كاميرون يكشف عن تدابير لوقف تدفق الأموال إلى قطاع العقارات في بريطانيا

تعهدات دولية غير مسبوقة لمحاربة الفساد والأموال القذرة

رئيس الوزراء البريطاني في قمة مكافحة الفساد العالمية يتوسط الرئيس النيجيري ووزير الخارجية الأميركي في لندن أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني في قمة مكافحة الفساد العالمية يتوسط الرئيس النيجيري ووزير الخارجية الأميركي في لندن أمس (رويترز)
TT

كاميرون يكشف عن تدابير لوقف تدفق الأموال إلى قطاع العقارات في بريطانيا

رئيس الوزراء البريطاني في قمة مكافحة الفساد العالمية يتوسط الرئيس النيجيري ووزير الخارجية الأميركي في لندن أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني في قمة مكافحة الفساد العالمية يتوسط الرئيس النيجيري ووزير الخارجية الأميركي في لندن أمس (رويترز)

انطلقت قمة مكافحة الفساد العالمية في لندن برئاسة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس، حيث أعلن عن تدابير غير مسبوقة لوقف تدفق الأموال القذرة إلى قطاع العقارات في المملكة المتحدة التي غالبا ما يقال: إنها تتغاضى عن ملاذاتها الضريبية.
وتعهد عدد من قادة دول منهم الرئيسان الأفغاني أشرف غني والنيجيري محمد بخاري ووزير الخارجية الأميركي جون كيري والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، بإعداد سجلات عامة لملكيات الشركات في إطار جهود جماعية لتضييق الخناق على عمليات غسل الأموال الناتجة عن ممارسات الفساد حول العالم.
وأعلن كاميرون الإجراء خلال القمة، لكن معارضين قالوا: إن «السجلات المقترحة قد لا تحدث أثرا ملموسا ما لم تنتهِ ملاذات الضرائب السرية أيضا».
وكشف المتحدث باسم مقر الرئاسة البريطانية لـ«الشرق الأوسط» أن «هولندا وفرنسا ونيجيريا وأفغانستان سينضمون إلى بريطانيا في تدشين سجلات عامة للملكية الصحيحة للشركات»، وتابع المتحدث «أن أي شركة أجنبية تمتلك عقارا في بريطانيا أو تريد أن تشتري واحدا أو أن تتنافس للفوز بعقد حكومي سيكون لزاما عليها الانضمام إلى السجل الجديد»، وأكدت الحكومة البريطانية أن «السجل الجديد للشركات الأجنبية سيعني أن الأفراد والدول الفاسدة لن تكون قادرة على نقل أو غسل أو إخفاء أموال قذرة عن طريق سوق العقارات في لندن».
وصدر مرسوم في باريس أول من أمس، يفرض إقامة مثل هذا السجل، وقال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان إنه يفترض أن يضم «16 ألف كيان موجود اليوم في فرنسا ولا يعرف مالكوها أو المستفيدون منها». وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» مساء أول من أمس، أكد سابان أنه يشعر بأن بريطانيا «تريد جديا إنهاء بعض الممارسات».
وإلى جانب العقارات، أعلنت لندن عن تبادل تلقائي للمعلومات حول السجلات مع بعض أراضي ما وراء البحار والمناطق التابعة للمملكة المتحدة، من دون أن تحددها. وكذلك إنشاء مركز دولي للتحقيق في مكافحة الفساد يتخذ من لندن مقرا.
ومن جانبه، قال كيري إن «الولايات المتحدة أعلنت بالفعل خطوات لتحسين مستوى الشفافية بشأن ملكية الأنشطة التجارية»، ولدى افتتاحه القمة، شبه ديفيد كاميرون الفساد بـ«سرطان» كان لفترة طويلة موضوعا «محرما على الصعيد الدولي»، واعتبر كيري أن «الفساد يشكل عدوا تفوق خطورته خطورة المتطرفين الذين نحاربهم، لأنه يدمر الدول».
وتنتظر المنظمات غير الحكومية وناشطو مكافحة الفساد، إجراءات عملية بعد شهر على فضيحة «أوراق بنما» التي كشفت لجوء شركات الأوفشور بشكل واسع إلى وضع أموال في بلدان تفتقد إلى الشفافية ولا تفرض ضرائب كبيرة.
وفي سياق متصل، أكد غني عن عدم رغبته في تقديم كاميرون اعتذارا له، عن وصفه أفغانستان بأنها دولة «فاسدة بشكل كبير». وقال غني إن «أفغانستان كانت واحدة من أكثر الدول فسادا على وجه الأرض بسبب وجود إرث من الفساد والإهمال ووجود الكثير من العوامل التي تراكمت لإحداث هذا الفساد». وأوضح قائلا: «إن الجزء الأول من معالجة المشكلة يبدأ بالاعتراف، ونحن شركاء للتغلب على هذا النوع من الفساد السرطاني، وما يميز حكومة بلدي هو الوضوح بشأن ما ورثناه من فساد، وأنها عازمة على التصدي له، ومستعدة لتشكيل الشراكات المناسبة».
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد وصف نيجيريا وأفغانستان بأنهما «فاسدتان بشكل مروع»، خلال حديثه مع الملكة إليزابيث الثانية، وتتعرض المملكة المتحدة نفسها للانتقاد بسبب انعدام الشفافية على أراضيها فيما وراء البحار الجزر التابعة للتاج، ومن أصل 214 ألف شركة يمثلها مكتب موساك فونيسكا الذي يتصدر فضيحة «أوراق بنما»، تتمركز أكثر من نصفها في الجزر العذراء البريطانية، الدولة التي لن تحضر المؤتمر مثلها مثل بنما.
وقال توم كيتنغ، رئيس قسم الجرائم المالية والدراسات الأمنية في معهد خدمات الملكية البريطانية، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبرز نقاط المؤتمر هي أن يلتزم القادة الذين شاركوا في القمة بتنفيذ التعهدات التي قدموها»، وتابع بالقول: «أعرف أن الحكومة البريطانية تريد إنهاء هذه الأنظمة الغامضة».
وكانت مصداقية كاميرون نفسه كمضيف للقمة اهتزت إذ أن فضيحة «أوراق بنما» طالته، وقد اضطر للاعتراف بأنه امتلك حصصا في شركة والده إيان الذي توفي في 2010.
وقبل ساعات على افتتاح القمة، استبق كاميرون الاجتماع بتأكيده أن «الشركات الأجنبية التي تملك أو تريد شراء عقارات في المملكة المتحدة سيكون عليها كشف اسم المالك الحقيقي» ويستهدف هذا الإجراء الذي كان منتظرا نحو مائة ألف مسكن في إنجلترا وويلز بينها 44 ألفا في لندن وحدها حسب الأرقام الرسمية، تملكها شركات أوفشور ولا تُعرف هوية مالكها الحقيقي.
وتقول منظمة الشفافية الدولية إن هذه «الممارسات ليست غير قانونية لكنها حولت قطاع العقارات اللندني إلى ملاذ للأموال المسروقة في جميع أنحاء العالم».
وبين 2004 و2014 استهدفت تحقيقات للشرطة في الفساد ممتلكات عقارية تبلغ قيمتها الإجمالية 180 مليون جنيه إسترليني، وتقول منظمة الشفافية الدولية إنه «الجزء الظاهر من جبل الجليد».
وجاء في استطلاع للرأي نشرت نتائجه الأحد الماضي، هذه المنظمة غير الحكومية، أن 80 في المائة من البريطانيين يعتبرون أن من «الواجب الأخلاقي» لكاميرون أن يضفي مزيدا من الشفافية على الأراضي البريطانية وراء البحار. ويذكر أن في ساحة ترافلغار أو الطرف الأغر، وضع ناشطون يتصدون للفساد أمس، كراسي طويلة وأشجارا ورملا، تشبها «بملاذ ضريبي استوائي».



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».