نادين لبكي.. نصف خطوة صوب السياسة

نادين لبكي
نادين لبكي
TT

نادين لبكي.. نصف خطوة صوب السياسة

نادين لبكي
نادين لبكي

كانت شجاعة محسوبة من قِبل المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي أن تطرق باب السياسة وتنزل الانتخابات البلدية التي أجريت مؤخرًا. وحسب مصادر مختلفة، بدت صاحبة «سكر بنات» (أو «كراميل» كما عنوانه الآخر) و«وهلأ لوين؟»، واثقة من فوزها واللائحة التي مثلتها تحت اسم «بيروت مدينتي». لكن الواضح أن النداء، الذي أطلقته المخرجة اللبنانية في محاولتها التعريف بالأسباب الاجتماعية والسياسية التي دفعتها لترشيح نفسها، لم يقنع المنتخبين، وبذلك أخفقت في اجتياز الجسر من الفن إلى السياسة كما كانت ترغب.
مزاولة الفن والسياسة ليس بالأمر الجديد ولا هو بالأمر الخطأ بحد ذاته.
سابقًا في الثمانينات ما أعلنت الممثلة البريطانية غليندا جاكسون اعتزال الفن بعدما خاضت الانتخابات البرلمانية وفازت بها. لكن فانيسا ردغراف وجولي كريستي مارستا العملين معًا من دون دخول الانتخابات. كذلك فعل ممثلون كثيرون من بينهم شون بن وتشارلز دانس وسوزان ساراندون و - في اليونان - الممثلة ميلينا مركوري. هذه الأخيرة عارضت حكم العسكر في أواخر الستينات مما دفع السلطات لسحب هويتها منها وإن لم ينفع ذلك في تراجعها عن مبادئها.
إخفاق نادين لبكي بالفوز لا يجب أن يغطي على نجاحها في السينما.
فعندما قدّمت أولى أفلامها كمخرجة تحت عنوان «سكر بنات» فاجأت أكثر المتحمسين لها بقدرتها على توليف عمل ثري في طروحاته الكوميدية والاجتماعية كما في معالجته الأنثوية لمسائل تثير اهتمامات واسعة في مختلف الأوساط. الفيلم الذي تبنته تظاهرة «نصف شهر المخرجين» في مهرجان «كان» سنة 2007 شق طريقه سريعًا لعروض عالمية ليس في المهرجانات فقط، بل في العروض التجارية العربية والأجنبية.
في عام 2011 أنجزت ثاني أفلامها كمخرجة «وهلأ لوين؟» الذي اختلف كثيرًا عن الفيلم السابق. هذه المرّة سعت إلى خضم من الأحداث الممتزجة من دون نجاح يذكر. فالفيلم يُضحك ويُسلّي ويتحدّث في الوقت ذاته عن موضوع جاد، وهذا ليس المشكلة. المشكلة هي أن هناك تمازجًا ينتج عملاً جيّدًا، وآخر لا ينتج. والواقع هنا هو أن هذا التمازج يعمل على افتراضية قبوله كما هو ويفتقد إلى المقّومات الفنية والأسلوبية الشاملة، بحيث يبدو كما لو أن مشاهده الكوميدية وفكرته الفانتازية ورموزه الواقعية ضُمت بعضها لبعض على نحو لاصق في سياق هو نصف ناجح في أفضل الأحوال. ‬
البانوراما الكبيرة التي هدفت إليها من خلال سرد حكاية سكان قرية لبنانية تضم مسلمين ومسيحيين وتصوّر حالات واهتمامات كثيرة، كانت أكبر مما تستطيع المخرجة السيطرة عليه تمامًا، مما خلّف عملاً ترهقه سلبياته على قلتها.
لكن يجب ألا ننسى فيلمًا مهمًا قامت بتمثيله وليس بإخراجه وذلك في الفترة بين فيلميها المذكورين هو «رصاصة طايشة» الذي أخرجه جورج هاشم. فيه لعبت دورها بذكاء كفتاة مسيحية شهدت قيام اثنين من الميليشيا خلال الحرب الأهلية بقتل فلسطيني تم خطفه. حياتها بعد ذلك ليست كما كانت من قبل.
في سن الثانية والأربعين، لدى المخرجة الكثير مما عليها تقديمه وقد يكون فشل الحصول على مقعد سياسي حافزًا لأن يطرح فيلمها المقبل بعض ما كانت تسعى لطرحه لو فازت.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.