ثلاثة تفجيرات شهدتها العاصمة العراقية بغداد والمدن المجاورة أوقعت أكثر من 94 قتيلاً، حيث أودت سيارة مفخخة في سوق شعبي بمدينة الصدر شرقي بغداد بأرواح 64 شخصًا، بينما قتل أكثر من 30 آخرين في انفجار في الكاظمية شمال العاصمة. وقالت مصادر عراقية متطابقة إن انفجارين آخرين أحدهما في حي الأمين، قتل فيه شخصان. وتبنى تنظيم داعش المتطرف العملية الإرهابية الأولى التي وقعت في مدينة الصدر، والتي أصيب فيها ما يزيد عن 80 شخصًا وقتل 64.
وقالت المصادر إن السيارة الملغومة انفجرت قرب صالون تجميل في سوق مزدحمة، لافتة إلى أن معظم الضحايا من النساء. وكانت الأجهزة الأمنية طوقت مكان الحادث، ونقلت الجرحى إلى مستشفى قريب لتلقي العلاج، وجثث الضحايا إلى دائرة الطب العدلي. واكتظ نحو خمسة مستشفيات في جانب الرصافة ببغداد بمئات الجرحى الذي تسببت فيه سيارة مفخخة وضعت في سوق شعبية ذات كثافة سكانية وبشرية عالية وفي وقت الذروة الصباحية. ويعد هذا التفجير هو الأضخم الذي تبناه «داعش» بعد ساعات من وقوعه هو الأضخم بعد استفحال الأزمة السياسية التي تلت اقتحام المنطقة الخضراء واستباحة البرلمان من قبل المتظاهرين وغالبيتهم العظمى من أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذين ينتمون إلى مدينة الصدر.
كما يأتي هذا الهجوم بعد يومين من إعلان مقتل شاكر وهيب قائد «داعش» الميداني في محافظة الأنبار، وبعد يوم من صدور أحكام إعدام للمدانين بعمليات إرهابية ممن ينتمون إلى «القاعدة» و«داعش».
وطبقًا للمصادر الصحية والأمنية العراقية فإن أكثر من 64 قتيلا ومئات الجرحى سقطوا جراء هذا التفجير الذي تم في سوق عريبة الشعبية بمدينة الصدر، شرقي بغداد. أما في انفجار شارع الربيع غربي بغداد فقالت مصادر طبية إن مجموع القتلى والجرحى في هذا التفجير تجاوز الـ27 قتيلا وجريحًا، دون تفصيل أكثر.
من جهته، قال القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي في بيان له ردًا على تفجير سوق عريبة إن التفجيرات المتكررة التي تستهدف الفقراء في مدينة الصدر هي انعكاس لمطالبهم المشروعة بإزاحة المفسدين والحزبيين والطارئين على الأمن والمتمسكين بمناصبهم.
أما عضو لجنة الدفاع البرلمانية محمد الكربولي لم يستبعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تكون الخلافات السياسية التي أدت إلى حصول شلل في عمل البرلمان والحكومة سببًا وراء التدهور الأمني من خلال حصول عدة تفجيرات خلال الأيام الماضية في ديالى وبغداد وآخرها تفجير مدينة الصدر الذي يعد الأضخم».
وأضاف الكربولي أن «العدو كثيرا ما يستفيد من الخلافات بين الفرقاء السياسيين ويوظفها لصالح ما يريد تحقيقه من أهداف تتمثل في تعميق الفجوة بين المواطنين والطبقة السياسية من خلال تصوير الأمور للناس بأن الحكومة وأجهزتها ليست مسيطرة على الأمور، كما يهدف في الوقت نفسه إلى إثارة الفتنة الطائفية من خلال الإيحاء بأن هناك استهدافًا لمكون معين طالما أن مدينة الصدر هي المستهدفة، فضلا عن أنه يوقع أكبر قدر من الضحايا».
وأشار الكربولي إلى أن «الخلافات السياسية سرعان ما تنعكس على الجانب الأمني، بينما يفترض بالأجهزة الأمنية تأدية دورها بمهنية دون أن تكون لها علاقة بما يجري بين الفرقاء السياسيين، يضاف إلى ذلك أن جماهير مدينة الصدر هم عماد الحراك الشعبي المنادي بالإصلاح، وبالتالي فإن هذا الهجوم سيترك آثاره السلبية على هذا الأمر».
على صعيد آخر، دعا الاتحاد الأوروبي السلطات العراقية إلى الإصغاء إلى صوت الناس وتلبية مطالبهم. وقال سفير الاتحاد الأوروبي إلى العراق باترك سيمونيه، في مؤتمر صحافي أمس الأربعاء في بغداد إنه «على السياسيين وقادة الأحزاب الإصغاء إلى رسائل الشعب ومطالبهم بالإصلاح وإيجاد حلول لمشكلات الشعب»، مشيرًا إلى أن «الاتحاد الأوروبي لا يتدخل في الشؤون الداخلية والسياسية، نحن لا نعطي حلولا، نصغي إلى الحلول المطروحة وحين نشعر أنها جيدة نقوم بدعمها». وتابع الحديث عن المصالحة الوطنية، «فالعراق بلد جميل ومتعدد الثقافات والديانات والطوائف والحضارات، وأنتم محظوظون، لديكم بلد ذو حضارة عريقة وغنية وهذا ما نحبه في العراق، إنها هدية لمواطنيكم وتقوية للتطور وعليكم الحفاظ على هذا الشيء بأقرب وقت، لأن هذا ما يساعدكم على إعمار البلد، حين ينتهي القتال مع (داعش) ونأمل أن يكون هذا الشيء قريبًا».
وطالب محافظ بغداد، علي التميمي، رئيس الوزراء حيدر العبادي، بتغيير القيادات الأمنية بعد التفجير الأخير الذي طال سوقًا شعبية بمدينة الصدر، وقال: «بعد تفجير مدينة الصدر نكرر مطالبتنا للقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي باستبدال القيادات الأمنية التي فشلت في حفظ الأمن، نطالب بفتح تحقيق فوري، كما وجهنا لجنة التعويضات لجرد الخسائر المادية والبشرية في مدينة الصدر».
وتسجل العاصمة بغداد، خروقات أمنية متكررة متمثلة بعمليات خطف وتسليب وسرقة واغتيالات، إضافة إلى تفجيرات بأحزمة وعبوات ناسفة وسيارات مفخخة، تستهدف المدنيين والقوات الأمنية على حد سواء، عادة ما تسفر عن وقوع العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح.
وتأتي التفجيرات الدامية التي شهدتها العاصمة العراقية ومدن مجاورة لها بعد يومين من إعلان البنتاغون مقتل زعيم «داعش» في الأنبار، وتراجع مساحات المناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف. وعزا بعض العراقيين الإهمال الأمني، أنه هو السبب الرئيسي في تمكن الإرهابيين من زرع العبوات الناسفة وركن السيارات المفخخة في أماكن مزدحمة ومأهولة دون قدرة القوى الأمنية على كشفهم.
وسبق أن شهدت مدينة الصدر الشعبية التي يقدر عدد سكانها بمليوني نسمة، عدة هجمات انتحارية وهجمات بسيارات مفخخة راح ضحيتها المئات من المدنيين، إذ أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين في نفس المدينة في فبراير (شباط) الماضي وأسفرت العملية عن سقوط 70 قتيلا.
وفي ساعة متأخرة من مساء أمس، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية إحصائية جديدة تشير إلى أن القتلى 94 و أكثر من 150 جريحاً حصيلة الاعتداءات الثلاثة، وقالت الوكالة أن الهجمات تعد الأكثر دموية منذ بداية العام.
وجاء في بيان لتنظيم «داعش» المتطرف نقلته مواقع إرهابية أن أنس الأنصاري وأبو عبدالملك الأنصاري، وهما كنيتان لإرهابيين نفذا التفجير، تمكنا من القيام بعمل انتحاري عند مدخل الكاظمية بحزامين ناسفين.
مصدر أمني عراقي قال أن قتلى الكاظمية فقط تجاوزا 17 وأضاف : « «قتل 17 شخصا في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف مدخلا رئيسيا لمنطقة الكاظمية» حيث مرقد الامام موسى الكاظم في شمال بغداد وقتل 13 شخصا في انفجار سيارة مفخخة مركونة قرب محال تجارية في حي الجامعة» في غرب بغداد.
واكدت مصادر طبية في مستشفيي الكاظمية واليرموك حصيلة الضحايا.
وفي وقت سابق الاربعاء، استهدف تفجير بسيارة مفخخة سوقا شعبيا في مدينة الصدر في شرق بغداد، مخلفا 64 قتيلا و82 جريحا بينهم نساء واطفال.
أحد الشهود العيان ويدعى ابو علي (خمسيني) تحدث للوكالة الفرنسية ، وهو الذي يملك محلا تجاريا قريبا بقوله : «حاولت شاحنة المرور من طريق قريب لدخول السوق، لكن عناصر الشرطة رفضوا السماح لها بذلك، فقام سائقها بسلوك طريق آخر، ثم وقع الانفجار». واضاف ان مسؤولي «الدولة في صراع على الكراسي والناس هم الضحايا (...) السياسيون وراء الانفجار».
واشار ابو علي الى ان اشلاء جثث الضحايا تناثرت حتى موقع محله الواقع على بعد امتار من مكان الانفجار. وقال شاهد آخر ان «الدولة هي المسؤولة» عن هذا الوضع، داعيا السياسيين الى الرحيل.
وندد موفد الامم المتحدة الخاص الى العراق يان كوبيس بما اعتبره «هجمات ارهابية جبانة ضد مدنيين».