داود أوغلو.. البطة العرجاء

تمرده على إردوغان «مسألة وقت».. وواقعيته أعادته تحت جناحه

داود أوغلو.. البطة العرجاء
TT

داود أوغلو.. البطة العرجاء

داود أوغلو.. البطة العرجاء

بانتظار يوم الثاني والعشرين من مايو (أيار) الحالي، اليوم الموعود لاستقالة رئيس الحكومة التركية داود أوغلو من رئاسة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وبالتالي من رئاسة الحكومة، تحول داود أوغلو إلى «البطة العرجاء» وفقا للتوصيف الأميركي للسنة الأخيرة من الحكم، حيث بقي رئيسا للوزراء من دون القدرة على اتخاذ القرارات.
وفيما مر قرار الاستقالة – الإقالة، سيمر في الداخل التركي من دون تعقيدات، بسبب موقف داود أوغلو نفسه الذي أعلن من خلاله الاستمرار في الولاء لإردوغان، وبسبب نفوذ إردوغان الواسع في الحزب الحاكم، ينتظر الجميع الدور الذي سيلعبه داود أوغلو في السياسة التركية، وهل سيكون فاعلا، أم ينتقل إلى صفوف المتفرجين من قيادات الحزب الذين أقصاهم رجل تركيا القوي، رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، كالرئيس السابق عبد الله غل، ونائب رئيس الوزراء بولند ارينخ وغيرهما.
بالمعيار السياسي، فشل داود أوغلو في امتحان الحكم، عندما اضطر للانسحاب من السلطة بعد 20 شهرا قضاها في رئاسة الحزب الحاكم، كان تمرده فيها على إردوغان «مسألة وقت» كما رأى المراقبون، لكنه عندما تعرض للضغط من قبل الأخير، عاد إلى واقعيته، مدركا أن إردوغان هو الأستاذ الأكبر في تركيا، مفضلا العودة إلى كنفه بدلا من مواجهة غضبه. تتويجا لـ12 سنة من انتقاله إلى الحياة السياسية في البلاد، متخليا عن العمل الأكاديمي، بعد ثلاثة نجاحات أولها عندما عينه الرئيس عبد الله غل كبيرا لمستشاريه في عام 2002. وثانيها عندما عينه رجب طيب إردوغان وزيرا لخارجيته في عام 2008، وثالثها عندما اختاره رئيسا للحكومة، بدلا من كبار المرشحين لهذا المنصب، ومن بينهم الرئيس غل نفسه، الذي ذكره بطريقة غير مباشرة في آخر تصريحاته بأنه من أحضره إلى الحياة السياسية.
ومنذ اللحظة الأولى لتكليفه رئاسة الحكومة، وجد داود أوغلو، نفسه أمام عدة تحديات أساسية، أولها إثبات نفسه على أنه ليس «دمية بيد إردوغان» الذي يقال إنه منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية يريد من يقود من خلاله البلاد بسبب الصلاحيات القليلة لرئاسة الجمهورية، والصلاحيات الكبيرة لرئاسة الحكومة. أما التحدي الثاني فهو إثبات نفسه كرئيس للحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ زمن طويل.
وداود أوغلو، قدم إلى السياسة من الحياة الأكاديمية، وهو رجل عصامي كون نفسه بنفسه، جراء ذكائه اللافت الذي خوله الانتقال من مرحلة إلى أخرى بسرعة قياسية، فخلال سنوات حياته تقلب من ابن الإسكافي، يتيم الأم، إلى معيد في الجامعة، ثم إلى مساعد لكبيرين في السياسة التركية، هما الرئيس عبد الله غل الذي أحضره إلى الحياة السياسية، والرئيس رجب طيب إردوغان الذي رفعه بين المناصب. وسرعان ما تحول «صديق» غل إلى شريك إردوغان.
ويشير البروفسور برهان كور أوغلو، المعيد في جامعة بهجة شهير - إسطنبول، وأحد المقربين جدا من داود أوغلو إلى أنه كان له «أسلوب يختلف عن أسلوب أسلافه، لعدة أسباب، منها أنه أتى من وسط أكاديمي، وثانيا أنه صاحب مشروع إقليمي، ولهذا يتمتع بسمعة دولية حسنة، ولا يتردد في نقد الغرب كما يتمتع بعلاقات طيبة جدا مع المسؤولين في الدول الإسلامية وهو يتمتع بصفات القادة الذين يمكن أن يقودوا العالم الإسلامي إلى حقبة يفتخر بها الجميع». ويرفض اتهامات البعض لداود أوغلو شخصيا بأنه وراء فشل السياسة التركية في جميع المحطات، لكني أقول إنه لا يمكن أن نفصل تركيا عن محيطها الطبيعي فهي تتأثر بما يدور من حولها».
أما عن العلاقة بين إردوغان وداود أوغلو، فيقول كور أوغلو: «يوجد بين الشخصين علاقات حميمة وطيبة جدا لأنهما يعملان منذ 13 عاما جنبا إلى جنب. وهذه العلاقات كانت مبنية على الاحترام من الطرفين». وفي المقابل، يقول المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إنه «في الماضي كان إردوغان هو الذي يفكر ويدير البلاد وهو الذي كان يتصدى للهجمات من المعارضة، ثم وضع داود أوغلو في الواجهة، ولهذا يجمع الخبراء في تركيا بأن داود أوغلو هو رئيس وزراء فقط بالوكالة، فالكلمة الأولى والأخيرة ستكون لإردوغان دون منازع». ويرى أورنيك أن الجميع يعرف أن السبب وراء اختيار إردوغان لداود أوغلو ليس النجاحات لأنه في الأصل لا يوجد له أي نجاحات، بل السبب الحقيقي هو الولاء والطاعة العمياء التي يكنها داود أوغلو لإردوغان»، معطيا مثلا على «هذا الولاء الأعمى» وهو «وقوف داود أوغلو بجانب إردوغان قلبا وقالبا أثناء الحرب التي تجري الآن مع جماعة فتح الله كولن، ولهذا السبب قامت الجماعة بنشر شريط تسجيل صوتي لداود أوغلو ومستشار المخابرات هكان فيدان وهما يخططان لكيفية إرسال الأسلحة للمعارضة السورية. وهذا التسجيل يشكل الإثبات الأكبر على تورط تركيا في الحرب والإرهاب في سوريا، ولكن وعلى الرغم من هذا بقي داود أوغلو في مكانه وزيرا للخارجية». ويشير أورنيك إلى أن «الجميع يعرف أن إردوغان لا يحبذ أن يكون رئيس جمهورية تقليديا للبلاد، هو يريد أن يكون رئيسا يمتلك بيده جميع السلطات» أما لفنت جولتكين، وهو كاتب من صحيفة «ستار» الموالية للحكومة، فيؤكد أن الاستطلاع الذي أجري بين كوادر وقيادات الحزب حول من هو الشخص الذي يرغبون أن يكون زعيما لهم بعد اعتلاء إردوغان سدة رئاسة الجمهورية، كانت نتيجته أن نسبة 70 إلى 80 في المائة أرادوا أن يكون عبد الله غل زعيما لهم ورئيسا للوزراء. الاعتراض الآن في الحزب هو أن من حق إردوغان ألا يرشح غل، ولكن يوجد البديل الثاني والثالث والرابع، إردوغان تركهم جميعا وذهب لترشيح البديل الأضعف والأخير في القائمة، وهذا ترشيح غير طبيعي. وأكد أن داود أوغلو «لا يوجد له لا شعبية ولا أرضية داخل الحزب، فهو إنسان محيطه أكاديمي ينظر إلى الناس بنظرة فوقية يمتلك وقفا يديره بنفسه، أدخل جميع تلاميذه الذين يعتمد ويثق بهم إلى أروقة الحزب وفي أماكن حساسة، وهم أيضا جميعا لا يوجد لهم علاقة بالفكر المللي (الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان) ولا لهم علاقة بالمحيط الإسلامي المحافظ الذي يستمد الحزب قوته منه، وهذه الطغمة لا يتناسب نسيجها مع نسيج الحزب.
لكن كور أوغلو يقول إنه «قبل أن يعلن اسم داود أوغلو كان هناك استفتاء بين جميع كوادر الحزب أعضاء البرلمان والوزراء على من يريدون رؤيته على رأس الحزب والحكومة، الأغلبية العظمى أعلنت أنها تريد داود أوغلو، وليس كما يحلو للبعض قوله بأن اختيار داود أوغلو كان فقط من قبل إردوغان».
وفي المقابل، يشير المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إلى أن داود أوغلو من الذين دخلوا إلى الحزب لاحقا، وهو الوحيد الذي لا يمتلك أرضية أو مجموعة من الكوادر الحزبية التي تدعمه، وليس مثل القادة الآخرين، حيث لكل واحد منهم مجموعاته الحزبية والإقليمية، ولهذا يقع بين الفينة والأخرى صدام فيما بينهم. ويعد أورنيك أن «داود أوغلو لا يتمتع بأرضية صلبة في الحزب يمكن استخدامها كوسيلة لرفض أي طلب من إردوغان، وإردوغان يعي هذا جيدا ولهذا اختار أضعف الحلقات في الحزب لترؤس الحكومة والحزب وبهذا يبقى مواليا ومطيعا دون سؤال».
ولد أحمد داود أوغلو ببلدة طاش الواقعة أعلى جبال طوروس، في مدينة قونيا، وسط تركيا، في 26 فبراير (شباط) 1959. فارقت والدته الحاجة «مؤمنة» الحياة وهو في سن الرابعة، ثم انتقل مع والده محمد دوران داود أوغلو، الذي كان يعمل إسكافيًا للعيش بحي الفاتح التاريخي في مدينة إسطنبول، ليتزوج بعدها مرة ثانية. وعندها، ولصغر سنه، بدأ أحمد داود أوغلو في التعامل مع زوجة أبيه على أنها والدته التي أنجبته.
تلقى أحمد داود أوغلو تعليمه الابتدائي في مدرسة حاج سليمان بيك بإسطنبول، ليكمل تعليمه الأساسي بعد ذلك في إحدى المدارس بمنطقة بهشلي إيفلار التي انتقلت إليها الأسرة في وقتٍ لاحق، ثم تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة إسطنبول الرسمية للبنين، ليلتحق بعدها بكلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة بوغازجي في إسطنبول، وليتخرج في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1984. وأتم دراساته العليا وحصل على درجة الماجستير في قسم الإدارة العامة بالجامعة، ونال بعد ذلك درجة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وقد أظهر داود أوغلو قدرة لافتة في تعلم وإتقان اللغات الأجنبية، ومعروف عنه إتقانه للغات الألمانية والإنجليزية والعربية، بالإضافة إلى التركية.
وفي عام 1990 عُيِّنَ أستاذا مساعدا في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وأسس بها قسم العلوم السياسية وترأسه حتى عام 1993. وحصل على لقب أستاذ مشارك عام 1993. ثم أصبح عضوا في هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية في جامعة مرمرة بإسطنبول، كما شارك في إلقاء محاضرات في القوات المسلحة التركية والأكاديمية الحربية.
تعرف إلى الرئيس عبد الله غل في فترة الثمانينات، وتطورت علاقتهما حتى أصبحا صديقين مقربين، فعينه الأخير في منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء في الحكومة التي ترأسها في عام 2002. ثم عين بعد ذلك بتوصية من غل سفيرا لرئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر، واستمر بأداء هذه المهام في عهد الحكومتين التاسعة والخمسين والستين، بعد أن صعد رجب طيب إردوغان إلى منصب رئاسة الوزراء خلفًا لغل، وسرعان ما توطدت علاقتهما فعينه وزيرا للخارجية، وهو كان واحدا من ثلاثة وزراء في تاريخ تركيا يعينون من خارج البرلمان. وتم انتخابه بعد ذلك نائبا لحزب العدالة والتنمية عن مدينة قونيا بالبرلمان.
تزوج عام 1984 بالدكتورة سارة اختصاصية أمراض النساء والتوليد، وله أربعة أبناء سفورا، ميمونة، هاجر بيكا، ومحمد. ابنته الكبرى سفورا متزوجة أحمد أوز أوكور الحفيد الثالث لصبري أولكار مؤسس شركة «يلديز» القابضة، إحدى كبريات الشركات التركية. أما ابنته الوسطى ميمونة فمتزوجة طلحة طوبتشو ابن دورسون طوبتشو نائب رئيس غرفة تجارة إسطنبول.
وتعد زوجته سارة الصديقة المقربة للسيدة وسيلة إلدان، شقيقة إردوغان؛ وهي من أجرت عملية الولادة لابنة إردوغان إسراء البيراق.



إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

زامير
زامير
TT

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

زامير
زامير

في خضم العاصفة يتولّى الجنرال إيال زامير يوم 6 مارس (آذار) المقبل، منصب رئيس الأركان الـ24 للجيش الإسرائيلي. وعندما قرّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعيين زامير لهذا المنصب، فإنه فعل ذلك في اللحظة الأخيرة قبل مغادرة البلاد إلى لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقد حصل ذلك، ليس فقط كي لا يعيش الجيش في فراغ بعد استقالة رئيس الأركان الحالي الجنرال هيرتسي هليفي، بل أيضاً للظهور أمام الرئيس الأميركي – مثلما يحب الأخير – قائداً قوياً يستطيع أيضاً أن يحارب الجنرالات الأقوياء تحت قيادته.

اختيار زامير بالذات لهذا المنصب، مع أنه أصبح خارج الجيش منذ ثلاث سنوات، هو جزء من الرسالة. ذلك أن زامير يمثل بالنسبة لنتنياهو نهاية عهد وبداية عهد جديد في العلاقات بين القيادتين السياسية والعسكرية.

وهذه العلاقات المتوترة، التي تعكّرت بمبادرة من نتنياهو منذ عام 2011، باتت تلحق أضراراً بالجهتين. ويُؤمل من زامير أن يتولّى مهمة تنظيفها؛ إذ يقال إن قادة الجيش الإسرائيلي ما عادوا يحترمون القيادة السياسية بتاتاً، وأن زامير هو الجنرال الوحيد في المؤسّسة الذي يكنّ قدراً من الاحترام لنتنياهو. ويعود ذلك إلى كونه سكرتيراً عسكرياً سابقاً لرئيس الوزراء، ثم مديراً عاماً لوزارة الأمن، وتولّى إبّان الحرب مهمّة شراء كميات هائلة من الذخائر والأسلحة وعمل بتنسيق يومي مع نتنياهو، وأخيراً، وقف إلى جانب نتنياهو أثناء خلافاته الأخيرة مع وزير الأمن السابق يوآف غالانت.

تنتظره مهام صعبة

غير أن ترميم العلاقات بين الحكومة والجيش سيكون مهمة ثانوية لرئيس الأركان الجديد إذا ما قورنت بالمهام والتحديات الأخرى، وأبرز هذه إعداد الجيش للحروب المقبلة.

إذ إن الجيش بُني خلال السنوات العشر الأخيرة بطريقة يكون فيها «صغيراً (من حيث العديد) وحكيماً»، وثمة قناعة تامة اليوم بأنه يجب أن يعود ليكون كبيراً وكلاسيكياً، ويعتمد في الاجتياحات البرّية على الدبابات والمدرعات. وزامير هو رئيس الأركان الوحيد الآتي من سلاح المدرعات منذ أكثر من 50 سنة (آخر رئيس أركان جاء من سلاح المدرّعات كان دافيد إليعازر الذي قاد الجيش في «حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973»).

الواقع أن الحرب الأخيرة على غزة، وكذلك على لبنان، أظهرتا نقاط ضعف شديدة في الحرب الميدانية، وإبان الحرب تكلم العسكريون عن ذلك، بل ولاحظوا أن الحرب الأوكرانية أضحت درساً أمام جيوش الغرب يتعلمون منه أن لا غنى عن الحرب الميدانية.

بل يتكلم البعض في إسرائيل اليوم عن خطر فتح «جبهة سابعة» ضد تركيا، بسبب التطورات في سوريا. ذلك أن الوجود العسكري التركي هناك يمكن أن يتحوّل إلى صدام مع إسرائيل، والمعروف أن الجيش التركي بُني - وما زال حتى اليوم - كجيش قتال بري. ومع أن هذه الفرضية تبدو ذات احتمالات ضعيفة، حتى الآن، يأخذها العسكريون والمحللون الإسرائيليون في الاعتبار ويثيرونها علناً.

طالب به سموتريتش

يضاف إلى ما سبق وجود قناعة بأن الحرب مع غزة لم تتوقف بعد، وقد تُستأنف في أي وقت. لا بل إن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي كان قد طلب وحظي بما طلبه، ساهم في اختيار زامير.

وحقاً، قال سموتريتش بعد اختيار زامير: «كلّي أمل بأن يثبت زامير جدارته في تغيير عقيدة الجيش إلى عقيدة قتالية صارمة، تتّسم بالإقدام والالتحام وتقتلع الإرهاب الفلسطيني من جذوره». وردّد نتنياهو نفسه هذا الكلام، لدى اتخاذ الحكومة قرارها رسمياً بالمصادقة على تعيين زامير خلال جلستها يوم الأحد 16 الشهر الجاري؛ إذ قال: «زامير رجل صدامي، وهو ما يحتاجه الجيش اليوم».

إلا أن الجملة الأكثر أهمية جاءت عندما تكلّم نتنياهو عن أهمية ولاء المسؤولين الكبار في الحكومة - يقصد أيضاً رئيس الأركان - للحكومة ورئيسها كونهم منتخبي الشعب. وكي يقنع الحاضرين، وهم الوزراء ورؤساء أجهزة الأمن والمستشارة القضائية، راح يروي لهم ما يفعله الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة اليوم، مدركاً أن ترمب هو اليوم النجم الساطع لدى غالبية الإسرائيليين.

وهنا فصّل: «انظروا إلى ترمب، إنه يفعل في أميركا ثلاثة أشياء؛ أولاً: أحاط نفسه بأشخاص مخلصين له فقط، وثانياً: أقال كل الأشخاص الذين ما كانوا مخلصين له، وثالثاً: ها هو يقضي على الدولة العميقة بشكل منهجي ومتسق». ويقال إن الدهشة سادت إذ ذاك الغرفة، وتحرّك الحاضرون في مقاعدهم بشكل غير مريح.

زامير، من جهته، فهم الرسالة جيداً قبل تعيينه. ووفق مصادر في قيادة الجيش، يعرف زامير جيداً، في نهاية المطاف، المطلوب منه، أكان من السياسيين أم من العسكريين. ولكن الذين يعرفونه عن قرب يقولون إن «الرجل قدير في المناورات، وشاطر في تذويب الخلافات، لكنه صاحب تفكير مستقل، ولديه عمود فقري من الفولاذ. وأثناء خدمته سكرتيراً عسكرياً للحكومة لم يتردّد في الاختلاف مع نتنياهو لكنه لم يسمح لأي خلاف أن يؤثر على الثقة بينهما».

سيرته الذاتية

إيال زامير (59 سنة) ولد عام 1966 وترعرع في إيلات، ثم انتقل إلى المدرسة الداخلية العسكرية في تل أبيب. وخلال خدمته العسكرية حصل على درجتين جامعيتين، واجتاز دورتي تعليم في الولايات المتحدة وفرنسا في كلية الأمن القومي.

بدأ الخدمة العسكرية في سلاح المدرعات عام 1984، ثم أكمل دورة تدريب على قيادة الدبابات. وظل يتنقل من منصب قيادي حربي إلى آخر حتى صار سكرتيراً عسكرياً للحكومة عام 2012.

بعد ثلاث سنوات، عاد زامير إلى الجيش، وأصبح قائداً للواء الجنوبي، ليسجّل باسمه الجدار القوي المحكم حول قطاع غزة، الذي اخترقته «حماس» بسهولة بالغة يوم 7 أكتوبر 2023.

في عام 2018 عين نائباً لرئيس الأركان، وكان منافساً على رئاسة الأركان، لكن رئيس الوزراء - يومذاك - يائير لبيد، فضّل اختيار هيرتسي هليفي، فترك زامير الجيش، إلا أنه بعد عودة نتنياهو إلى الحكم، عين مديراً عاماً لوزارة الدفاع.

وبحسب مقربين منه، ستكون مهمته الأولى إعادة ترميم صورة الجيش الإسرائيلي في نظر الجمهور، إثر تراجع الثقة فيه، ولا سيما، أثناء الحرب الأخيرة. ويشار اليوم إلى ترهّل في الانضباط، والمطلوب وسيلة حكيمة للتغلب عليها من دون إملاءات.

رضا اليمين

من وراء الكواليس، عمل قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف على اختيار زامير، ولكن ليس لأنه يلائم اليمين فكرياً أو سياسياً، بل لأنه لم يُجرّب في الضفة الغربية. ففي العادة، يتولى قائد المنطقة الوسطى في الجيش مهمة قيادة الجيش في الضفة، ومن هنا يحدث احتكاك مع المستوطنين.

زامير لم يتول هذه المهمة، ويوم 7 أكتوبر 2023، كان خارج هيئة رئاسة أركان الجيش. ولذا، رأى فيه اليمين خروجاً عن سرب القيادات العسكرية التي ينبذها.

مع هذا، في الأيام الأخيرة قبل تعيين زامير، لوحظ حراك يميني للانقلاب على هذا التوجه. وبحسب صحيفة «معاريف» فإن زوجة نتنياهو وابنه، الموجودين في مدينة ميامي الأميركية، سعياً لـ«قلب الجرة» وإبطال تعيين زامير في اللحظة الأخيرة. لكن هذا التدخل جاء متأخراً. أما سبب «الانقلاب» فكان التيقن من أن زامير مستقل «زيادة عن الحد».

وتضيف الصحيفة: «مَن يعرف زامير عن كثب عبر خدمته العسكرية يروي أنه ضابط نظيف من الخلطات وبريء من السياسة. ضابط ينظر إلى الجيش لا كـ(وحدة خاصة) أو منظومة خاصة، بل كجهاز عظيم يحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى يد حديدية دقيقة على الدفة. ينبغي له أن يعيد الجيش إلى المهنة العسكرية من البداية ويجعله قريباً من الناس. عليه أن يعيد إلى المهنة العسكرية شرفها والحرص على الثقافة العسكرية ألا تنزلق إلى ثقافة معسكرات، خلطات أو تلاعبات. عليه أن يعيد إلى الجيش شرفه وأن يعيد ثقة الجمهور به. عليه أن يحاول بناء سور صيني بين الجيش والسياسيين. إيال زامير سيكون رئيس الأركان الـ24 للجيش الإسرائيلي، ودوره لن يكون أقل من تاريخي».