مع تزايد قوتها في ليبيا.. «داعش» عينها على تونس

الفقر والبطالة يدفعان الشباب للانضمام لـ«داعش».. وبن قردان الخاصرة الهشة قد تكون بديلاً عن الرقة السورية

تونسي ينتظر فرصته لقطع الحدود إلى ليبيا (واشنطن بوست)
تونسي ينتظر فرصته لقطع الحدود إلى ليبيا (واشنطن بوست)
TT

مع تزايد قوتها في ليبيا.. «داعش» عينها على تونس

تونسي ينتظر فرصته لقطع الحدود إلى ليبيا (واشنطن بوست)
تونسي ينتظر فرصته لقطع الحدود إلى ليبيا (واشنطن بوست)

وصلت العائلات إلى المقبرة في الليل تحمل جثث أبنائهم وإخوانهم التي مزقتها الرصاصات، كما يتذكر سكان الحي. وواحدة تلو الأخرى، وضعت الجثث في قبور مجهولة من دون شواهد أو علامات، لقد كانوا منبوذين حتى بعد وفاتهم. كان القتلى من أعضاء تنظيم داعش الإرهابي.
كانوا جميعًا مواطنين تونسيين، من الذين عبروا الحدود إلى ليبيا للانضمام إلى ذراع التنظيم الإرهابي العاملة هناك. وفي مارس (آذار)، عادوا إلى تونس برفقة بعض من التونسيين المتشددين في محاولة للسيطرة على بلدة بن قردان الحدودية الجنوبية، وهي من مراكز التهريب الحدودية المعروفة التي تقع على مسافة 20 ميلا من الحدود الليبية التونسية. لقي عشرات المتطرفين مصرعهم في الاشتباكات العنيفة مع قوات الأمن التونسية، بما في ذلك ما لا يقل عن 10 من الذين نشأوا وتربوا في تلك الزاوية الجنوبية الشرقية من البلاد.
ولقد تم دفن ثمانية منهم فقط في المقبرة. يقول سمير نقي، وهو مسؤول بارز في الشرطة التونسية: «رفضت بعض العائلات تسلم أو دفن جثث ذويهم».
فشل المجموعة الإرهابية في السيطرة على بن قردان، التي طالما عرفت بأنها من محاضن الإرهابيين في الجنوب التونسي، يعد انتصارا كبيرا في حد ذاته بالنسبة للحكومة التونسية. غير أن الهجوم وتوابعه كشف عن الهشاشة التي تعاني منها تلك الدولة الواقعة في شمال القارة الأفريقية، في الوقت الذي تكافح فيه أيما كفاح لاحتواء التداعيات السامة والموجعة لما يعرف بانتفاضة الربيع العربي قبل خمس سنوات، والتصعيد المستمر والمتنامي من جانب تنظيم داعش وطموحاته الخبيثة هناك.
يشكل المتشددون التونسيون أكبر شريحة من المقاتلين الأجانب في الصراع السوري والعراقي حاليا. ولكن مع الغارات الجوية الأميركية والروسية التي تواصل عمليات القصف هناك، وجهود حظر السفر وتشديد الرقابة على الحدود الدولية، نزع المتشددون التونسيون إلى الانضمام إلى تنظيم داعش في ليبيا. وعلى نحو متزايد، بدأ الصراع الليبي في التسرب إلى تونس، وهي الدولة الوحيدة التي تبدو وكأنها حققت المعادلة الصعبة من حيث إقامة حكومة ديمقراطية فاعلة بعد الثورات المخيبة للآمال.
ولقد أكد تنظيم داعش الإرهابي، والمعروف إعلاميًا أيضا باسم (ISIS) أو (ISIL)، مسؤوليته عن الهجومين اللذين وقعا في تونس العام الماضي: أحدهما هو الهجوم الذي وقع في المنتجع السياحي بمدينة سوسة، والآخر الذي شهده متحف باردو في العاصمة تونس. ولقي العشرات من الناس مصرعهم في هذين الهجومين، وأغلبهم كانوا رعايا من دول أجنبية، على أيدي المسلحين المتطرفين التونسيين الذين يعتقد بأنهم تلقوا تدريبهم في ليبيا.
كانت الغارة المعقدة على بلدة بن قردان – وتعني الهجوم متعدد الجوانب على قوات الأمن التونسية – قد أثارت المخاوف من سعي المسلحين إلى تأمين الملاذ الآمن لهم داخل تونس، التي يجعل منها تاريخها العلماني وميولها الغربية هدفا مؤكدا لدى المتطرفين. يقول محمد المعالي، رئيس إدارة مكافحة الإرهاب التونسية: «بدا من الواضح الآن أن ليبيا باتت تشكل خطرا وتهديدا علينا. فمع الضغوط الشديدة التي يتعرض لها (داعش) في سوريا، فإن وجهتهم الجديدة هي ليبيا، حيث لا توجد، وللأسف الشديد، أية سلطة أو حكومة أو نظام. وبالتالي صارت ليبيا بالنسبة كمثل الجنة تماما».
* تعال وقاتل معنا
الشوارع التي تتخلل منازل بن قردان البسيطة هي شوارع غير معبدة. وهناك حقول بأكملها تستخدم كمستودعات للنفايات. ليست هناك مصانع، أو جامعات، أو أي مظهر من مظاهر التنمية الاقتصادية في المناطق السياحية الشمالية التونسية. وفي أي يوم من الأيام، يجلس العشرات من الشباب التونسي العاطل على المقاهي أو يتسكعون حول الشوارع. وترتبط سبل العيش للكثير من المواطنين هناك بعمليات الاتجار غير المشروعة في السلاح والوقود والسلع الاستهلاكية من وإلى ليبيا.
يقول سالم شوات (80 عاما)، وهو عمدة سابق: «لا يجد شباب بن قردان هناك داع للبقاء هنا بسبب شدة الفقر والتهميش. وفي نفس الوقت، يجتمعون مع عناصر التجنيد من (داعش) الذين يعدونهم بالكثير من الأموال، والسيارات، والحياة الرغدة الجميلة. فماذا تنتظر من الشباب أن يفعل؟ لا يكون أمامهم خيار سوى التهريب أو (داعش)». غادر المئات من الشباب بلدة بن قردان على مدى العقود الثلاثة الماضية للانضمام إلى الجهاد في العراق، وأفغانستان، والبوسنة، ولقد كان النظام القمعي السابق، الذي اضطهد الإسلاميين، أحد الأسباب المباشرة في تطرفهم.
كانت مهاراتهم القتالية ذات قيمة عالية بالنسبة لأبو مصعب الزرقاوي، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق، التنظيم السابق على تنظيم داعش الحالي، والمعروف عنه قوله الشهير: «لو أن بن قردان كانت إلى جوار الفلوجة لكنا استطعنا تحرير العراق». بعد ثورة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، استفاد المتطرفون من الحريات الجديدة والفراغ الأمني الكبير الذي ساعدهم في نشر الفكر المتطرف بين الكثير من الشبان. فلقد انضم أكثر من 4 آلاف شاب تونسي إلى «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، وكانوا يسافرون إلى هناك في أغلب الأحيان بعد تلقيهم التدريب العسكري والتلقين العقائدي اللازم في ليبيا، على حد وصف محققي الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ما يقرب من 1000 إلى 1500 مقاتل تونسي آخرين انضموا إلى الصراع الدائر في ليبيا. وكان أغلب المسلحين قادمين من بلدة بن قردان.
والآن، هناك دلائل تفيد بأن «داعش» يوجه أوامره للمسلحين بالذهاب إلى ليبيا والمكوث هناك، مما يؤكد على الوضع الجغرافي المتغير للتنظيم الإرهابي. فلقد أقام التنظيم الإرهابي معقلا جديدا له في مدينة سرت الليبية بعد مقتل الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011. ووفقا لمسؤولي الاستخبارات الأميركية، ظن المسلحون أن بن قردان يحتمل أن تكون بديلا عن مدينة الرقة السورية، والتي أعلنها التنظيم الإرهابي عاصمة لخلافته المزعومة، إذا ما سقطت إثر الضربات الجوية المستمرة من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) (تشرين أول)، أعلن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أن نحو 250 مقاتلا تونسيا من التابعين لـ«داعش» قد غادروا سوريا متجهين إلى ليبيا في أعقاب بدء الضربات الجوية الروسية هناك. وفي أحد مقاطع الفيديو بغرض التجنيد التي نشرت العام الماضي على شبكة الإنترنت، كان أحد قادة «داعش» يقف على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وكان في ليبيا على أغلب الظنون، وكان يحث المسلمين على النفير لقتال الجنرال خليفة حفتر، وهو القائد المعارض للإسلاميين في ليبيا، والذي تسيطر قواته على أجزاء ممتدة من شرق ليبيا.
وقال القائد الداعشي في خطابه المصور: «إلى جميع الإخوة في الخليج العربي، وفي مصر، وتونس، والسودان، على كل أولئك الغيورين على دينهم، تعالوا انضموا إلى إخوانكم وشاركونا جهادنا». وإن كان هناك دليل على استجابة المتطرفين التونسيين لتلك الدعوات، فهناك أدلة كثيرة في أعقاب الغارات الأميركية على معسكرات التدريب التابعة لـ«داعش» في مدينة صبراتة الليبية في 19 فبراير (شباط). كان أغلب الـ41 قتيلا من التونسيين. وربما كان من بينهم نور الدين شوشان، وهو من القادة البارزين الذي كان يشرف على تجنيد وتدريب المتطرفين التونسيين على شن الهجمات في داخل بلادهم، وفقا للمسؤولين في تونس وليبيا، وبعد أسبوعين تقريبا، اقتحم المسلحون التونسيون بلدة بن قردان.
* هجوم منسق للغاية
يتذكر حسين عبد الكبير المسلحين الملثمين الأربعة الذين دخلوا إلى فناء منزله في شاحنة صغيرة. كان الوقت يجاوز السادسة مساء بقليل. وكان شقيقه عبد العاطي، وهو رئيس لواء مكافحة الإرهاب في بن قردان، يستعد لمغادرة المنزل حينها. وأثناء تفرق الجميع، طارد المسلحون الأربعة عبد العاطي. وصرخ أحدهم بلهجة عربية تونسية خالصة «إنه المرتد عبد العاطي»، كما يقول شقيقه حسين. ثم ظهر مسلحان آخران غير ملثمين من المنزل المجاور وانطلقا من الاتجاه المعاكس. وحوصر عبد العاطي.
يتابع حسين، وهو الرجل عظيم العنق مع لمحة حزن عميقة، قوله: «كان المسلحون يعرفون المنطقة جيدا». وكانت قطرات الدماء لا تزال تلطخ الأرض حيث قتل شقيقه. وأضاف حسين قائلا: «لقد تعرفت على أحدهم. إنه من سكان البلدة هنا». وفي مكان آخر من البلدة، هاجم المسلحون مركز الشرطة، مما أثار اشتباكات عنيفة. وفتح بعضهم النار على الثكنات العسكرية من مئذنة المسجد المجاور، مما دفع بقوات الجيش إلى الرد بفتح نيرانها على المسجد تلك التي خلفت الكثير من الثقوب في الجدران. ثم اندلعت المعارك في الشوارع ضد قوات الأمن في مختلف أجزاء البلدة.
وفي إحدى المعارك، كان سالم ضاوي واقفا في متجره لبيع الهواتف المحمولة أثناء اقتراب أحد المسلحين من أحد المواقع القريبة منه، وقال المسلح له: «لا تقلق، نحن مقاتلو الدولة الإسلامية، لقد جئنا هنا لحمايتكم من المرتدين في الحكومة الكافرة». وقال شهود عيان إن خمسة من المسلحين أقاموا إحدى نقاط التفتيش في مواجهة أحد المقاهي في منتصف الطريق، وكأنهم صاروا أسياد البلدة بالفعل. وكانوا يحملون البنادق الهجومية وقاذفات الصواريخ. وكان بعض منهم يرتدون السترات العسكرية. ثم شرعوا في إيقاف السيارات ومراجعة هويات السائقين.
وعند نقطة واحدة، أخرجوا مسؤولا في الجمارك من سيارته وأطلقوا عليه الرصاص فأردوه قتيلا، كما يقول محمد علي، وهو أحد أصحاب المقهى المذكور. وبعد مقتل المسؤول الجمركي، صرخ أحد المسلحين بلهجة تونسية واضحة قائلا: «غدا سوف نحكمكم جميعا». وفي الوقت الذي توقفت فيه الاشتباكات، كان عدد القتلى من المتطرفين قد بلغ 52 قتيلا في مقابل 12 من قوات الأمن إلى جانب 8 من المدنيين، على حد وصف نقي المسؤول الكبير في الشرطة، الذي أضاف أن كل المسلحين المقتولين كانوا من التونسيين، بما في ذلك ثلاثة من القادة الذين كانوا من بلدة بن قردان.
هل كان ذلك الهجوم بمثابة بالون اختبار لقدرات قوات الأمن التونسية؟ أم كانت عملية انتقامية للغارات الأميركية على مواقع التنظيم؟ هل كان محاولة لتأمين موطئ قدم للمتطرفين في تونس في الوقت الذي تخطط الولايات المتحدة وحلفاؤها للتدخل العسكري في ليبيا؟ قد تكون العملية الإرهابية على بن قردان لأجل ذلك كله، كما يقول المسؤولون الأمنيون التونسيون. وعلى الرغم من صد هجوم المتطرفين إلا أن شعورا عاما بعدم الارتياح بدأ يسري في ربوع البلاد. هناك حاجز أمني مقام من السواتر الرملية والخنادق المائة، ويغطي ما يقرب من نصف الشريط الحدودي التونسي مع ليبيا والبالغ طوله 285 ميل، والذي استكمل معظمه في فبراير الماضي. وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من المتطرفين، إن لم يكن كلهم، لا يزالون يعبرون الحدود للدخول إلى ليبيا. وقبل خمسة أيام من وقوع الهجوم، تمكنت قوات الأمن التونسية من قتل الكثير من المتطرفين المسلحين في أحد المنازل بالقرب من بلدة بن قردان. ومع ذلك تمكن المتطرفون من إعادة تنظيم أنفسهم ليشنوا الهجوم الجريء المنسق للغاية.
قالت قوات الأمن التونسية إنهم عثروا في وقت لاحق على منازل آمنة في بن قردان كانت تستخدم في تخزين الأسلحة المهربة من ليبيا، وهو من الأدلة الثابتة على تورط عصابات التهريب المحلية مع التنظيم الإرهابي في مجالات التمويل وتأجيج حدة الصراع. يتشبه في أن بعضا من أقارب الضابط المقتول عبد العاطي هم من الموالين للتنظيم الإرهابي، والذين تم تجنيدهم للاقتراب كثيرا من الرجل الذي يعرف الكثير عن شبكة المتطرفين في البلدة. وكان المنزل الذي خرج منه المسلحون يعود إلى أحد أبناء العمومة الذي كان أشقاء زوجته قد حاربوا من قبل في سوريا، كما أفاد المسؤولون الأمنيون التونسيون. يقول محمد عبد الكبير والد عبد العاطي أثناء احتضانه لحفيده اليتيم مهاب: «استهدفوه لأنه كان يعرف كل الأشخاص في بن قردان من المتعاطفين مع (داعش). كان يعرف الجميع هنا ممن ذهبوا إلى ليبيا للتدريب على القتال».
* الديمقراطية -في مراحلها المبكرة
ألقي القبض، منذ الهجوم الإرهابي، على العشرات من المشتبه فيهم وسط مخاوف حول وجود المزيد من الخلايا الإرهابية النائمة في بن قردان. وأغلقت السلطات المحلية ثلاثة من المساجد المعروفة بنشر الأفكار المتطرفة. كما أغلقت الحدود ما بين تونس وليبيا في وجه الشباب التونسي ممن هم دون سن 35 عاما – ما لم يكن هناك خطاب مكتوب من أولياء الأمور يفيد بالغرض من السفر إلى ليبيا. وتراقب قوات الأمن عن كثب جميع أقارب المقاتلين المحتملين. أحد أقارب حمزة جاري هو من بين الخاضعين لمراقبة قوات الأمن التونسية. ففي العام الماضي، أعلنت السلطات التونسية أن جاري، وهو أحد مواطني بلدة بن قردان، بأنه أحد أخطر الإرهابيين المطلوبين في البلاد. ولقد ألقي القبض عليه في صبراتة بواسطة الميليشيات الليبية في أعقاب الغارات الأميركية في فبراير الماضي. وفي أحد مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت الشهر الماضي، اعترف جاري بالعمل في إحدى المحطات الإذاعية الدعائية التابعة للتنظيم الإرهابي.
وقال نسيبه من بن قردان إنه اعتقل وخضع للاستجواب في السجن. وكانت قوات الأمن تنفذ المداهمات الروتينية على منزله في الساعات الأولى من الفجر. وهو غير مسموح له بالسفر إلى الخارج، كما أن نقاط التفتيش توقفه كلما حاول مغادرة البلدة. ولقد حالت وضعيته الأمنية مرارا دون تمكنه من العثور على عمل. يقول نسيب جاري، والذي تحدث مفضلا عدم الكشف عن هويته خشية انتقام أجهزة الأمن: «إنني أدفع ثمن جريمة لم أرتكبها. إن ذلك العدوان من جانب الحكومة هو ما يسبب خيبة أمل الناس في الحكومة. ذلك هو ما يجعل منهم إرهابيين».
يقول المسؤولون الأمنيون التونسيون الكبار إن مثل تلك التكتيكات ضرورية ولازمة. كما أنهم يقولون إن المخاوف بشأن حقوق الإنسان تعيق قدرة أجهزة الأمن على وقف الإرهابيين.
ويقول السيد المعالي رئيس وحدة مكافحة الإرهاب: «ما زلنا في المراحل الأولى من الديمقراطية. ولكن، وبصفة شخصية، فإنني لا أتفهم أبدا معنى حقوق الإنسان للإرهابيين! إنهم يريدون قتلنا جميعا». حذر سالم شوات، العمدة السابق لبلدة بن قردان، وهو يحتسي القهوة في المقهى المكتظ بالرواد، من أن التدابير الأمنية من غير المرجح أن تنجح في وقف تدفق شباب بن قردان من السفر إلى ليبيا، أو القتال من داخل تونس – طالما ظل الجنوب التونسي من دون مدارس، أو طرق، أو فرص عمل. وأضاف العمدة السابق قائلا: «إذا استمر الوضع على منواله الحالي، فقد نفقد السيطرة تماما على الشباب. ونخشى أن يجعلهم الوضع الحالي أكثر سخطًا على الحكومة. كما نخشى أن يدفعهم الأمر إلى ارتكاب كل التصرفات السيئة التي نكرهها».
* خدمة «واشنطن بوست»



محافظ حضرموت لـ«الشرق الأوسط»: الإمارات بدأت الانسحاب والباب ما زال مفتوحاً لـ«الانتقالي»

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
TT

محافظ حضرموت لـ«الشرق الأوسط»: الإمارات بدأت الانسحاب والباب ما زال مفتوحاً لـ«الانتقالي»

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)

دعا محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، جميع أبناء المحافظة المنخرطين مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات الدعم الأمني، إلى العودة صوب منازلهم، أو الالتحاق بإخوتهم في «درع الوطن»، متعهداً باستيعابهم واستقبالهم وترتيب أوضاعهم.

وكشف الخنبشي -في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»- أن القوات التابعة للإمارات بدأت فعلياً الانسحاب من جميع المواقع التي كانت تتمركز فيها، سواء في حضرموت أو شبوة.

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)

وأوضح أن صفارات الإنذار دوَّت، مساء الثلاثاء، بمطار الريان، تمهيداً لسحب القوات الإماراتية الموجودة هناك، لافتاً إلى أن قوات أخرى انسحبت أيضاً من بلحاف في شبوة.

وأوضح المحافظ أن للإمارات وجوداً محدوداً في منطقتي الربوة والضبة بحضرموت بأعداد قليلة، ويقتصر على خبراء وقادة يتولون الإشراف على قوات الدعم الأمني التابعة للمجلس الانتقالي.

وأفادت مصادر متطابقة بأن القوات الإماراتية في محافظة شبوة، وتحديداً في معسكر مُرَّة، بدأت يوم الثلاثاء فعلياً تفكيك أجهزة الاتصالات، في إطار استعدادها لمغادرة البلاد، بناءً على طلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي.

وشدَّد محافظ حضرموت على أن الحلَّ الوحيد لإنهاء الأزمة الحالية يتمثَّل في انسحاب جميع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتي حضرموت والمهرة، بشكلٍ سلمي. وقال إن «الباب ما زال مفتوحاً، ونتمنى أن يستغل الإخوة في (الانتقالي) هذه الفرصة، لتجنيب أنفسهم وحضرموت وكل البلاد أي اقتتال أو مواجهة عسكرية، وأن يعودوا من حيث أتوا، بعدها يمكن الدخول في حوار سياسي حول أي تشكيل مستقبلي، ولكن من دون فرض أمر واقع بالقوة».

ولفت الخنبشي إلى جهوزية قوات «درع الوطن» التي يشرف عليها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، واستعدادها للانتشار في حضرموت والمهرة، وفقاً لإعلان حالة الطوارئ الذي أصدره الرئيس العليمي.

وأضاف أن هناك أيضاً قوات من أبناء حضرموت تُقدَّر بنحو 3 آلاف عنصر، كانوا يخدمون في المنطقة العسكرية الأولى، وهم جاهزون لمساندة إخوانهم في «درع الوطن».

وأوضح محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، أن مستوى التنسيق مع السعودية في أعلى مستوياته. وأضاف أن المملكة «تنظر إلى حضرموت والمهرة بوصفهما عمقها الأمني الاستراتيجي؛ إذ تجمعنا حدود تتجاوز 700 كيلومتر، ومن هنا فإن أمن واستقرار حضرموت والمهرة يُعدَّان جزءاً من الأمن الاستراتيجي للمملكة»؛ مشيراً إلى أنهما «يمثلان أيضاً عمقاً بشرياً وتاريخياً وإنسانياً، وتجمعنا أواصر القربى والأخوة»، مؤكداً الحرص على «ألا تتحول حضرموت والمهرة إلى بؤرة خطر تهدد أمن المملكة».

ووفقاً للخنبشي، فإن القرارات التي أصدرها الرئيس رشاد العليمي ومجلس الدفاع الوطني جاءت في توقيتٍ مناسب، بهدف تفويت الفرصة على كل من سعى إلى استغلال الوضع، على حدِّ تعبيره.


مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.