من التاريخ: وقفة على أطلال «الأكروبوليس»

من التاريخ: وقفة على أطلال «الأكروبوليس»
TT

من التاريخ: وقفة على أطلال «الأكروبوليس»

من التاريخ: وقفة على أطلال «الأكروبوليس»

وسط الأطلال الأثرية «للأكروبوليس» في مدينة أثينا الجميلة وقفت استنشق عبق التاريخ وأُمعن في أروقته التي يستطيع الإنسان أن يلمسها بمجرد النظرة لهذا الأثر الجميل، فهذا الحطام يعكس واحدة من أهم الحضارات في العالم وأكثرها تأثيرًا على الحضارة الغربية فضلاً عن كونها تمثل رافدًا مهمًا في نهر الحضارة الإنسانية، فهي قد مزجت بين الفكر والفلسفة والعلم وأسلوب الحياة والبعد الميتافيزيقي، وهي الأمور التي اختلطت لتلد لنا طريقة حياة أصبحت بعد قرون قليلة أساسًا للحضارة الغربية ذاتها. وعلى هذه الأطلال فوق الأكروبوليس تدافعت إلى الأفكار لا سيما أنها المرة الأولى التي أزور فيها أثينا بعد قرابة أربعة عقود درست فيها أهمية هذه الحضارة وفكرها، ولم أتدارك تدافع الأفكار وأنا أتأملها فقررت أن أشرك القارئ في أهمها وهي على النحو التالي:
أولاً: لقد أدركت أنني واقفٌ في قلب الحضارة اليونانية التي سُميت القارة الأوروبية كلها من خلال إحدى أساطيرها، فتشير المراجع إلى أن اسم أوروبا نفسه مشتق من الأساطير اليونانية حيث قام «زيوس» كبير آلهة اليونانيين باختطاف الأميرة الفينيقية الجميلة «أوروبا» وذهب بها إلى اليونان حيث اغتصبها وهو في شكل ثور أبيض، وعندما سعى أخوها «كادموس» للبحث عنها فإنه نشر الكتابة والقراءة في أرجاء الأراضي اليونانية، وقد فسر بعض المؤرخين هذه الأسطورة على اعتبار أن «فينيقيا» – جنوب لبنان في ذلك الوقت – كانت جزءًا لا يتجزأ من منطقة النفوذ المصري، وبالتالي فإن رحلة الأميرة «أوروبا» تعكس الانتقال الثقافي والحضاري الفرعوني من جنوب شرقي المتوسط إلى الشمال الشرقي. وتُلمح الأطروحة مباشرة إلى أن أساس الحضارة اليونانية هو الحضارة المصرية القديمة وبدرجة أقل الحضارات الشرقية الأخرى مثل الفارسية والفينيقية إلخ.
ثانيًا: شعرت للحظة بقيمة أن أكون فوق هذا المكان التاريخي، الذي يُعد قلب الحضارة اليونانية ذاتها بعدما كانت دويلة أثينا هي منارة الفكر والحضارة في ذلك الوقت، وهناك تذكرت أن الحضارة اليونانية أو الإغريقية القديمة تُعد الأساس الفكري للحضارة الأوروبية، وأحد أهم ثلاثة جذور كونت الهوية الأوروبية المستقلة إلى جانب الحضارة الرومانية والتجربة المسيحية في هذه القارة، ومع ذلك فإن الحضارة اليونانية هي الأساس الفكري والفلسفي والثقافي لهذه الحضارة، ويكفي أن الحضارة الرومانية بُنيت على أساس الحضارة اليونانية وتمثل معها المفهوم الكلاسيكي لهذه الهوية، الذي صار أساسًا لعصور النهضة في القرن الخامس عشر.
ثالثا: تذكرت والهواء الرطب يداعبني وأنا أشتم هواء البحر المتوسط النقي أن الفكر والثقافة اليونانية لم يمثلا فقط أساس الهوية الأوروبية، ولكن الحضارة اليونانية كانت تمثل أيضًا إحدى ركائز تطور الديانة المسيحية ذاتها، فأوائل الأناجيل كتبت باللغة اليونانية، التي أصبحت قاعدة مهمة لتفاسير الكتاب المقدس فأخذت اللاتينية منها وليس العكس، ومثلت هذه اللغة في مناسبات كثيرة الصخرة التي اختلف حولها أقطاب الكنائس في تفسيراتهم المختلفة، وعلى رأسها كنيسة القسطنطينية وهي يونانية الأصل والطابع والهوى منذ بداية عهدها، وكانت تلعب دورًا محوريًا في تطور العقيدة إلى أن تبوأت كنيسة روما الصدارة الدولية على الأقل من الناحية السياسية بدخول القرن الثاني عشر الميلادي.
رابعًا: تذكرت أنني أقف على تبة تاريخية ارتبط اسمها بالعاصمة أثينا، التي مثلت أساسًا مهمًا لكثير من المفاهيم السياسية منذ أن بدأت عملية الاستيطان اليوناني في منطقة شبه جزيرة المورة، وحولها من جزر الأرخبيل، وقد كانت التجمعات السياسية والاجتماعية اليونانية أهم ما صدرته اليونان لأوروبا فيما بعد، فأهم معطيات الحضارة اليونانية للهوية الأوروبية كان مفهوم الدويلة اليونانية City State، وكانت «دويلة أثينا» وهي أهم التكوينات السياسية، ومثلت أصغر دولة بمفهومنا الحالي في التاريخ، ولكنها تضمنت السمات الأساسية للدولة من حيث الإقليم والشعب والحكومة والسيادة المنفصلة التي أصبحت فيما بعد وفقًا للقانون الدولي تمثل الدولة مكتملة الأركان، وهي الدويلات التي كونت نظامًا إقليميًا مختلفًا من العلاقات الدولية، فكل دويلة كان لها استقلالها ولكنهم جميعًا كانوا يعيشون في عملية اعتماد متبادل بينهم Interdependence، لأنهم كانوا يكونون الهوية اليونانية المشتركة من خلال نظام معقد للعلاقات التكاملية فيما بينهم، وهذا ما جعل نظريات العلاقات الدولية الحديثة تبدأ بنيانها الفكري على فك أنماط تفاعل هذه المنظومة اليونانية بشكل يكاد يكون حرفيًا.
خامسًا: ولعل البعد العسكري الموحد كان من أكثر العناصر التي منحت الهوية اليونانية استقلالاً، فلقد حمت تطبيقات مفاهيم «الدفاع الجماعي Collective Defence» هذه الثقافة من المحاولات المستميتة للفرس السيطرة على اليونان، خصوصًا بعد معركتي «ثيرموبولي» و«سالاميس» اللتين أوقفتا الحملات الفارسية لاحتلال اليونان وثقافتها، وحتى عندما انقسم اليونانيون على أنفسهم في «الحروب البلوبونيزية»The Peloponnesian War، فإن عداواتهم لم تمنعهم من التحالف الفوري والقوي لمواجهة العدو الخارجي الذي يهدد ثقافتهم الجماعية، بل إن هذا العدو هو الذي خلق لهم مفهوم الهوية المشتركة والتي تطورت لأن تصبح أول قومية أوروبية معروفة.
سادسًا: فوق هذه التبة تذكرت الإسكندر الأكبر فافترشت رؤيتي لأعماق الأفق من حولي في محاولة عابثة لإدراك بُعد فتوحات أول قائد عسكري يسعى للسيطرة على العالم المعروف فأفشل بطبيعة الحال، لأن هذا الرجل وصلت فتوحاته إلى الهند وغزواته إلى قرب حدود الصين، فهذا النموذج الفريد لم يستطع أي قائد عسكري أن يتخطى حجم فتوحاته إلا شخص واحد وهو «جنكيز خان»، ولكن هذا لا يحرم الإسكندر من كونه في واقع الأمر الشخص الوحيد الذي حكم العالم المتحضر وحده، مؤمنًا بنسب إلهي من وحي خيال أمه، ولكن هذا الإيمان هو ما دفعه للسعي لنشر الثقافة اليونانية في كل ربوع مملكته. ومع ذلك فهو أول مثال للبشرية يعكس حقيقة أساسية، وهي أنه ما من دولة واحدة قادرة على بسط نفوذها الثقافي والفكري والعقائدي على العالم أجمع، فسرعان ما انحسرت إمبراطوريته وتفتت بعد مماته المبكر.
سابعًا: فوق هذه التبة العالية ووسط الحطام تذكرت سنوات ممتدة من دراسة وقراءة الثقافة اليونانية وأثرها المباشر على العالم كله في جميع المجالات، فكانت بحق المنارة الثقافية والتثقيفية في ذلك الوقت، وهنا تذكرت سوفوكليس أو «أبو التراجيديا»، الذي دمعت عيناي في صباها وهما تقرآن قدرته على بث التعاسة في الأدب الراقي، كذلك تذكرت أن اليونان كانت مركزًا للفن والأدب والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والدراما وغيرها من المجالات التي تشكل الثقافة الشاملة والهوية المختلفة، وليس من المبالغة التأكيد على أنه قلما تجود ثقافة واحدة بهذا الحجم من الكتاب والفلاسفة والفنانين والأفكار في كل المجالات مثلما حدث مع الثقافة اليونانية، فلو أخذنا الفلسفة وحدها سنجد سقراط وأفلاطون وأرسطو يمثلون الثلاثي الأساسي الذي بُني عليه علم الفلسفة والسياسة والمنطق، ليس فقط في اليونان بل في ربوع واسعة من العالم كله حتى يومنا هذا، فعلم الفلسفة يبدأ بهم، فغالبًا لا تبدأ أية فلسفة إلا من حيث انتهي الفلاسفة الإغريق. أما في مجال الأدب والدراما فلا جدال على أن أمثال الشاعر والأديب «هومير» صاحب مخطوطتي «الإلياذا» و«الأودسا»، وأريستوفانيس يمثلون مع غيرهم من اليونانيين أساسًا أدبيًا مهمًا للحضارات المختلفة.
وبعد هذا الكمّ الهائل من الأفكار والمشاعر انقطعت أحبال فكري وتأملاتي وأنا أحدث أحد الأشخاص لأقول له إن أغرب ما في الأمر هو أن التأثير اليوناني على أوروبا لم يكن تأثيرا ماديًا ملموسًا، فعلى عكس الحضارة الرومانية فإن الحضارة اليونانية لم تنتقل لأوروبا من خلال الوجود الفعلي أو العسكري للجيوش اليونانية، فمنذ نشأة النظام الإقليمي اليوناني فإن قبلته السياسية والعسكرية لم تكن غربًا، بل كانت نحو الشرق والجنوب اللذين اعتبرهما رواد اليونان «العالم المتحضر» في ذلك الوقت، أما الغرب فلم يكن منطقة مكتشفة بالنسبة لهم إلا في إطار استثناءات محدودة لأسباب متعلقة بالتجارة وبعض المستعمرات المتناثرة، فالقارة الأوروبية، خصوصًا غرب أوروبا لم تكن العالم المتحضر بالنسبة لليونان، تمامًا مثلما اعتبر الرومان شمال ووسط أوروبا أقاليم غير متحضرة تقطنها شعوب «بربرية» Barbarians، ومع ذلك فقد انتقلت الحضارة اليونانية وثقافتها للغرب من خلال التجارة مع شبه الجزيرة الإيطالية ومنطقة جنوب فرنسا، وهنا تفرض نفسها فكرة المقارنة بين علاقة اليونان بشبه الجزيرة الإيطالية (التي أصبحت مركز الدولة الرومانية فيما بعد) من ناحية، وعلاقة أوروبا بأميركا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من ناحية أخرى، فالتشابه هنا يكمن في أن مصدر الثقافة والتنوير بدأ من خلال حركات استعمارية من المركز للأطراف، ثم انتقل الثقل السياسي من المركز للطرف والذي أصبح بدوره المركز، أما انتقال مركز الثقل الحقيقي للحضارة اليونانية فكان من خلال وراثة الدولة الرومانية لمقومات حضارتها، بحيث أصبحت روما هي الامتداد الثقافي لليونان والوريث السياسي والحضاري لها، وهكذا صارت اليونان النسيج الأول بل الأساس للحضارة الأوروبية التي اندلعت منها شعلة الغرب.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.