{موسوعة الشعر السوري} الرديء تنتظر الطباعة ‏

تضم نصوصا لأدونيس والماغوط وسليم بركات

{موسوعة الشعر السوري} الرديء تنتظر الطباعة ‏
TT

{موسوعة الشعر السوري} الرديء تنتظر الطباعة ‏

{موسوعة الشعر السوري} الرديء تنتظر الطباعة ‏

إبراهيم حسو، شاعر سوري شاب، يعمل في محطة للمحروقات في مدينة القامشلي، نشر قبل سنوات مجموعته الشعرية الأولى «الهواء الذي أزرق»، ولأنه وجد أنها رديئة ولا تستحق القراءة، ولا تضيف شيئا للمنجز الشعري جمع ما تبقى من أعداد مجموعته وقام بحرقها أمام عتبة منزله في حي الكورنيش في القامشلي وعن السبب قال: إبراهيم حسو وقتها:
«كان الأجدى بي الانتظار قرنا آخر لأكتشف المعنى الحقيقي للشعر. الشعر بالنسبة إلي لم يكن المنقذ بقدر ما كان هذيانا ولعبا في أزقة اللغة من دون رقيب وكسر مفتعل لأرجل اللغة السبع والأربعين». وتابع: « منذ أكثر من خمسة عشر عاما وأنا أهيئ نفسي للشعر وأعد العدة للخوض في ساحاته البيضاء، لكني شعرت ساعة المواجهة كأني أواجه نقيض الشعر بل قشوره، وأرعبتني سطوة اللامعنى ودفعتني إلى أن أبقى خارج اللغة. لقد صدمتني الحداثة برجلها ورمتني خارج أسوارها في مكان مظلم وقاتم. لقد فشلت في الشعر»، قال معلقا بعد فعلته، «وها أنا أدفع ضريبة خيانتي، وأكرر اعتذاري لكل من اشترى هذا الكتاب وللوقت الثمين الذي أضاعه في قراءته».
ثم نشر مجموعته الثانية (الضباب بحذافيره) التي حققت حضورا جيدا في المشهد الشعري ورغم ذلك تنتابه الرغبة في حرقها أيضا (لدى أكثر من مجموعة شعرية تنتظر الحرق. تتساءلون لماذا؟ ربما أكتب لأحرق. والعكس أيضا صحيح) ليتفرغ بعدها وينقب ويبحث عن النصوص الشعرية الرديئة التي تسيء للمشهد الشعري وللشعر وللحداثة وحين وجد المئات من النصوص الرديئة
قرر أن يجمعها في موسوعة شعرية (موسوعة الشعر السوري الرديء) وهي، كما يقول، «ستكون ترجمة دقيقة لحال الشعرية السورية اليوم، وما وصلت إليه من هزال وتسفيه لمعنى الشعر وجماليات قصيدة النثر على وجه التحديد».
لماذا البحث عن الرداءة في الشعر السوري تحديدا؟ يجيب إبراهيم حسو:
«أنا لا أنقب عن الرداءة، هي حاضرة على طول وعرض الشعرية العربية منذ افتتاحية تصوغها في الخمسينات، تعودنا على مذاقها، وصارت الوجبة المفضلة لمعظم قرائنا الذين ما زالوا يصفقون ويصفرون لكل قصيدة نارية تدب الحماسة في عظامهم، وتهيجهم كالجنون الذي لا يكلف خيالا أو فكرة أو وصفا أو حتى تأملا. تعودنا على السذاجة المحبوكة بالحكمة وصرنا نقرأ الشعر كمن ينبش في أرواح الموتى، شعرا دون رائحة، من دون طعم، دون عطر يعيد إليك بهجة الحياة الملغزة، شعرا بلا نهاية، بلا انكشاف على اللغة الهاذية، الملعونة. الرداءة شكل من أشكال السحر الذي ينقلب على ساحره. هي تشخيص للمأزق الفكري الذي ينزلق إليه الشاعر طواعية بكل نواقصه وهنأته، انزلاق اللامعقول في تقدير الشعري والنثري على أنهما مذاق واحد، مختبر واحد للكلمة ذاتها عندما تصبح سحرا وشفاعة لغوية وكأن الأمر لا يتناقض ولا ينخطف من بلد لآخر، فما هو موجود في سوريا موجود هناك في الجانب الآخر من البلاغة العربية الشاسعة. قرأت الكثير من الشعر السوري وكأني عشت مع فاتحة القصيدة النثرية، وتغلغلت في الغث والباهظ حتى صرت في لب الغث وتنفست السهل منه والرخيص».
ولكن قصيدة النثر وحدها ضحية الرداءة؟ أم أن قصيدة التفعيلة قدمت نماذج أردأ، يوضح قائلا:
الاثنتان معا، النثرية والتفعيلة معا جنبا إلى جنب. النثرية في سرديتها التي تصل كثيرا إلى الابتذال المقتصد والتسطح المتفق عليه، والتفعيلة بلغتها الرجراجة التي لا تنفك أن تجعل القارئ يتقيأ ويتقزز من هدير المفاعيل والموسيقا الرخيمة التي تشبه شرود الموت في بداياته.
وهل لديه قصائد أيضا ضمن كتاب «الشعر السوري الرديء»؟ يرد:
نصوصي في المقدمة إلى جانب نصوص أدونيس وسليم بركات والماغوط وسليمان العيسى والكثير من النصوص لأسماء مقدسة وصاعقة في المشهد الشعر السوري.
أسأله: متى ستصدر الموسوعة؟ ألا تفكر بعد موسوعة الشعر السوري الرديء في إصدار موسوعة الشعر السوري الجيد مثلا؟
يقول: معظم الموسوعات الشعرية التي خصت بالشعر السوري لم تخل من الركاكة والهشاشة والفتق اللغوي. كانت الموسوعة الأخيرة «أنطولوجيا الشعر السوري - الثمانينات» لرشا عمران مصبا صحيحا لتجارب شبابية تبنت مشروع قصيدة النثر وأقامت عليها مشروعا شعريا جديدا كانت مختصة في كتابة اليومي المحسوس. لكنها كالموسوعات الأخرى ضربت بانتقاد من لم تشملهم الموسوعة أو الأنطولوجيا، وبقيت طي الإهمال والإلغاء، وإذا قدر لي أن أصدر موسوعة للشعر السوري الجيد كما أصدرها الشاعر محمد عضيمة فسأنشر ما لم تتحمله الصفحات المتبقية من موسوعة الشعر الرديء.
وفي النهاية يعترف إبراهيم حسو، أنه حاول قدر المستطاع أن يكون محايدا، وأن يعيد قراءة النصوص التي اختارها بعناية فائقة وشارك عدد من الشعراء (لم يفصح عن أسمائهم) في تلك القراءات. والطريف أن عقوبة أي سائق يرتكب مخالفة ما في محطة المحروقات التي يديرها، ستكون قراءة قصيدة أو أكثر من موسوعة الشعر السوري الرديء وأشار إلى ذلك بورقة علقت على باب المحطة:
(للمخالفين قراءة قصيدة أو أكثر من موسوعة الشعر السوري الرديء) حتى إن الشعراء الشباب وما أكثرهم في عامودا والقامشلي يتقصدون مخالفة قوانين المحطة.. بغية التعرف على الأسماء الموجودة في هذه الموسوعة التي تعد الأولى في الوطن العربي.



غموض مصير «الأونروا» يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل

موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
TT

غموض مصير «الأونروا» يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل

موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)

تتجادل الأمم المتحدة وإسرائيل حول من سيملأ الفراغ إذا توقفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن العمل في قطاع غزة والضفة الغربية في وقت لاحق من هذا الشهر حين يُطبق قانون إسرائيلي.

وما زالت الأونروا تعمل في الأراضي الفلسطينية، لكن المستقبل مجهول أمام الوكالة التي يبلغ عمرها نحو 75 عاماً حين يدخل القانون الذي يحظر عملها في الأراضي الإسرائيلية واتصالها بالسلطات الإسرائيلية حيز التنفيذ.

كان الكنيست الإسرائيلي قد أقر القانون في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 الشهر الماضي على أن يدخل حيز التنفيذ نهاية يناير (كانون الثاني).

ومنذ إقرار القانون، تتبادل الأمم المتحدة وإسرائيل الرسائل. وبعد فترة وجيزة، أبلغت الأمم المتحدة إسرائيل أنه ليس من مسؤولية المنظمة الدولية طرح بديل للأونروا في الأراضي الفلسطينية، غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

وفي رسالة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في وقت متأخر من يوم الخميس، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إنه إذا أُجبرت «الأونروا» على التوقف عن العمل، فسيتعين على إسرائيل «ضمان توفير مجموعة الخدمات والمساعدات التي كانت تقدمها الأونروا» بما يتوافق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.

وكتب غوتيريش أن وكالات الأمم المتحدة الأخرى مستعدة لمواصلة تقديم الخدمات والمساعدة للفلسطينيين بقدر ما تستطيع، لكن هذا «لا ينبغي النظر إليه على أنه إعفاء لإسرائيل من التزاماتها».

وتعدّ الأمم المتحدة غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، أراضي تحتلها إسرائيل. ويلزم القانون الدولي القوة المحتلة بالموافقة على برامج الإغاثة وتسهيلها وضمان توفير الغذاء والرعاية الطبية ومعايير النظافة والصحة العامة.

وفي رسالة إلى المنظمة الدولية في 18 ديسمبر (كانون الأول)، قال سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون إن التشريع الجديد «لا يقوض بأي حال التزام إسرائيل الراسخ بالقانون الدولي». ورفض أيضاً مطالبة الأمم المتحدة بأن تتحمل إسرائيل مسؤولية سد أي فراغ قد تتركه «الأونروا».

وكتب يقول إن إسرائيل لا تمارس سيطرة فعلية على غزة ومن ثم فهي ليست قوة احتلال، وإن قانون الاحتلال العسكري لا ينطبق أيضاً. وقال إنه «لا يتعين إغفال» مسؤولية السلطة الفلسطينية عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية.

وقال دانون: «في القدس، من حق جميع السكان الحصول على الخدمات الحكومية والبلدية بموجب القانون الإسرائيلي»، ويشمل ذلك خدمات الصحة والتعليم. وضمت إسرائيل القدس الشرقية في خطوة غير معترف بها دولياً.

الصحة والتعليم في خطر

لطالما انتقدت إسرائيل «الأونروا». وتقول إن موظفين في «الأونروا» شاركوا في هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وقالت الأمم المتحدة إن تسعة من موظفي «الأونروا» ربما شاركوا وتم فصلهم. وتبين أن أحد قادة «حماس» في لبنان قتلته إسرائيل في سبتمبر (أيلول) كان يعمل في «الأونروا».

وقالت الولايات المتحدة إنه يتعين على حليفتها إسرائيل أن تضمن ألا يعيق القانون الجديد توصيل المساعدات وتقديم الخدمات الحيوية، ومنها تلك التي تقدمها «الأونروا»، في غزة التي تعاني من أزمة إنسانية منذ الحرب بين إسرائيل و«حماس».

لكنها أثارت أيضاً تساؤلات حول التخطيط للطوارئ الذي وضعته الأمم المتحدة.

وقال مسؤول أميركي إن مسؤولين من وزارة الخارجية اجتمعوا هذا الأسبوع مع الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى منصبه في 20 يناير، وأثاروا مخاوف عن احتمال تفاقم الأزمة في غزة بمجرد تنفيذ القانون الإسرائيلي.

وتقدم «الأونروا» التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، المساعدات والخدمات الصحية والتعليمية لملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ولفلسطينيين في دول عربية مجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن.

وقال غوتيريش إنه لا يمكن الاستعاضة عن «الأونروا» في الدور الفريد الذي تضطلع به. ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي تقدمها «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية ستكون الأشد تضرراً من غيرها، لأن الوكالات الأخرى لا تستطيع أن تضاهي قدرتها على تقديم مثل هذه المساعدة.

وجادل دانون بأنه «ليس من المستحيل بالمرة إحلال بديل للأونروا يمتلك خطط إغاثة توفر المساعدات الأساسية الكافية للمدنيين الفلسطينيين». وأشار إلى عملية المساعدة في غزة التي قال إن وكالات أخرى للأمم المتحدة جاهزة لتوفير الدعم اللازم «كما تفعل في أماكن أخرى من العالم».

ومن بين الوكالات الأخرى العاملة في غزة والضفة الغربية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لكن مسؤولين بارزين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن يصفون «الأونروا» بأنها العمود الفقري لعمليات المساعدات الإنسانية الحالية في غزة.

وتقول إسرائيل إن 1200 شخص قتلوا، واقتيد نحو 250 رهينة في هجوم السابع من أكتوبر 2023 بقيادة «حماس» على جنوب إسرائيل. وشنت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة بعد الهجوم.

وقال مسؤولو صحة فلسطينيون إن الحرب في غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألف شخص حتى الآن، فضلاً عن تحويل مساحات واسعة من القطاع إلى أطلال، ونزوح معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة مرات متعددة. ويحذر خبراء الأغذية من مجاعة وشيكة.