«حزب الله» يسوّق «رواية غير مقنعة» لمقتل بدر الدين تعزز فرضية «التصفية الداخلية»

المعارضة السورية تتحدث عن صراع كبير بين الجناحين الإيراني والروسي

مؤيدون لحزب الله اللبناني يحملون جثمان مصطفى بدر الدين في بيروت أول من أمس (أ.ف.ب)
مؤيدون لحزب الله اللبناني يحملون جثمان مصطفى بدر الدين في بيروت أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يسوّق «رواية غير مقنعة» لمقتل بدر الدين تعزز فرضية «التصفية الداخلية»

مؤيدون لحزب الله اللبناني يحملون جثمان مصطفى بدر الدين في بيروت أول من أمس (أ.ف.ب)
مؤيدون لحزب الله اللبناني يحملون جثمان مصطفى بدر الدين في بيروت أول من أمس (أ.ف.ب)

قرر ما يسمى «حزب الله» تحميل «الجماعات التكفيرية» مسؤولية اغتيال القائد العسكري والأمني البارز في الحزب مصطفى بدر الدين في العاصمة السورية دمشق؛ إذ أعلن عن قصف مدفعي طال أحد مراكز وجوده بالقرب من مطار دمشق الدولي. غير أن معظم فصائل المعارضة المتمركزة في المنطقة المحيطة والبعيدة عن المطار نفت مسؤوليتها، كما نفت تسجيل أي من المراكز السورية المعنية بعمليات التوثيق أي غارة أو قذيفة استهدفت المطار ومحيطه ليل (الخميس – الجمعة)، وهو ما فتح واسعا باب التساؤلات حول الطرف الحقيقي الذي اغتال بدر الدين في ظل تقاطع معلومات عن «صراع كبير» بين جناحين، الأول روسي، والآخر إيراني داخل دمشق، قد يكون القيادي في الحزب أحد ضحاياه.
و«المرصد السوري لحقوق الإنسان» نقل عما قال: إنها «مصادر موثوقة» في الفصائل المعارضة والإسلامية العاملة في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية، ومصادر داخل قوات النظام، تأكيدها أنه لم يجر إطلاق أي قذيفة صاروخية على مطار دمشق الدولي أو منطقة المطار خلال الأيام الماضية. كذلك لم يرصد نشطاء «المرصد» في المنطقة سقوط أي قذيفة على منطقة مطار دمشق الدولي خلال الفترة ذاتها، وعدّوا أن كل ما نشره ما يسمى «حزب الله» حول رواية مقتل بدر الدين بقذيفة أطلقتها الفصائل على منطقة وجوده في منطقة مطار دمشق الدولي «عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلا»، داعيا الحزب لـ«إظهار الرواية الحقيقة حول مقتل قائده العسكري المسؤول عن قواته في سوريا».
ويعزّز التناقض في الروايات التي ساقها الحزب ومقربون منه في الساعات القليلة التي تلت الإعلان عن اغتيال بدر الدين، فرضية مقتله نتيجة عملية «تصفية داخلية» تعكس حجم الصراع المحتدم بين الجناحين الإيراني والروسي في دمشق. فبينما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) عن مصدر أمني سوري قوله إن «الانفجار الذي أدى لمقتل بدر الدين وقع ليل (الخميس – الجمعة) في مستودع قرب مطار دمشق الدولي»، لافتا إلى أن «أحدا لم يسمع ضجيج طائرة قبل الانفجار، كما أن أحدا لم يعرف أن بدر الدين كان موجودا في هذا المكان»، اكتفى ما يسمى «حزب الله» في بيان أصدره صباح السبت بالقول: إن «التحقيقات الجارية لدينا أثبتت أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي والذي أدى إلى استشهاد مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة». وللعلم، فإن الحزب كان قد تحدث في بيان أصدره الجمعة عن «انفجار كبير» استهدف أحد مراكزه بالقرب من مطار دمشق الدولي؛ ما أدى إلى مقتل بدر الدين (ذو الفقار) وإصابة آخرين بجراح. وتابع البيان: إن «التحقيق سيعمل على تحديد طبيعة الانفجار وأسبابه، وهل هو ناتج من قصف جوي أم صاروخي أم مدفعي».
وكانت قناة «الميادين» اللبنانية المقربة من الحزب قد ادعت في وقت سابق أن بدر الدين، البالغ من العمر 55 سنة، مات في غارة جوية إسرائيلية. وبدا لافتا ما أعلنه الصحافي في صحيفة «‏لو فيغارو» الفرنسية جورج مالبرونو عن أن ما يسمى «‏حزب الله»‬ طلب من الصحافيين عدم إقحام إسرائيل في عملية اغتيال. أما صحيفة «الأخبار»، وهي أيضا مقربة من الحزب، فنشرت في عددها الصادر السبت تقريرا تحدثت فيه عن أن مصطفى بدر الدين قتل بصاروخ موجه شديد التطور، وأن هذا الصاروخ يعمل «وفق آلية تجعل منه أقرب إلى القنبلة الفراغية». واستندت الصحيفة في تقريرها إلى أن بدر الدين لم تبد عليه إصابات تنتج من انفجار، بل مجرد نزف في الأنف والعينين، كما ذكرت.
في المقابل، يستغرب العميد أحمد رحال، قائد المجلس العسكري السوري المعارض في الساحل، «التخبط» في الروايات، علما بأنه «وفي مبادئ العلم العسكري، فإن القصف المدفعي يختلف تماما عن القصف الجوي أو الصاروخي. وبالتالي، لن يصعب تحديد ما إذا كان الانفجار تم من الأسفل إلى الأعلى أو العكس». وعدّ أن «إلصاق التهمة بالثوار أمر غير منطقي باعتبار أن أقرب منطقة تواجد لهم تقع في منطقة دير العصافير في الغوطة الشرقية التي تبعد 12 كلم عن مطار دمشق».
ورجح رحال في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن يكون بدر الدين «ذهب ضحية صراع داخلي قديم ومخفي بدأ يطفو أخيرا إلى العلن»، لافتا إلى «وجود تيارين رئيسيين في دمشق، الأول يتبع لإيران والآخر لروسيا، ولقد وصل الصراع بينهما إلى مرحلة متقدمة». وأضاف: «وصلتنا معلومات أن وفد معارضة حميميم الذي يتبع لعلي مملوك المحسوب على الروسي، أحيلت مرجعيته للواء محلّى، رئيس جهاز الأمن العسكري المحسوب على الإيرانيين؛ ما يعكس بوضوح حجم الانقسام الحاصل بين الأجهزة الأمنية السورية». وهذا ما أشار إليه أيضا رامي الدالاتي، رئيس المكتب السياسي في «جيش التوحيد» الذي رجح أيضا فرضية «التصفية الداخلية». فقد قال الدالاتي لـ«الشرق الأوسط» شارحا «لدينا معلومات مهمة وأكيدة حول انقسام واضح بين الأجهزة الأمنية السورية؛ إذ إن المخابرات الجوية والأمن العسكري باتوا ينصاعون للأوامر الإيرانية، فيما ينصاع أمن الدولة والأمن السياسي للأوامر الروسية المباشرة»، وعدّ أن هذه المعطيات «تعزز سيناريو انطلاق عمليات التصفيات الداخلية».
ويذهب العميد رحّال باتجاه إقحام التفاهم الروسي - الإسرائيلي بعملية اغتيال بدر الدين، مستغربا «سقوط أعداء إسرائيل بعمليات سريعة وخاطفة منذ دخول موسكو على خط الحرب السورية، وأبرزهم سمير القنطار الذي قضى بغارة إسرائيلية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قرب دمشق، أضف إلى ذلك النيران الصديقة الروسية التي تطال باستمرار مواقع إيرانية ولما يسمى (حزب الله)». ولقد كتب أخيرا أحد الصحافيين المقربين مما يسمى (حزب الله)، والنظام السوري على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعية ما يلي «أن يتغاضى الطيران الروسي عن دعم القوات المقاتلة في الميدان في معركة خان طومان قد يكون مفهوما إذا لم يكن لديهم ما يكفي من وقود، لكن أن يضرب نقاط هذه القوات أثناء التقدم باتجاه مخيم حندرات فهذا ما لا نفهمه!».
وأخيرا، يرجح محللون أن يكون لمقتل بدر الدين تداعيات محدودة على قدرات ما يسمى «حزب الله». وفي هذا الإطار، تقول الباحثة الأولى في مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط» مهى يحيى: «رغم أنه المسؤول الأرفع عن العمليات السرية والموكل بوضع الخطط الميدانية، أشك في أن يترك مقتله أثرا على عمليات الحزب في سوريا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.