داود أوغلو.. البطة العرجاء

تمرده على إردوغان «مسألة وقت».. وواقعيته أعادته تحت جناحه

داود أوغلو.. البطة العرجاء
TT

داود أوغلو.. البطة العرجاء

داود أوغلو.. البطة العرجاء

بانتظار يوم الثاني والعشرين من مايو (أيار) الحالي، اليوم الموعود لاستقالة رئيس الحكومة التركية داود أوغلو من رئاسة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وبالتالي من رئاسة الحكومة، تحول داود أوغلو إلى «البطة العرجاء» وفقا للتوصيف الأميركي للسنة الأخيرة من الحكم، حيث بقي رئيسا للوزراء من دون القدرة على اتخاذ القرارات.
وفيما مر قرار الاستقالة – الإقالة، سيمر في الداخل التركي من دون تعقيدات، بسبب موقف داود أوغلو نفسه الذي أعلن من خلاله الاستمرار في الولاء لإردوغان، وبسبب نفوذ إردوغان الواسع في الحزب الحاكم، ينتظر الجميع الدور الذي سيلعبه داود أوغلو في السياسة التركية، وهل سيكون فاعلا، أم ينتقل إلى صفوف المتفرجين من قيادات الحزب الذين أقصاهم رجل تركيا القوي، رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، كالرئيس السابق عبد الله غل، ونائب رئيس الوزراء بولند ارينخ وغيرهما.
بالمعيار السياسي، فشل داود أوغلو في امتحان الحكم، عندما اضطر للانسحاب من السلطة بعد 20 شهرا قضاها في رئاسة الحزب الحاكم، كان تمرده فيها على إردوغان «مسألة وقت» كما رأى المراقبون، لكنه عندما تعرض للضغط من قبل الأخير، عاد إلى واقعيته، مدركا أن إردوغان هو الأستاذ الأكبر في تركيا، مفضلا العودة إلى كنفه بدلا من مواجهة غضبه. تتويجا لـ12 سنة من انتقاله إلى الحياة السياسية في البلاد، متخليا عن العمل الأكاديمي، بعد ثلاثة نجاحات أولها عندما عينه الرئيس عبد الله غل كبيرا لمستشاريه في عام 2002. وثانيها عندما عينه رجب طيب إردوغان وزيرا لخارجيته في عام 2008، وثالثها عندما اختاره رئيسا للحكومة، بدلا من كبار المرشحين لهذا المنصب، ومن بينهم الرئيس غل نفسه، الذي ذكره بطريقة غير مباشرة في آخر تصريحاته بأنه من أحضره إلى الحياة السياسية.
ومنذ اللحظة الأولى لتكليفه رئاسة الحكومة، وجد داود أوغلو، نفسه أمام عدة تحديات أساسية، أولها إثبات نفسه على أنه ليس «دمية بيد إردوغان» الذي يقال إنه منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية يريد من يقود من خلاله البلاد بسبب الصلاحيات القليلة لرئاسة الجمهورية، والصلاحيات الكبيرة لرئاسة الحكومة. أما التحدي الثاني فهو إثبات نفسه كرئيس للحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ زمن طويل.
وداود أوغلو، قدم إلى السياسة من الحياة الأكاديمية، وهو رجل عصامي كون نفسه بنفسه، جراء ذكائه اللافت الذي خوله الانتقال من مرحلة إلى أخرى بسرعة قياسية، فخلال سنوات حياته تقلب من ابن الإسكافي، يتيم الأم، إلى معيد في الجامعة، ثم إلى مساعد لكبيرين في السياسة التركية، هما الرئيس عبد الله غل الذي أحضره إلى الحياة السياسية، والرئيس رجب طيب إردوغان الذي رفعه بين المناصب. وسرعان ما تحول «صديق» غل إلى شريك إردوغان.
ويشير البروفسور برهان كور أوغلو، المعيد في جامعة بهجة شهير - إسطنبول، وأحد المقربين جدا من داود أوغلو إلى أنه كان له «أسلوب يختلف عن أسلوب أسلافه، لعدة أسباب، منها أنه أتى من وسط أكاديمي، وثانيا أنه صاحب مشروع إقليمي، ولهذا يتمتع بسمعة دولية حسنة، ولا يتردد في نقد الغرب كما يتمتع بعلاقات طيبة جدا مع المسؤولين في الدول الإسلامية وهو يتمتع بصفات القادة الذين يمكن أن يقودوا العالم الإسلامي إلى حقبة يفتخر بها الجميع». ويرفض اتهامات البعض لداود أوغلو شخصيا بأنه وراء فشل السياسة التركية في جميع المحطات، لكني أقول إنه لا يمكن أن نفصل تركيا عن محيطها الطبيعي فهي تتأثر بما يدور من حولها».
أما عن العلاقة بين إردوغان وداود أوغلو، فيقول كور أوغلو: «يوجد بين الشخصين علاقات حميمة وطيبة جدا لأنهما يعملان منذ 13 عاما جنبا إلى جنب. وهذه العلاقات كانت مبنية على الاحترام من الطرفين». وفي المقابل، يقول المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إنه «في الماضي كان إردوغان هو الذي يفكر ويدير البلاد وهو الذي كان يتصدى للهجمات من المعارضة، ثم وضع داود أوغلو في الواجهة، ولهذا يجمع الخبراء في تركيا بأن داود أوغلو هو رئيس وزراء فقط بالوكالة، فالكلمة الأولى والأخيرة ستكون لإردوغان دون منازع». ويرى أورنيك أن الجميع يعرف أن السبب وراء اختيار إردوغان لداود أوغلو ليس النجاحات لأنه في الأصل لا يوجد له أي نجاحات، بل السبب الحقيقي هو الولاء والطاعة العمياء التي يكنها داود أوغلو لإردوغان»، معطيا مثلا على «هذا الولاء الأعمى» وهو «وقوف داود أوغلو بجانب إردوغان قلبا وقالبا أثناء الحرب التي تجري الآن مع جماعة فتح الله كولن، ولهذا السبب قامت الجماعة بنشر شريط تسجيل صوتي لداود أوغلو ومستشار المخابرات هكان فيدان وهما يخططان لكيفية إرسال الأسلحة للمعارضة السورية. وهذا التسجيل يشكل الإثبات الأكبر على تورط تركيا في الحرب والإرهاب في سوريا، ولكن وعلى الرغم من هذا بقي داود أوغلو في مكانه وزيرا للخارجية». ويشير أورنيك إلى أن «الجميع يعرف أن إردوغان لا يحبذ أن يكون رئيس جمهورية تقليديا للبلاد، هو يريد أن يكون رئيسا يمتلك بيده جميع السلطات» أما لفنت جولتكين، وهو كاتب من صحيفة «ستار» الموالية للحكومة، فيؤكد أن الاستطلاع الذي أجري بين كوادر وقيادات الحزب حول من هو الشخص الذي يرغبون أن يكون زعيما لهم بعد اعتلاء إردوغان سدة رئاسة الجمهورية، كانت نتيجته أن نسبة 70 إلى 80 في المائة أرادوا أن يكون عبد الله غل زعيما لهم ورئيسا للوزراء. الاعتراض الآن في الحزب هو أن من حق إردوغان ألا يرشح غل، ولكن يوجد البديل الثاني والثالث والرابع، إردوغان تركهم جميعا وذهب لترشيح البديل الأضعف والأخير في القائمة، وهذا ترشيح غير طبيعي. وأكد أن داود أوغلو «لا يوجد له لا شعبية ولا أرضية داخل الحزب، فهو إنسان محيطه أكاديمي ينظر إلى الناس بنظرة فوقية يمتلك وقفا يديره بنفسه، أدخل جميع تلاميذه الذين يعتمد ويثق بهم إلى أروقة الحزب وفي أماكن حساسة، وهم أيضا جميعا لا يوجد لهم علاقة بالفكر المللي (الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان) ولا لهم علاقة بالمحيط الإسلامي المحافظ الذي يستمد الحزب قوته منه، وهذه الطغمة لا يتناسب نسيجها مع نسيج الحزب.
لكن كور أوغلو يقول إنه «قبل أن يعلن اسم داود أوغلو كان هناك استفتاء بين جميع كوادر الحزب أعضاء البرلمان والوزراء على من يريدون رؤيته على رأس الحزب والحكومة، الأغلبية العظمى أعلنت أنها تريد داود أوغلو، وليس كما يحلو للبعض قوله بأن اختيار داود أوغلو كان فقط من قبل إردوغان».
وفي المقابل، يشير المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إلى أن داود أوغلو من الذين دخلوا إلى الحزب لاحقا، وهو الوحيد الذي لا يمتلك أرضية أو مجموعة من الكوادر الحزبية التي تدعمه، وليس مثل القادة الآخرين، حيث لكل واحد منهم مجموعاته الحزبية والإقليمية، ولهذا يقع بين الفينة والأخرى صدام فيما بينهم. ويعد أورنيك أن «داود أوغلو لا يتمتع بأرضية صلبة في الحزب يمكن استخدامها كوسيلة لرفض أي طلب من إردوغان، وإردوغان يعي هذا جيدا ولهذا اختار أضعف الحلقات في الحزب لترؤس الحكومة والحزب وبهذا يبقى مواليا ومطيعا دون سؤال».
ولد أحمد داود أوغلو ببلدة طاش الواقعة أعلى جبال طوروس، في مدينة قونيا، وسط تركيا، في 26 فبراير (شباط) 1959. فارقت والدته الحاجة «مؤمنة» الحياة وهو في سن الرابعة، ثم انتقل مع والده محمد دوران داود أوغلو، الذي كان يعمل إسكافيًا للعيش بحي الفاتح التاريخي في مدينة إسطنبول، ليتزوج بعدها مرة ثانية. وعندها، ولصغر سنه، بدأ أحمد داود أوغلو في التعامل مع زوجة أبيه على أنها والدته التي أنجبته.
تلقى أحمد داود أوغلو تعليمه الابتدائي في مدرسة حاج سليمان بيك بإسطنبول، ليكمل تعليمه الأساسي بعد ذلك في إحدى المدارس بمنطقة بهشلي إيفلار التي انتقلت إليها الأسرة في وقتٍ لاحق، ثم تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة إسطنبول الرسمية للبنين، ليلتحق بعدها بكلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة بوغازجي في إسطنبول، وليتخرج في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1984. وأتم دراساته العليا وحصل على درجة الماجستير في قسم الإدارة العامة بالجامعة، ونال بعد ذلك درجة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وقد أظهر داود أوغلو قدرة لافتة في تعلم وإتقان اللغات الأجنبية، ومعروف عنه إتقانه للغات الألمانية والإنجليزية والعربية، بالإضافة إلى التركية.
وفي عام 1990 عُيِّنَ أستاذا مساعدا في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وأسس بها قسم العلوم السياسية وترأسه حتى عام 1993. وحصل على لقب أستاذ مشارك عام 1993. ثم أصبح عضوا في هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية في جامعة مرمرة بإسطنبول، كما شارك في إلقاء محاضرات في القوات المسلحة التركية والأكاديمية الحربية.
تعرف إلى الرئيس عبد الله غل في فترة الثمانينات، وتطورت علاقتهما حتى أصبحا صديقين مقربين، فعينه الأخير في منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء في الحكومة التي ترأسها في عام 2002. ثم عين بعد ذلك بتوصية من غل سفيرا لرئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر، واستمر بأداء هذه المهام في عهد الحكومتين التاسعة والخمسين والستين، بعد أن صعد رجب طيب إردوغان إلى منصب رئاسة الوزراء خلفًا لغل، وسرعان ما توطدت علاقتهما فعينه وزيرا للخارجية، وهو كان واحدا من ثلاثة وزراء في تاريخ تركيا يعينون من خارج البرلمان. وتم انتخابه بعد ذلك نائبا لحزب العدالة والتنمية عن مدينة قونيا بالبرلمان.
تزوج عام 1984 بالدكتورة سارة اختصاصية أمراض النساء والتوليد، وله أربعة أبناء سفورا، ميمونة، هاجر بيكا، ومحمد. ابنته الكبرى سفورا متزوجة أحمد أوز أوكور الحفيد الثالث لصبري أولكار مؤسس شركة «يلديز» القابضة، إحدى كبريات الشركات التركية. أما ابنته الوسطى ميمونة فمتزوجة طلحة طوبتشو ابن دورسون طوبتشو نائب رئيس غرفة تجارة إسطنبول.
وتعد زوجته سارة الصديقة المقربة للسيدة وسيلة إلدان، شقيقة إردوغان؛ وهي من أجرت عملية الولادة لابنة إردوغان إسراء البيراق.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.