ترامب وقادة الحزب الجمهوري ينجزون أول خطوة نحو توحيد الصفوف

جيمس بيكر: فوز دونالد سيجعل العالم أقل استقرارًا

عضو في الحزب الجمهوري يلتقط صورة لنفسه "سلفي" مع راية لدونالد ترمب، في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أنعقد بولاية تكساس في 12 مايو 2016. (أ.ب.)
عضو في الحزب الجمهوري يلتقط صورة لنفسه "سلفي" مع راية لدونالد ترمب، في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أنعقد بولاية تكساس في 12 مايو 2016. (أ.ب.)
TT

ترامب وقادة الحزب الجمهوري ينجزون أول خطوة نحو توحيد الصفوف

عضو في الحزب الجمهوري يلتقط صورة لنفسه "سلفي" مع راية لدونالد ترمب، في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أنعقد بولاية تكساس في 12 مايو 2016. (أ.ب.)
عضو في الحزب الجمهوري يلتقط صورة لنفسه "سلفي" مع راية لدونالد ترمب، في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أنعقد بولاية تكساس في 12 مايو 2016. (أ.ب.)

أجرى مرشح الحزب الجمهوري المرجح للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، مساء أول من أمس، مباحثات على مدار أربع ساعات مع مسؤولين من الحزب لـ«توحيد الصفوف» وتشكيل جبهة موحدة لمنع الديمقراطية هيلاري كلينتون من خلافة باراك أوباما.
وقال ترامب ورئيس مجلس النواب بول راين، في بيان مشترك: «فيما كنا صريحين بشأن خلافاتنا القليلة نقر كذلك بوجود كثير من المصالح المشتركة»، وأضاف المسؤولان أن «هذا اللقاء الأول كان خطوة إيجابية جدا نحو توحيد الصفوف».
كما أكد البيان أن «الولايات المتحدة لا يمكن أن تجيز أربع سنوات (من سياسة أوباما) إضافية في البيت الأبيض، وهو ما تمثله هيلاري كلينتون؛ لذلك من الحيوي أن يصطف الجمهوريون خلف مبادئنا المشتركة ويروجوا لبرنامج محافظ ويبذلوا كل مستطاعهم للفوز في الخريف المقبل».
وعقد اللقاء في مقر الحزب الجمهوري تحت رعاية رئيس الحزب رينس برايبوس، الذي أيد ترامب الأسبوع الماضي. كما أعلن رئيس الحزب الجمهوري رينس برايبوس أن لقاء ترامب ومسؤولي الحزب «كان ممتازا» وأنها خطوة إيجابية جدا نحو وحدة الحزب، الذي يعاني انقساما شديدا إزاء ترامب الذي بات المرشح الأوحد للحزب في الاقتراع الرئاسي المقرر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتجمع عشرات الصحافيين والمتظاهرين الديمقراطيين حول المبنى؛ حيث التقى ترامب أيضا مسؤولين جمهوريين آخرين قبل أن يتوجه إلى مجلس الشيوخ؛ حيث التقى مسؤولين جمهوريين من بينهم رئيس الغالبية الجمهورية ميتش ماكونيل، وصرح ماكونيل بأن «الاجتماع كان بنَّاء جدا».
وقبل أن يغادر العاصمة الفيدرالية على متن طائرته الخاصة كتب ترامب على «تويتر» إنه «يوم جيد جدا في واشنطن مع بول راين والمسؤولين الجمهوريين. الأمور تجري بشكل جيد جدا».
أما راين فحذر من جهته في مؤتمر صحافي من أن الخلافات عميقة بين ترامب والمسؤولين في الحزب، وتوحيد الصفوف «لن يتم في 45 دقيقة»، لكن راين شدد مرات عدة على أن اللقاء كان «مشجعا»، وأضاف أنهما تباحثا أولا في المبادئ، مثل فصل السلطات وتفسير الدستور والإجهاض ودور المحكمة العليا، وهي مواضيع مهمة للمحافظين. وقال راين بهذا الخصوص «نحن نزرع بذور الوحدة لحل خلافاتنا».
ولا يسعى ترامب إلى الحصول على وحدة صف ظاهرية حوله فحسب، فالخلافات عميقة والتحديات هائلة، سواء على الصعيد المالي حيث يتحتم على الحزب جمع مئات ملايين الدولارات، أو على الصعيد السياسي، حيث يخشى الجمهوريون أن يفقدوا غالبيتهم في الكونغرس في نوفمبر.
وقد فاجأ بول راين، الأربعيني المحافظ الذي باشر تحديث صورة الحزب الجمهوري، الأوساط السياسية الأسبوع الماضي حين أعلن أنه غير مستعد في الوقت الحاضر لدعم ترامب، في تصريح كان له وقع قنبلة، لاسيما أنه سيترأس مؤتمر الحزب الذي سيعين مرشحه رسميا بين 18 و31 من يوليو (تموز) المقبل في كليفلاند، لكن ترامب قال الثلاثاء لشبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية، متحدثا عن رئيس مجلس النواب «أكن الكثير من الاحترام لبول (راين)، وسنعقد اجتماعا جيدا جدا»، مضيفا أن «المهم هو أنه لم يسبق لأحد في تاريخ الحزب الجمهوري أن حصل على عدد الأصوات الذي حصلت عليه في الانتخابات التمهيدية».
ومن جهته، قال راين الأربعاء: «بعد انتخابات تمهيدية صعبة للغاية لم تنته سوى الأسبوع الماضي، فإن الادعاء بأننا موحدون من دون أن نكون كذلك حقا، سيقودنا إلى حملة فاترة في الخريف»، لكنه تعهد بالعمل من أجل توحيد صفوف الحزب، وقال بهذا الخصوص: «هذه الانتخابات أهم من أن نخوضها بصورة فاترة».
وبعدما طرحت فكرة تقديم مرشح من خارج السباق لإنقاذ صورة الحزب المحافظ، بات هذا السيناريو مستبعدا في المرحلة الراهنة؛ إذ يرى القادة الجمهوريون أن الحزب سيخسر أكثر إن استمروا في تقسيمه، بدل أن يلتقوا حول ترشيح ترامب، ولو شكليا فحسب.
والمشكلة المطروحة الآن على مسؤولين أمثال ميتش ماكونيل هي مشكلة «ملحة»، وهي كيف يمكن إنقاذ ما تبقى والحفاظ على الغالبية الجمهورية الضئيلة في مجلس الشيوخ؟ ولذلك يعرب ماكونيل منذ أشهر عن أمله في أن يكون مرشح الحزب توافقيا، حتى ينعكس التأييد له على المرشحين لمجلس الشيوخ الذين سيدرجون معه على بطاقات الاقتراع ذاتها في 8 من نوفمبر.
وقال سيناتور أيوا تشاك غراسلي (82 عاما) الذي انتخب في مجلس الشيوخ عام 1987 بالتزامن مع انتخاب الرئيس رونالد ريغان «لا أفهم لماذا كل هذا اللغط، بعد أسبوع على فوز مرشح بالترشيح. في السياسة، الأمور تستتب دائما في نهاية المطاف.. وتذكروا، فقد كان الجميع يعتقد أن ريغان سيقودنا إلى الهزيمة».
من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر لجلسة في مجلس الشيوخ الأميركي، أول من أمس، إن مقترحات دونالد ترامب المرشح المفترض للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الخاصة بالسياسة الخارجية ستجعل العالم أقل استقرارا.
وخلال رده على سؤال من السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وهو منافس سابق لترامب في السباق الرئاسي، قال بيكر وهو جمهوري أيضا، أن العالم «سيصبح أقل استقرارا بكثير»، في ظل أضعاف حلف شمال الأطلسي، أو إذا حصلت المزيد من الدول على أسلحة نووية كما اقترح ترامب.
وقال بيكر في جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: «لدينا كثير من المشكلات اليوم، لكن سيكون لدينا مشكلات أكبر بكثير إذا حدث هذا»، مضيفا أن الالتزامات الأميركية حول العالم «تعزز أمن الولايات المتحدة».
ودعا السيناتور بوب كوركر، رئيس اللجنة المنتمي للحزب الجمهوري، إلى عقد الجلسة التي حملت عنوان «دور أميركا في العالم»، وأشاد كوركر بخطاب عن السياسة الخارجية ألقاه ترامب في واشنطن الشهر الماضي. وقد أثار تبني ترامب لسياسة «أميركا أولا» مخاوف لدى بعض حلفاء الولايات المتحدة، باعتبارها تشير لإمكانية انسحابها من الشأن العالمي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟