النظام يتقدم في الغوطة مستفيدًا من خلافات المعارضة

نزوح لأهالي المنطقة ودعوات لوقف «الاقتتال الداخلي» منعًا لتكرار سيناريو «الغوطة الغربية»

النظام يتقدم في الغوطة مستفيدًا من خلافات المعارضة
TT

النظام يتقدم في الغوطة مستفيدًا من خلافات المعارضة

النظام يتقدم في الغوطة مستفيدًا من خلافات المعارضة

أدت حملة النظام على الغوطة الشرقية وتقدمه في المنطقة الجنوبية على وقع الخلافات بين فصائل المعارضة إلى تسجيل حركة نزوح الأهالي خوفا من تصاعد حدة المعركة في ضوء المعلومات التي تشير إلى أنه بدأ يحشد قواته لاقتحام المنطقة، وهو الأمر الذي أدى إلى مطالبة الناشطين الفصائل لإيقاف الاقتتال فيما بينها، محذرين كذلك من تكرار سيناريو الغوطة الغربية.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بحركة نزوح لمئات المواطنين في غوطة دمشق الشرقية إثر تقدم لقوات النظام في عدة محاور بقطاعها الجنوبي، مشيرا إلى مغادرة العائلات من مناطق حوش العدمل وزبدين والنولة بالقطاع الجنوبي للغوطة الشرقية، إلى مناطق في المدن والبلدات الواقعة في الوسط والبعيدة عن محاور الاشتباكات العنيفة التي تدور بين قوات النظام مدعمة بالمسلحين الموالين لها من جهة، وفصائل معارضة من جهة أخرى، في مزارع زبدين ومزارع حوش العدمل ومنطقة النولة؛ حيث تمكنت قوات النظام من التقدم في مزارع زبدين وبأطراف حوش العدمل، بالإضافة لسيطرتها على أجزاء كبيرة من منطقة النولة. وترافقت الاشتباكات بحسب المرصد مع قصف لقوات النظام استهدف مواقع الفصائل في المنطقة. ولفت المرصد إلى تخوف المواطنين في القطاع الجنوبي، من التقدم الذي حققته قوات النظام المدعمة بقوات الدفاع الوطني والمسلحين الموالين لها، ومن إمكانية تحقيق تقدم إضافي.
وحمل «جيش الإسلام» فصيلي «فيلق الرحمن» و«جيش الفسطاط» مسؤولية تقدم قوات النظام في المحور الجنوبي للغوطة الشرقية، متهما إياهما باستهداف مقاتلي الفصيل وأسر عدد منهم.
ويشير الناشط في الغوطة، أبو بكر عقاب، إلى أن سبب الخلاف الدائر بين «جيش الإسلام» من جهة و«جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» و«فجر الأمة» من جهة أخرى، هو نتيجة محاصرة الفصائل الثلاثة نقاط «جيش الإسلام» في منطقة المرج ومنع وصول التعزيزات والمؤازرات إليه في هذه الجبهة لصد تقدم النظام، محاولة كذلك الضغط على عناصره للانشقاق عنه والالتحاق بها. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفسطاط» و«الرحمن» و«النصرة» تقسم الغوطة إلى منطقتين شمالية وجنوبية، ويمنع تنقل المدنيين بين المنطقتين إلا بورقة أمنية صادرة عن مكاتبهم الأمنية الموجودة في المنطقة الجنوبية.
وتستفيد قوات النظام من اقتتال المعارضة، محققة المزيد من التقدم في القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية خلال الأيام القليلة الماضية، وسط مناشدات أطلقها ناشطو المعارضة بضرورة إفشال مخططات النظام الرامية إلى فصل محورها الجنوبي عن الشمالي، محذرين من سقوط بلدتي زبدين ودير العصافير، وتكرار سيناريو مشابه تمامًا لما قامت به قوات النظام في الغوطة الغربية قبل أشهر، الذي نجحت من خلاله بالفصل بين مدينتي داريا ومعضمية الشام. ولفت عقاب إلى ورود أنباء عن قيام النظام بحشد قواته وتجهيز 1500 عنصر 50 آلية ثقيلة لاقتحام الغوطة من جهة الجنوب، مضيفا: «عادة عندما يصعد النظام الحملة العسكرية والقصف يعني أنه يتهيأ لعملية الاقتحام».
ويأتي هذا التصعيد بعد أنباء عن حشود عسكرية للنظام وإيران باتجاه الغوطة الشرقية، وإعلان رئيس وفد الهيئة العليا التفاوضية، أسعد الزعبي، الأربعاء، أن حشودا عسكرية إيرانية تتجه إليها من قاعدة حميميم بريف اللاذقية.
وفي بيان مصور حمل الناطق باسم قيادة أركان «جيش الإسلام»، حمزة بيرقدار، مساء الخميس، مسؤولية التراجع الميداني في الغوطة الشرقية إلى «الفسطاط» و«الرحمن»، قائلا: «لا يزالون يخطفون أكثر من نصف مقاتلي اللواء 111 المرابط على تلك الجبهة، بعد أن اقتادوهم من بيوتهم أثناء راحتهم إلى أماكن مجهولة، وقاموا بقطع طريق الإمداد عن المجاهدين المرابطين جنوب الغوطة، وحاصروا المنطقة بشكل كامل». واعتبر أنه «ما عجزت عصابات الأسد عن تحقيقه خلال محاولاتها فصل جنوب الغوطة عن شمالها حققه البغاة في أيام معدودة، في تناغم خطير مع العدو النصيري».
وطالب الناطق باسم أركان «جيش الإسلام»، الأهالي والفعاليات في الغوطة الشرقية، بضرورة الضغط على الفصيلين لتحقيق «فك الحصار عن مجاهدينا في جنوب الغوطة، وفتح طريق الإمداد أمام المؤازرات المتوجهة إلى المنطقة بأسرع وقت، وفك الحصار عن كتائبنا التي ما تزال محاصرة في مناطق رباطها في جوبر وزملكا وعربين وإطلاق سراح جميع المجاهدين المختطفين».



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.