مصادر برلمانية وعسكرية عراقية: بغداد تحت قبضة ميليشيات شيعية

تسيطر على مداخل العاصمة ونقاط التفتيش.. وتحذيرات من الانفلات بسبب الخلافات بينها

لافتات لأحزاب وميليشيات شيعية في منطقة الكرادة وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
لافتات لأحزاب وميليشيات شيعية في منطقة الكرادة وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

مصادر برلمانية وعسكرية عراقية: بغداد تحت قبضة ميليشيات شيعية

لافتات لأحزاب وميليشيات شيعية في منطقة الكرادة وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
لافتات لأحزاب وميليشيات شيعية في منطقة الكرادة وسط بغداد («الشرق الأوسط»)

قالت مصادر برلمانية وعسكرية عراقية بأن العاصمة بغداد باتت تحت قبضة الميليشيات الشيعية المسلحة، التي تتبع غالبيتها لإيران ومدعومة من الحرس الثوري الإيراني، محذرة من أن «تصل الأمور إلى حد الانفلات بحيث لا تستطيع الأجهزة الأمنية أو القوات المسلحة من السيطرة على الأمور». وأكدت المصادر أن «مناطق بغداد المهمة تم تقسيمها بين تلك الميليشيات المتعددة الأسماء والولاءات للأحزاب والقوى السياسية.
وقال برلماني عراقي ينتمي للتحالف الوطني، وهو أكبر تكتل شيعي في مجلس النواب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «العراقيين في العاصمة باتوا قلقين للغاية على أرواحهم بسبب تصاعد حدة الخلافات بين الأطراف السياسية الشيعية والتي تنعكس على الشارع البغدادي كخلافات بين الميليشيات المسلحة التابعة لهذه الأحزاب مثلما حصل قبل أسبوع عندما كاد القتال ينشب بين سرايا الخراساني التي يتزعمها علي الياسري والتابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني، وسرايا السلام التي يتزعمها مقتدى الصدر لخلافهم على نفوذ المنطقة الخضراء».
وأضاف البرلماني العراقي الذي فضل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، قائلا: إن «المنتصر الأول في هذه الصراعات إيران»، مشيرا إلى أن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني هو من يتحكم فعليا في الشؤون الأمنية ببغداد وليست الأجهزة الأمنية العراقية. وأوضح المسؤول الحزبي «حتى نقاط التفتيش التابعة للأجهزة الأمنية العراقية تخشى الميليشيات المسلحة كون أن أفراد هذه النقاط ليس هناك من يدعمهم في حالة حصول أي مواجهة مسلحة مع عناصر الميليشيات»، موضحا أن أخطر الميليشيات المسلحة هي سرايا الخراساني وكتائب ما يسمى «حزب الله» العراقي وعصائب أهل الحق، وكل هذه الميليشيات تابعة مباشرة لإيران وتأتمر بأوامر سليماني.
وتساءل البرلماني العراقي «إذا كنت أنا عضو مجلس النواب وعندي حمايات وأسكن في المنطقة الخضراء وأخشى على حياتي فماذا يفعل المواطن العادي الذي لا يحظى بأية حماية». وقال: «بالأمس حصلت انفجارات في مدينة الصدر وراح ضحيتها أكثر من مائة مواطن بريء تبادل كل من حاكم الزاملي، القيادي في التيار الصدري ورئيس اللجنة الأمنية في البرلمان العراقي، ومحمد الغبان وزير الداخلية العراقي والتابع لمنظمة بدر بزعامة هادي العامري، الاتهامات، ووصف الأول بأن وزير الداخلية حريص على أمن كرسيه وليس على أمن المواطن، وهذه الاتهامات تعكس شدة الخلافات بين الكتل الشيعية والتي وصلت حد الصراع بين برلماني ووزير من ذات الائتلاف البرلماني».
وأيد مصدر عسكري عراقي أيضا هذا السياق مشيرا إلى أن «الصراعات اليوم في العراق.. هي صراع على السطوة، ومن يملك أكثر». وقال: إن «الأطراف الشيعية التي تنادي بالحفاظ على وحدة البيت الشيعي، وهذا ما نسمعه من إيران أيضا، ليس همها وحدة البيت العراقي وحياة العراقيين»، مشيرا إلى أن «الأحزاب الشيعية وخاصة المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، وحزب الدعوة بزعامة نوري المالكي (حيدر العبادي رئيس الوزراء أحد قيادييه)، وميليشيا سرايا الخراساني، قلقون جدا من نفوذ الصدر وتياره خاصة بعد أن برهن أنصاره سيطرتهم على الشارع العراقي وخروجهم بمظاهرات حاشدة في بغداد وبقية محافظات العراق». وقال المصدر بأن نتيجة هذه الخلافات خرجت مظاهرات في المحافظات الجنوبية، وهاجمت مقرات الحكيم والمالكي وحطم المحتجون (من أنصار الصدر)، صورهما. وقال: «المعركة اليوم هي بين الميليشيات الشيعية لإثبات وجودها ونفوذها والضحية هو الشعب العراقي».
من جانبه أشار مصدر سياسي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إيران لم ولن تقف متفرجة على ما يحدث خاصة أنها تشعر بأن نفوذها سوف يضعف في العراق إذا تقاتلت الأحزاب الشيعية، فيما بينها لهذا دعت وعلى وجه السرعة مقتدى الصدر لزيارتها، قبل أيام، بعد أن اعتبر متمردا على موقف طهران»، مشيرا إلى أن «العلاقة بين إيران والصدر وتياره وجيشه (جيش المهدي) أخذت ألوانا عدة وأشكالا مختلفة حيث لم تستقر باتجاه ثابت»، منبها إلى أن «هذه العلاقة ثبتت باتجاهين، الأول أن الصدر يستمد قوته من شارع عراقي ورثه عن أبيه (المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر)، وأن أنصاره ذوو مواصفات اجتماعية وتعليمية وثقافية محدودة، الأمر الذي ساعده لأن يكون ندا قويا وعنيدا لمنافسيه من القادة الشيعة العراقيين، وهو الأمر الذي كان سببا مستمرا في خلافه التقليدي مع الطرف الإيراني الذي دأب على أن لا يعطي للصدر الموقع الأول في أي تحالف أو تشكيلة سياسية للأطراف الشيعية في العراق». وقال المصدر «أما الاتجاه الثاني فهو أن طهران لا تريد أن تفرط بمقتدى الصدر وتياره ويبذلون جهدهم لعدم إضاعته من أيديهم بل ويفرضون على الأطراف الشيعية العراقية مهمة احتوائه بدلا من عزله وإضعافه وإنهاء دوره». وحول زيارة الصدر لإيران مؤخرا، قال السياسي العراقي «الأمر لن يخرج عن إطار توجيه عتاب شديد اللهجة لتصرفاته وتياره الأخيرة، وفي ذات الوقت يطمئنونه بعدم التخلي عنه وقد يرسمون له دورا جديدا في العراق»، مشيرا إلى أن «المسؤولين الإيرانيين يقدمون للصدر الجزرة بيد ويلوحون له بالعصا باليد الأخرى».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.