاء الصبية».

ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ أعداد اللاجئين على مستوى العالم، ويرجع ذلك إلى أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية، والتي أدت في بعض البلدان إلى شعور الناس بعدم الأمان، ومن ثم هجرتهم بأعداد كبيرة من هذه الدول.
الإحصاءات الدولية توضح أن «عدد اللاجئين على مستوى العالم يقدر بنحو 60 مليونا، من بينهم 14 مليونا خلال عام 2014، وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة، وأن سوريا والعراق وإريتريا وأفغانستان في مقدمة هذه الدول».
ويرى مراقبون، أن تنظيم داعش الإرهابي يستهدف معسكرات اللاجئين، كما عمد منذ ظهوره إلى تهجير عدد كبير من المواطنين العراقيين ليستفيد من هذه الأزمة لاحقا، مؤكدين أن «داعش» الإرهابي يستغل زيادة أعداد اللاجئين ليسهل على أفراد التنظيم دخول الاتحاد الأوروبي متخفين في وسطهم، كما يستغلها أيضا بصفتها ورقة ضغط لإنهاء الصراع لصالحه من خلال الاعتراف به دوليا.
ويقول الخبراء: إن «قضية اللاجئين التي تشغل حيزا كبيرا من الرأي العام الغربي، ما هي إلا ورقة يضغط بها كل طرف من أطراف الصراع على الدول الأخرى لتلبي مطالبه، وأن الدول التي تحاول منع اللاجئين من القدوم إليها لم تتخذ يوما ما خطوات قوية وجريئة لاستئصال المشكلة من الأساس؛ فالحروب التي ساهمت فيها تلك الدول هي بالأساس سبب تدفق اللاجئين إليها.. وبعد هذا كله لا بد للمجتمعات الإنسانية من السعي الجاد لاحتواء مشكلات هؤلاء البشر، الذين لم يكن يخطر ببال أحدهم يوما ما الخروج من وطنه لولا الحروب والصراعات».
وبحسب المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، بلغ عدد الأطفال اللاجئين 1.1 مليون لاجئ من أصل 2.2 مليون هم من الأطفال.. أي أن نصف اللاجئين في العالم قصّر وأطفال ذهبوا إلى بلاد اللجوء مصحوبين بذويهم أو من دونهم.
وقال الدكتور محمد أحمد الدش، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر: «إن تدفق اللاجئين بشكل كبير قد يخيف دول أوروبا أمنيا ودينيا، فتخضعهم لعملية فرز وانتقاء، حيث تسمح للضعفاء منهم كالنساء والأطفال ومصابي العمليات العسكرية، واستبعاد من كان منهم داعما لأحد التنظيمات التي وصفت بكونها إرهابية، بخاصة وقد يتزامن ذلك مع حدوث بعض تفجيرات في بعض دول أوروبا؛ لكن أكثر ما يخيف دول أوروبا هو الاعتقاد الذي يتسرب إلى عقولهم من أن تدفق اللاجئين بهذا العدد الضخم عملية ممنهجة لأسلمتها وفتحها إسلاميا.. الأمر الذي يدعوهم إلى تحديد العدد المسموح به في إطار لا يشكل خطورة على كيان دولهم، ومن ضمن تلك الإجراءات هو قبول الطفل اللاجئ لحين بلوغه سن الثامنة عشرة من عمره، ثم العمل على ترحيله إلى بلده مرة أخرى، وهم بذلك يمنحون الفرصة لتنظيم داعش الإرهابي لاقتناص الفرصة ومحاولة تجنيد هؤلاء الصبية وتغذيتهم بفكر متطرف يمثل مرجعية للوحشية والدموية، وبذلك فإن ما يفعله الغرب من إعادة اللاجئين إلى ديارهم هو بمثابة دعم مقنع لهذه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها (داعش)».
ويقول المراقبون: «إن الأطفال يرفضون تسجيل أنفسهم بصفتهم قُصّرا، حيث يريدون أن يتم التعامل معهم بصفتهم بالغين من حيث توفير أعمال لهم، حيث إن العمل هو أحد أهم الأسباب التي يهرب بسببها الأطفال من مخيمات اللاجئين؛ وذلك لتسديد آلاف اليوروهات للمهربين الذين أدخلوهم إلى أوروبا، والمؤسف أن أجهزة الشرطة في تلك الدول لا تقوم بواجبها الإنساني لحماية هؤلاء الأطفال الذين يطلبون اللجوء إليها، مما يساعد التنظيمات الإرهابية في تنفيذ عمليات الاختطاف بحرّية.
ويترسخ الخوف من أسلمة أوروبا في الآونة الأخيرة بسبب موجات تدفق المهاجرين من سوريا إلى القارة الأوروبية، وظهرت هذه التخوفات داخل البرلمان الأوروبي من خلال تصريحات بعض أعضائه، الذين أعلنوا أن هناك تخوفا من النزوح الرهيب للاجئين إلى أوروبا، ممزوجا بالتخوف من تسلل عناصر جهادية لتنظيم داعش بينهم؛ بل يذهب بعض المتخوفين إلى أبعد من ذلك، وعدّوا أن هناك برنامجا ممنهجا لأسلمه أوروبا وإعادة غزوها، وأن موجات اللاجئين ما هي إلا عملية «غزو سلمي» لبلاد الغرب؛ لقلب حضارته رأسا على عقب.
وانعكست هواجس الغرب من الأسلمة في الرواية الفرنسية الشهيرة «الخضوع» للكاتب ميشيل ويليبك، التي نشرت مطلع عام 2015 لتعكس مدى التخوف من أسلمة فرنسا يوما ما.. ويتخيل فيها الكاتب، بحسب مراقبين، فرنسا بعد انتخابات الرئاسة عام 2020 التي يفوز بها مسلم يفرض على البلاد نظاما إسلاميا، لتصبح السوربون جامعة إسلامية، عميدها متزوج من ثلاث نساء، إحداهن مراهقة، ويعمل بها أساتذة مسلمون فقط، بينما يحال غير المسلمين، وكذلك النساء إلى التقاعد، مع معاشات خيالية يوفرها الأمراء المسلمون أرباب الثراء.
ويقول مراقبون: إن «الرواية تنشر صورة خاطئة عن الإسلام تظهر تحريم عمل المرأة، التي لا دور لها إلا أن تكون ملكا للرجل، ولا شك أن لرواية كهذه تأثيرا كبيرا في تعزيز التخوف من المسلمين، الذين، بلا شك، يحفل الغرب بالكثير من النماذج المشرفة منهم، والتي تسهم بدور فاعل في نموه وتقدمه».
ويضيف الخبراء: «ينعكس تخوف الغرب من الأسلمة في بعض التصريحات والعبارات، كان من أبرزها التعبير عن دخول أعداد من المهاجرين إلى أوروبا بكلمة (غزو)، وأن استقبالهم سيكون بمثابة (حصان طروادة الجديد)؛ بل ويعد البعض دخولهم سيفا على رقاب أوروبا، وتنتشر الدعوات الذاتية أن يفيق الغرب من سباته ومن هذه (اللامبالاة) المسيطرة عليه ليدرك أنه في آخر المراحل الانتقالية نحو أسلمة أوروبا؛ لأن الإسلام من وجهة نظرهم هو التهديد الأكبر الذي يواجهونه».
ومع تزايد تلك التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين، أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة، ولو على سبيل العبور من بلادهم دون الإقامة بها. بينما أعلنت دول أخرى استقبالها اللاجئين المسيحيين فحسب، وتتصدر هذه الدول المجر وسلوفاكيا والتشيك بموقفها المتشدد من اللاجئين بدعوى تسلل عناصر جهادية متطرفة بين اللاجئين المسلمين خاصة، وبدعوى أن الثقافة الغربية والقيم المسيحية في أوروبا صارت مهددة بسبب اللاجئين الذين ألزم الاتحاد الأوروبي دوله باستقبال عائلات مسلمة منهم بأكملها.
ويشار إلى أن هذه الدعوات الرافضة لاستقبال المهاجرين الفارين من لظى الحرب في بلادهم، تضرب عرض الحائط بكل ما تنادي به مبادئ الإنسانية والتعايش، التي تفخر أوروبا دائما بتبنيها وتطبيقها.. ولا يمكن بحالٍ إلغاء الاعتبارات الإنسانية التي تحمل كل ذي ضمير حي على مساعدة هؤلاء البؤساء، الفارين من الحرب إلى المصير المجهول.
ويشار أيضا إلى أنه حتى البلاد المرحبة باللاجئين، وعلى رأسها ألمانيا، تشهد مدنها مظاهرات ضد اللاجئين وضد «الأسلمة» تقوم بها حركة «بيجيدا»، حيث تلصق دائما التهم باللاجئين، دون أي دليل.
وظهرت في نهاية عام 2014 حركة عدائية ضد اللاجئين العرب والمسلمين بألمانيا تسمى «بيجيدا».. «أي أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب»، وتعد تلك الجماعة مظهرا من «مظاهر الإسلاموفوبيا» تلك الظاهرة التي تنامت بصورة كبيرة في الغرب.
ويقول المراقبون: «إن الغرب دائما يتذكر ما ينسب لبعض المسلمين من الهمجية والعنف، متناسيا في الوقت ذاته كل إسهام للمسلمين في بناء الحضارات على مدار التاريخ. ويغفل عن عمد ما ينسب لغير المسلمين من أفعال شائنة يطلقون عليها ساعتها (أفعالا فردية) ولا ينسبونها إلى دين أو طائفة بعينها، كما هو الحال مع المسلمين. كما يغمض العالم عينيه عما يتعرض له المسلمون من مجاعات وجرائم عنف وإبادة جماعية كما يحدث في (بورما وكشمير وميانمار وأفريقيا الوسطى، وغيرها)، ولا يتحدث سوى عن تخوفاته ومصالحه».
وتوعد «داعش» في فيديو مصور مؤخرا الغربيين بهجمات «تنسيهم»، على حد زعمه، هجمات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وباريس، وذلك عقب تنفيذ عملية إعدام خمسة «مرتدين» عراقيين، قتلهم بالرصاص خمسة من متطرفيه، يتقدمهم متشدد ناطق بالفرنسية.
وتشير التقارير الدولية إلى أن 14 في المائة فقط من الشعب البريطاني يوافق على استقبال اللاجئين في ديارهم، بينما أتت إسبانيا في مقدمة الدول الأكثر ترحيبا باللاجئين تليها ألمانيا ثم فرنسا، وأكثر الدول رفضا للجوء هي بلغاريا.
ويتخوف الكثير من الأوروبيين بشكل عام من دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيهم؛ حتى لا يستولوا على الوظائف الشاغرة لأبناء الوطن، وأن 53 في المائة من الفرنسيين يقبلون بنزوح اللاجئين إلى فرنسا، ولا سيما من سوريا، بينما علق 47 في المائة بالرفض، لأسباب دينية وأمنية واقتصادية.
وتعد سوريا أكثر الدول من حيث عدد اللاجئين، حيث بلغت نسبتها 34 في المائة وفقا للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تعرف اللاجئ بأنه كل من يقوم بطلب اللجوء سواء كان الإجراء سلبيا أو إيجابيا.
ويذكر أن أكثر من مليون لاجئ دخل إلى دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي، معظمهم عن طريق البحر.. ويرغب غالبيتهم في طلب اللجوء في دول شمال أوروبا، ويأتي معظم اللاجئين من سوريا، تليها أفغانستان.
من جانبه، قال الدكتور الدش، وهو مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: لا شك أن «التهجير وترك الأوطان، وأن يترك الإنسان بلده ويفقد أهله، لهو من آثار الحروب وويلاتها التي يعانيها الصغير قبل الكبير، وشرها بالطبع أن يطلب الإنسان الحماية من الغير وأن يطلب إيواءه؛ خوفا من التنكيل به أو أن يفقد حياته أو إهدار ما بقي له من عزة وكرامة؛ لكنه لا بديل ولا اختيار، فما تفعله التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش)، ألجأت غالب أهل سوريا والعراق إلى المطالبة باللجوء أو الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا؛ هربا من الفتك بهم ومن مظاهر الوحشية التي يصبها هذا التنظيم الإرهابي بين عشية وضحاها، ولا شك أيضا أن عملية لجوء السوريين والعراقيين تمثل أزمة حقيقية وكارثة إنسانية، ولربما وضح ذلك من خلال العدد الرهيب للاجئين وازديادهم يوما بعد يوم، ناهيك عن الأعداد الهائلة التي تموت وهي هاربة من جحيم الموت».
مضيفا: «قد يظن هؤلاء اللاجئون والهاربون أن هناك جنة في أوروبا تنتظرهم ورغد العيش مهيأ لهم؛ لكنهم يفيقون على واقع مرير يختصر المعاملة في الإهانة المستمرة والضرب المبرح بدافع العنصرية البغيضة، فضلا عن إهمال سلطات الدول الأوروبية في رعايتهم وكفاية حقوقهم الإنسانية، فما يعرضه الإعلام العالمي هو جزء بسيط مما يتعرض له المشردون من أهل سوريا والعراق، وليس من مصلحة الغرب الإعلان عن سوء المعاملة وهي التي تنادي بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية».
في السياق ذاته، قال الدكتور حامد المكاوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر: إن «ما يقرب من 4 ملايين ونصف المليون سوري لجأوا إلى أوروبا وكندا وأميركا، وتفقد سوريا 5 ملايين نسمة من سكانها، إضافة إلى وجود 6 ملايين لاجئ في تركيا، والأردن ولبنان ومصر والعراق واليونان، ويكون مجموع الذين هاجروا 11 مليون سوري، موجودين خارج سوريا».
وعن الخوف الذي ترسخ في أوروبا بسبب موجات تدفق المهاجرين، قال المكاوي استصدرت أوروبا من مجلس الأمن قرارا لمنع اعتلاء القوارب قبالة السواحل الليبية بغية إنقاذ حياة المهاجرين، أو ضحـايا تهريب البشر، واستخدموا في ذلك السفن الحربية، مضيفا: أن هناك «مخاوف في الغرب من أن يقوم تنظيم داعش الإرهابي بشكل متزايد، باستغلال تدفق المهاجرين على دول أوروبا، لإنشاء خلايا جهادية نائمة في جميع أنحاء القارة»، موضحا أن «تنظيم داعش الإرهابي يستغل أزمة المهاجرين في تهريب الإرهابيين إلى أوروبا بجوازات سفر سورية أو عراقية مزورة بشكل متطور، يمكن بعد ذلك استخدامها للسفر إلى بريطانيا على أنهم لاجئون»، وتخشى بريطانيا أن يكون «داعش» قام بتكوين خلايا نائمة وغيرها من دول أوروبا بإقامة مخيمات تدريب سرية في كل أنحاء أوروبا، وتتكون من جهاديين مدربين تدريبا كاملا ولديهم أوامر بالهجوم على أهداف بعينها، لتنفيذ هجمات «على طريقة القوات الخاصة».
وتشير تقارير مطلعة إلى تزايد عدد طالبي اللجوء إلى أوروبا منذ بداية العام الجاري بشكل ملحوظ، فوصل من المهاجرين واللاجئين بحرا إلى الشواطئ اليونانية ما يقرب من 32 ألف مهاجرا ولاجئا. ولفتت التقارير إلى أن أوروبا تحاول تبرير تخليها عن المهاجرين إليها جراء الحروب التي نشبت في الشرق الأوسط، وتحاول بشتى الطرق التضييق عليهم خوفا من انضمامهم للتنظيمات الإرهابية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».