الفساد يكلف العالم 19 ضعف الإنفاق على المساعدات الإنمائية

صندوق النقد الدولي: الدول تدفع رشاوى تقدر بتريليوني دولار سنويًا

جانب من قمة مكافحة الفساد في العاصمة البريطانية لندن (أ.ب)
جانب من قمة مكافحة الفساد في العاصمة البريطانية لندن (أ.ب)
TT

الفساد يكلف العالم 19 ضعف الإنفاق على المساعدات الإنمائية

جانب من قمة مكافحة الفساد في العاصمة البريطانية لندن (أ.ب)
جانب من قمة مكافحة الفساد في العاصمة البريطانية لندن (أ.ب)

ليس كل ما يرهق الاقتصاد العالمي هو تباطؤ النمو وتراجع النشاط الصناعي في البلدان الكبرى كالصين واليابان وغيرها، بل يأتي الفساد الذي يكلف الدول مليارات الدولارات ليمثل تحديا رئيسيا يجلب معه عددا من العوائق، ليس فقط على المستوى الاقتصادي؛ بل على المستوى الاجتماعي والسياسي أيضًا.
وقال صندوق النقد الدولي، نهاية الأسبوع الماضي، إن الفساد في القطاع العام يمتص نحو 1.5 إلى 2 تريليون دولار سنويًا، بما يمثل 2 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، والذي يتمثل معظمه في صورة رشاوى، فضلاً عن أنه يقلل من فرص النمو الاقتصادي في الدول التي تعاني من انكماش، ذلك في ظل فقد عائدات الضرائب واستمرار الفقر مما يُعيق تحقيق زيادة في معدلات النمو.
وتقدر منظمة الشفافية الدولية أنه في البلدان النامية وحدها، يتلقى المسؤولون الفاسدون رشاوى كل عام تصل إلى 40 مليار دولار، ونحو 40 في المائة من رجال الأعمال يدفعون الرشاوى عند التعامل مع مؤسسة عامة. وبعض التقديرات تضع التكلفة الإجمالية للفساد أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام؛ وذلك الرقم يصل إلى 2.6 تريليون دولار، أو أكبر بنحو 19 مرة، نحو 138.8 مليار دولار تم إنفاقها على المساعدة الإنمائية الرسمية على الصعيد العالمي في عام 2013.
وتنضم كندا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا و3 دول أخرى لإنشاء مركز تنسيق مكافحة الفساد الدولية للقضاء على الفساد العالمي واسترداد الأصول المنهوبة. ومقره المتوقع في لندن، سوف يعمل مع الإنتربول ووكالات إنفاذ القانون من جميع أنحاء العالم. ووفقًا لتصريح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون - يوم الخميس الماضي - سوف يوفر المركز التنسيق الدولي والدعم لمساعدة وكالات إنفاذ القانون والمدعين عبر الحدود، للتحقيق ومعاقبة النخب الفاسدة واسترداد الأصول المسروقة.
وجاء هذا التصريح في بداية قمة مكافحة الفساد في لندن، التي انعقدت الأسبوع الماضي، وحضرها نحو 10 رؤساء ورؤساء وزراء من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الرئيس النيجيري محمد بخاري، والرئيس الأفغاني أشرف غاني، وهما دولتان وصفهما كاميرون بأنهما أصحاب «حجم فساد خيالي».
وأضافت الحكومة البريطانية أن فرنسا وهولندا ونيجيريا وأفغانستان، ستتبع قيادة بريطانيا بالتعهد بوضع سجلاتها العامة، الخاصة بها حول المستفيدين الفعليين من شركات الأوفشور (التجارة عبر البحار). وصدر مرسوم في فرنسا الأسبوع الماضي، يفرض إقامة مثل هذا السجل. وقال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان إنه يفترض أن يضم «16 ألف كيان موجود اليوم في فرنسا، ولا يُعرف مالكوها أو المستفيدون منها». وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان»، الأربعاء الماضي، قال سابان إنه يشعر بأن بريطانيا «تريد جديًا إنهاء بعض الممارسات».
وقال صندوق النقد الدولي في ورقة بحثية جديدة إن التصدي للفساد أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار في الاقتصاد الكلي، وأشار الصندوق إلى أن الفساد يتطلب الشفافية وإطارا قانونيا واضحا، وممارسة حقيقية للملاحقة القضائية، ومحركا قويا لتحرير الاقتصادات.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد: «في حين أن التكاليف الاقتصادية المباشرة للفساد معروفة، فالتكاليف غير المباشرة قد تكون أكثر جوهرية ومنهكة، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو وزيادة عدم المساواة في الدخل». وأضافت لاغارد أن الفساد له تأثير أوسع على المجتمع، ويقوض الثقة في الحكومة، ويؤدي إلى تآكل المعايير الأخلاقية بين المواطنين العاديين.
ويُعرف الفساد العام، بأنه إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، ويصيب الاقتصادات في جميع مراحل التنمية. وتواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم التحدي المتمثل في مواجهة تزايد هموم المواطنين من الفساد، كما يتضح من الفضائح الأخيرة في كثير من البلدان، والتي أظهرتها وثائق بنما.
والتكاليف غير المباشرة للفساد هي أعلى بكثير، فهي تحد من الإيرادات الحكومية من خلال تشجيع التهرب الضريبي، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الأموال المخصصة للاستثمارات العامة في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم. وفي حين يرى البعض أن «الرشاوى تُشحم عجلات التجارة»، قال صندوق النقد الدولي إن الفساد في كثير من الأحيان يدفع الاستثمار بعيدا عن البلدان التي ينتشر بها الفساد، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاعتماد على القروض لتوفير السيولة اللازمة للاستثمارات الأساسية في البلاد، وهو ما يزيد من مديونية الدول. كذلك يعيق الفساد ضبط الميزانية وسير النقدية ويضعف الرقابة المالية، ويضر في نهاية المطاف النمو الشامل.
وتقول الدراسة الصادرة عن الصندوق، إن الفساد يؤثر على التنمية الاقتصادية بعدة طرق؛ أولها أنه يضعف قدرة الدولة على زيادة الإيرادات وأداء وظائفها الأساسية، وذلك لأن الفساد يزيد من التهرب الضريبي. والطريقة الثانية تكون من خلال تضخيم التكاليف في عملية المشتريات العامة، حيث إن الفساد يقوض كمية ونوعية الإنفاق العام، ويمكن أيضا أن يتم تحويل الأموال من خلال المعاملات خارج الميزانية.
ويقول الصندوق إن الفساد يؤثر في النمو الاقتصادي أيضًا عن طريق انخفاض الإيرادات العامة، حيث تميل البلدان إلى الاعتماد بصورة أكبر على تمويل البنوك المركزية للدولة، مما يخلق مزيدا من التضخم في البلاد. في نفس الوقت، يضعف الفساد استقرار النظام المالي الذي ينشأ عن ضعف الإقراض والممارسات التنظيمية وضعف الرقابة المصرفية، كما يمكن أن يرفع الفساد تكلفة الوصول إلى الأسواق المالية.
كذلك ترتفع التكاليف الاجتماعية والبيئية للفساد، حيث تتراجع النفقات المخصصة للرعاية الصحية وغيرها من الأمور التي تثير القلق والاضطرابات بين المواطنين. وفي نفس الوقت يزيد الفساد من سوء اللوائح البيئية، مما يؤدي إلى مزيد من التلوث، ويمكن أن يؤدي الفساد إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ووضع الصندوق عددا من استراتيجيات مكافحة الفساد، أهمها تعزيز الشفافية؛ حيث أصبحت البلدان أكثر حاجة لاعتماد المعايير الدولية في الشفافية الضريبية والمالية. ويتعين على الحكومات أيضا دعم المعايير الدولية بشأن ملكية الشركات. ووضع الصندوق تعزيز سيادة القانون بوصفها استراتيجية ثانية، من خلال تعزيز الملاحقات القضائية للمخالفات والرشاوى. وفي بعض الحالات، يجب تعيين مؤسسات متخصصة جديدة بدلا من المؤسسات الفاسدة القائمة.



لاغارد: التضخم في تطور إيجابي... وتوقعات بتحقيق هدف 2 % في المستقبل القريب

رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام عقب اجتماع مجلس الإدارة الشهري للسياسة النقدية في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام عقب اجتماع مجلس الإدارة الشهري للسياسة النقدية في فرنكفورت (رويترز)
TT

لاغارد: التضخم في تطور إيجابي... وتوقعات بتحقيق هدف 2 % في المستقبل القريب

رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام عقب اجتماع مجلس الإدارة الشهري للسياسة النقدية في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام عقب اجتماع مجلس الإدارة الشهري للسياسة النقدية في فرنكفورت (رويترز)

أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، بعد اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي أن قرار خفض الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس يستند إلى تقييم البنك المحدث لآفاق التضخم، وديناميكيات التضخم الأساسي، وقوة انتقال السياسة النقدية.

وأشارت إلى أن عملية خفض التضخم تسير بشكل جيد. فقد استمر التضخم في التطور كما كان متوقعاً من قِبَل الموظفين، وتتوافق أحدث التوقعات بشكل وثيق مع التوقعات السابقة للتضخم. ويتوقع الموظفون الآن أن يبلغ متوسط ​​التضخم الرئيسي 2.3 في المائة في عام 2025، و1.9 في المائة في عام 2026، و2 في المائة في عام 2027.

ويعكس التعديل التصاعدي لتوقعات التضخم الرئيسي لعام 2025 زيادة في ديناميكيات أسعار الطاقة. أما بالنسبة للتضخم، باستثناء الطاقة والغذاء، فيتوقع الموظفون أن يبلغ المتوسط 2.2 في المائة في عام 2025، و2 في المائة في عام 2026، و1.9 في المائة في عام 2027.

وأضافت: «تُشير معظم مقاييس التضخم الأساسي إلى أنه سوف يستقر عند هدفنا المحدد بنسبة 2 في المائة على المدى المتوسط. ولا يزال التضخم المحلي مرتفعاً، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الأجور والأسعار في بعض القطاعات لا تزال تتكيف مع الارتفاع السابق في التضخم، ما يحدث تأخيراً كبيراً، لكن نمو الأجور يتباطأ كما هو متوقع، وتسهم الأرباح جزئياً في التخفيف من تأثير التضخم».

ووفق كريستين لاغارد: «تواصل سياستنا النقدية أن تصبح أقل تقييداً بشكل ملحوظ؛ حيث إن تخفيضات أسعار الفائدة تجعل الاقتراض الجديد أقل تكلفة بالنسبة للشركات والأسر، ويزداد نمو القروض. في الوقت نفسه، فإن أحد المعوقات أمام تخفيف ظروف التمويل يأتي من التأثيرات المستمرة لزيادة أسعار الفائدة السابقة على مخزون الائتمان؛ حيث يبقى الإقراض ضعيفاً بشكل عام».

وأضافت: «يواجه الاقتصاد تحديات مستمرة، وقد خفَّض الموظفون من جديد توقعاتهم للنمو إلى 0.9 في المائة لعام 2025، و1.2 في المائة لعام 2026، و1.3 في المائة لعام 2027».

وتابعت: «من المرجح أن تكون منطقة اليورو قد نمت بشكل معتدل في الربع الرابع من 2024. واستمرت الأنماط في 2025 مشابهة للعام الماضي، مع تحديات في قطاع التصنيع وعدم اليقين الذي يعوق الاستثمار والصادرات. في حين يظل قطاع الخدمات مرناً، ويُعزز ارتفاع دخل الأسر وسوق العمل قوية الاستهلاك، رغم ضعف ثقة المستهلك وارتفاع معدلات الادخار».

وقالت كريستين لاغارد: «استمر معدل البطالة عند أدنى مستوى تاريخي له عند 6.2 في المائة في يناير (كانون الثاني)، ومن المتوقع أن يكون قد نما التوظيف بنسبة 0.1 في المائة في الربع الأخير من عام 2024. ومع ذلك، فقد تراجع الطلب على العمل، وتُشير بيانات الاستطلاع الأخيرة إلى أن نمو التوظيف كان ضعيفاً في أول شهرين من عام 2025».

وأضافت: «لقد ازداد عدم اليقين، ومن المرجح أن يؤثر على الاستثمار والصادرات أكثر من المتوقع سابقاً. ولكن من المتوقع أن يدعم النمو زيادة الدخول وانخفاض تكاليف الاقتراض. ووفقاً لتوقعات الموظفين، من المفترض أن يدعم الطلب العالمي المتزايد الصادرات ما دام التوترات التجارية لم تتصاعد أكثر».

وقالت كريستين لاغارد: «المخاطر الاقتصادية تميل إلى الاتجاه الهابط بسبب تصعيد التوترات التجارية، وعدم اليقين السياسي والجيوسياسي، مثل الحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط. وقد يؤثر تشديد السياسة النقدية على النمو، في حين قد يسهم تيسير التمويل وانخفاض التضخم في انتعاش أسرع. كما يمكن أن يعزز الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية النمو».

وأضافت: «الاحتكاك في التجارة العالمية يضيف عدم يقين لتوقعات التضخم في منطقة اليورو. إن تصعيد التوترات التجارية قد يخفض قيمة اليورو، ويزيد تكاليف الواردات، ما يضغط على التضخم. كما أن التوترات الجيوسياسية قد تؤثر على أسواق الطاقة، والثقة، والاستثمار. وقد ترفع الأزمة المناخية أسعار الغذاء، في حين قد يزيد التضخم إذا ارتفعت الأجور أو الأرباح. وزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية قد ترفع التضخم، في حين أن خفض السياسة النقدية قد يقلل الطلب ويخفف التضخم».