وزير مكافحة الفساد التونسي لـ«الشرق الأوسط»: سنحاكم المتورطين في «وثائق بنما»

العيادي: نضغط دوليًا لاسترجاع الأموال المهربة للخارج.. والمواطنون شركاء في محاربة الفاسدين

كمال العيادي
كمال العيادي
TT

وزير مكافحة الفساد التونسي لـ«الشرق الأوسط»: سنحاكم المتورطين في «وثائق بنما»

كمال العيادي
كمال العيادي

قال كمال العيادي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد التونسي إن تونس تأتي في مقدمة البلدان التي تخوض حربًا على الفساد، وإن هذه الحرب تعتمد على إرساء ترسانة قوانين رقابية ورادعة للموظفين الفاسدين، كما تعتمد على تغيير عقلية الموظف وسلوكه ليحافظ على المال العام ويحسن التصرّف فيه، وإن المواطنين ومنظمات المجتمع المدني يشاركون بفعالية في هذه الحرب، وإنّ وزارته بصدد إعداد قانون لحماية الأشخاص الذين يقومون بالتبليغ عن شبهات الفساد في الإدارات العمومية.
وأكد كمال العيادي في حوار لـ«الشرق الأوسط» أنه سيتم إلغاء نتائج أي مناظرة انتداب تتعلق بها شبهة فساد ومنع الشركات العمومية، التي يتورط المسؤولون عنها في شبهات فساد من المشاركة في الصفقات العمومية. وفيما يلي نص الحوار:
* ما مدى انتشار ظاهرة الفساد في تونس وتفشي ظواهر كثيرة (مثل الرشوة واختلاس الأموال والتهرب من دفع الجباية واستغلال النفوذ وإساءة التصرف في المال العام) وما مدى خطورة ذلك على الاقتصاد الوطني؟ وما استراتيجيتكم لمقاومة الفساد والحد منه على الأقل؟
- مهما كانت درجة انتشار ظاهرة الفساد في تونس فإنها تمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، وتضرب منظومة الأخلاق ومبدأ المساواة، وبالتالي تؤثر على روح المبادرة الاقتصادية وتقلّص بدرجة كبيرة من الاستثمارات، وخصوصًا منها تلك المتسمة بالتجديد، ويكون تأثيرها أكبر على الشباب الذي هو عماد المستقبل في تونس.
وحسب عدد من المؤشرات في المجال، تحتل تونس مرتبة متقدّمة في تصنيف الدول التي تحارب الفساد، ونعمل منذ تولي وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد على تلافي هذا الوضع من خلال تكريس عدد من المبادئ على أرض الواقع. أول هذه المبادئ، وأهمّها في نظرنا، هو إقحام المواطن في الحرب على الفساد، إذ إن جهود المؤسّسات الرسمية في مكافحة الفساد لا تؤتي ثمارها إذا لم يكن للمواطن والمجتمع المدني الدور الأبرز في هذا المجهود. ولتجاوز الخطابات الرنانة والعبارات الإنشائية في الموضوع، اتخذنا عددًا من القرارات المباشرة نذكر منها على سبيل المثال تشريك منظمات المجتمع المدني في تركيبة لجان مناظرات الانتداب بالوظيفة العمومية، وإلغاء كل مناظرة تعلقت بها شبهات فساد جدية، كما أتممنا إعداد نصّ قانوني يقضي بإقصاء من تعلقت بهم قضايا فساد من المشاركة في الصفقات العمومية. كما ينصبّ عملنا على تطوير المنظومة القانونية للتصريح بالمكاسب وتقنين مسألة تضارب المصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع، بالإضافة إلى إرساء منظومة متكاملة للتبليغ عن حالات الفساد.
* بالإضافة إلى وزارتكم، هناك عدة هيئات ولجان ومنظمات لها التوجه والأهداف نفسها. أليس في هذا تشتيت للجهود، وهل هناك تنسيق بين هذه الأطراف؟
- بحكم خطورة الفساد على حاضر تونس ومستقبلها، وبالنظر إلى الأحكام الدستورية التي لها علاقة بالفساد وإلى التزامات الجمهورية التونسية إزاء الاتفاقيات الدولية والإقليمية، وإزاء شركائها في مجال إرساء دعائم الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، فإنه من المؤكّد أن الوضع يتطلب مشاركة الجميع في الحرب على الفساد، ما دام هناك وضوح لأدوار مختلف الأطراف وتنسيق في العمل لضمان الفعالية والجدية، وهو ما تضمنته خطة عمل الوزارة في النقطة المتعلقة بتركيبة وأساليب عمل المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، الذي يمثل الإطار الأمثل لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات والخبرات. كما ستعتمد وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد آليات للتواصل مع مختلف الأطراف التي لها علاقة بمكافحة الفساد وتنسيق جهودها.
* موضوع التبليغ عن الفساد من قبل الموظفين أو المواطنين يحتاج إلى تنظيم وتشجيع وحماية باعتباره واجبًا وطنيًا ومساعدًا على محاربة الفساد. هل فكرتم في ذلك؟
- يعتبر التبليغ عن الفساد إحدى الآليات المهمّة لإقحام المواطن في الحرب على الفساد وترتكز مقاربتنا على محورين متكاملين: يتعلق المحور الأول بتوفير تطبيقة إلكترونية لتسهيل تواصل المواطن مع الإدارة، ومن المكونات الأبرز لهذه التطبيقة فضاء للتبليغ عن شبهات الفساد. وبما أنّ هذه الآلية لا تكفي وحدها للتعاطي الجدّي والمسؤول مع البلاغات التي سترد على السلط الإدارية، فإنّنا بصدد العمل على وضع الإجراءات الداخلية المناسبة، التي من شأنها ضمان أقصى قدر ممكن من النجاعة في التعامل مع البلاغات الواردة على الوزارة.
كما انتهينا من إعداد مشروع قانون لحماية المبلغين عن الفساد في القطاع العام. وتمّ عرض هذا المشروع على شركائنا من جهات رسمية وأكاديميّين وعدد من منظمات المجتمع المدني، ونحن الآن بصدد دراسة مقترحاتهم وملاحظاتهم لإعداد صيغة جديدة تكون موضوع استشارة عمومية موسّعة لنضمن مساندة وانخراطًا أكبر في منظومة التبليغ.
* كيف ستتصرفون إزاء المفسدين الذين يمكن أن يكشف عنهم في إطار ما يعرف بوثائق بنما ويثبت تورطهم؟
- إنّ تولينا لوزارة تعنى بالحوكمة ومكافحة الفساد يحتّم علينا تكريس المبادئ المتفق عليها للحوكمة واحترامها احترامًا كليًا. ولعله من المفيد هنا التذكير بأنّ مبدأ علوية القانون هو دعامة كبرى ومبدأ أساسي للحوكمة. ويفترض هذا المبدأ احترام الحقوق الأساسية للأفراد ومن هذه الحقوق تمتّع الأشخاص بقرينة البراءة، حتى تثبت إدانتهم. كما أن هذا المبدأ يحتم احترام استقلالية القضاء، وهو ما نحن ملتزمون به، إذ إن القضاء قد تعهّد بالمسألة وسيكون تعاطينا مع هذه المسألة كالآتي: إذا ما تمّت إدانة شخص ما بمناسبة البحث في هذا الموضوع، وكان لهذا الشخص نفوذ في مؤسّسة اقتصادية، فإنّ هذه المؤسسة تمنع من المشاركة في الصفقات العمومية، إذ لم يكن له نفوذ في مؤسسة لها علاقة بالصفقات فإن القضاء مخول له اتخاذ العقوبات التي يراها مناسبة تجاه من تثبت إدانته.
* هناك 800 ملف فساد مالي بعشرات المليارات هي الآن معروضة على القطب القضائي المالي الذي يضم 8 قضاة فقط. هذا غير كافٍ ويتطلب سنوات طويلة من العمل والمتابعة. هل أنتم واعون بذلك؟ وهل تنسقون مع وزارة العدل لتجاوز هذا المشكل؟
- تحتاج عمليات البحث والتقصّي في ملفات الفساد المالي إلى تطوير مستمرّ للمهارات نظرًا لتعقّد عمليات الفساد المالي وتشعّبها وتعدد مسالك تبييض عائداتها. ونحن نسعى إلى تشريك أكبر عدد ممكن من القضاة في الدورات التكوينية المناسبة، التي تتاح لنا فرصة المشاركة فيها في إطار التعاون الدولي. كما أسدينا تعليماتنا إلى الأجهزة الرقابية التابعة للوزارة بتسهيل عمل السلطة القضائية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومدّهما بما يطلبانه من معطيات ووثائق، وكذلك خبرات، في إطار أعمال التحقيق في ملفات الفساد.كما تسعى الحكومة حاليًا لتعزيز إمكانيات القطب القضائي ليكون في وضعية تتماشى والأدوار التي بعهدته.
* هل ستتابعون مسألة استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج؟ وهل تعتقدون أن ذلك ممكن؟
- نعم، يحظى هذا الموضوع بقدر كبير من اهتمامنا، وسنباشر في القريب العاجل عملية النظر في مدى ملاءمة التشريع والإجراءات والسياسات الوطنية لمقتضيات الفصلين الثاني والخامس من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويتعلق الفصل الخامس من هذه الاتفاقية بمسألة استرداد الموجودات. وسنحاول ممارسة مزيد من الضغط على عدد من الدول والمنظمات الدولية لمساعدتنا على تعقب الأملاك المهربة واسترجاعها. كما تعمل الحكومة حاليًا على وضع إطار قانوني جديد لتفعيل استرجاع الأموال المهربة.
* واضح أن ملف الفساد ملف ثقيل ومتشعب ويتطلب آليات وخططًا وإرادة قوية لردع المخالفين ووقف النزف. ألا تخشى أن تغادر هذه الوزارة يومًا ما دون أن تكون قد حققت نتائج مهمة على درب الحد من الفساد؟
- أنا أسعى لوضع تجربتي وخبرتي في مجال مكافحة الفساد في خدمة بلدي ونحن مقتنعون بإمكانية تغيير الأمور نحو الأفضل، وهو ما نسعى إليه كل يوم بمساندة من الفريق الحكومي ونواب الشعب وعدد من منظمات المجتمع المدني.
ونحن مدركون أنّ التحدّيات كبيرة، وأنّ النجاح لا يكون إلاّ بالعمل الدؤوب والصادق في ظل وجود إرادة سياسية لمكافحة الفساد. علما بأن الفساد موجود في تونس كما في غيرها من البلدان حتى التي حققت نجاحًا في مكافحته، ولكن المهم هو بذل الجهد للتقليص من الفساد والحد من انتشاره، وأؤكد لكم أنّنا بدأنا في تحقيق بعض النجاحات.
* هل ستكتفون بالقوانين للحرب على الفساد أو هنالك برنامج ثقافية تزرع الفضيلة وتنهى عن الفساد بجميع أشكاله لتجنب الإضرار بالبلاد واقتصادها؟
- نبذل جهدًا كبيرًا للتسويق لميثاق سلوك وأخلاقيات العون العمومي مع العمل على إرساء مواثيق سلوك قطاعية، كما نحاول إرساء ثقافة الترشح للمناصب العليا، وقد بدأنا بالفعل في ذلك من خلال فتح باب الترشح لخطة المدير العام للمصالح الإدارية والوظيفة العمومية. كما أن مسألة التصريح بالمكاسب لعدد من المسؤولين السياسيين والإداريين تدخل في هذا الباب ونقوم الآن بإعداد مشروع نص قانوني مناسب.
ويتمثل المستوى الثاني في تشريك المواطن في الحرب ضد الفساد، أما المستوى الثالث، فإننا نقوم الآن باستكشاف سبله مع وزارتي التربية والثقافة أساسًا، ويتعلق بتعزيز روح المواطنة والمسؤولية والنزاهة لدى الناشئة، وهو ما سيمكّن من إعداد جيل جديد متشبع بمقومات النزاهة. ويضاف إلى كل هذا دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مرافقة عملية تغيير السلوك والعقليات.
* هل من برنامج يركز على إصلاح الإدارة التونسية لتكون إدارة محايدة وشفافة ونزيهة؟
- تشهد الإدارة التونسية، الآن عمليتي إصلاح جذريتين، تتمثلان في تحديث التصرف المالي من خلال مشروع القانون الأساسي للميزانية المعروض على مجلس نواب الشعب، الذي سيغير مقاربة التصرف من مقاربة مبنية على استهلاك الميزانية المالية المقررة إلى مقاربة مبنية على النجاعة، وكذلك تحديث التصرف في الموارد البشرية من خلال مراجعة النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية.
وسنشرع في مراجعة وتعديل الإجراءات بالإدارات العمومية وتعميمها مع التركيز في مرحلة أولى على الإجراءات ذات العلاقة المباشرة بالخدمات المقدّمة للعموم. وجدير بالذكر أن هذه الإصلاحات تتمّ بطريقة منفتحة وتشاركية، وتحتاج إلى بعض الوقت لتعطي ثمارها، إلا أننا مقرون العزم على استكمالها في أحسن الآجال.



«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
TT

«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)

رفضت حركة «حماس»، الخميس، التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي اتهمتها فيه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واعتبرت أن ما ورد فيه ما هو إلا «أكاذيب»، وأن الدوافع خلفه «مغرضة ومشبوهة».

خلص تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية إلى أن «حماس» ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبحق الرهائن الذين احتجزتهم في قطاع غزة.

وقالت المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً إن تقريرها الذي نُشر الأربعاء حلّل أنماط الهجوم والاتصالات بين المقاتلين أثناء الهجوم، وبيانات أصدرتها حركة «حماس»، وتصريحات من قادة جماعات مسلحة أخرى.

ووفقاً لـ«رويترز»، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 70 شخصاً، منهم ناجون وعائلات قتلى وخبراء طب شرعي وعاملون احترافيون في القطاع الطبي، وزارت بعض مواقع الهجوم، وراجعت أكثر من 350 مقطع فيديو وصورة فوتوغرافية لمشاهد الهجوم وللرهائن أثناء أَسرهم. وخلص تحقيق المنظمة إلى أن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية شملت القتل والإبادة والسجن والتعذيب والاغتصاب، إضافة إلى أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي والأفعال اللاإنسانية.

وقالت المنظمة في بيان: «ارتُكبت هذه الجرائم في إطار هجوم واسع النطاق وممنهج على سكان مدنيين. خلص التقرير إلى أن المقاتلين تلقوا تعليمات بتنفيذ هجمات تستهدف مدنيين».

ووفقاً لإحصاءات إسرائيلية، ولمنظمة العفو الدولية، قُتل نحو 1200 معظمهم من المدنيين، في هجوم «حماس»، وجرى احتجاز 251 رهينة، من بينهم أطفال. وجرى الإفراج عنهم جميعاً باستثناء واحد منذ ذلك الحين، معظمهم في إطار وقف إطلاق النار، وبعضهم في عمليات عسكرية إسرائيلية.

وخلص تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ورفضت إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية، وقالت إن حربها ضد «حماس» وليس ضد الفلسطينيين.

رفض «حماس»

وقالت «حماس» في بيان: «ترديد التقرير أكاذيب ومزاعم حكومة الاحتلال حول الاغتصاب والعنف الجنسي وسوء معاملة الأسرى، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هدف هذا التقرير هو التحريض وتشويه المقاومة عبر الكذب وتبني رواية الاحتلال الفاشي، وهي اتهامات نفتها العديد من التحقيقات والتقارير الدولية ذات العلاقة».

وذكرت «حماس»: «نرفض ونستهجن بشدة التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم». وأضافت: «نطالب منظمة العفو الدولية بضرورة التراجع عن هذا التقرير المغلوط وغير المهني».

ولم يعلق المسؤولون الإسرائيليون بعدُ على تقرير المنظمة.


العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، الخميس، القوى السياسية والقبلية والاجتماعية في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق) إلى توحيد الصف خلف جهود الدولة والسلطات المحلية، بهدف احتواء تداعيات التصعيد الأمني والعسكري في المحافظتين.

وفي حين أشاد العليمي بالدور السعودي لإنهاء التوتر، حذر من انعكاسات هذه التوترات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي بدأت مؤشراتها بالظهور، مع إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته الحيوية في اليمن نتيجة تفاقم البيئة الأمنية.

ونقل مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي شدّد، خلال اتصالَين هاتفيَين مع محافظَي حضرموت سالم الخنبشي، والمهرة محمد علي ياسر، على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج المحافظتين، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها الأمني والخدمي وفقاً للدستور والقانون.

كما أعاد التأكيد على توجيهاته السابقة بإجراء تحقيق شامل في جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بما وصفها بـ«الإجراءات الأحادية» للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مع التشديد على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وحذّر العليمي من خطورة أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى إراقة مزيد من الدماء ويعمّق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، مشدداً على أن الأولوية الوطنية يجب أن تبقى منصبّة على مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، باعتبارها التهديد الأكبر للأمن والاستقرار.

وأشاد بجهود السعودية في خفض التوتر ودعم الاستقرار في محافظتَي حضرموت والمهرة، مؤكداً دعم الدولة الكامل لهذه الجهود، وحرصها على تعزيز دور السلطات المحلية في حماية السلم الاجتماعي ورعاية مصالح المواطنين.

إعادة الأمور إلى نصابها

حسب المصدر الرئاسي، شدد العليمي على ضرورة إعادة الأوضاع في المحافظتين إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، واحترام مرجعيات المرحلة الانتقالية، وتمكين الحكومة والسلطات المحلية من أداء واجباتها الدستورية.

وحذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون «لا تحتمل فتح مزيد من الجبهات الداخلية»، داعياً جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة العامة وعدم التفريط بالمكاسب الوطنية المحققة خلال السنوات الماضية، بما يضمن تركيز الجهود على المعركة الرئيسية ضد الحوثيين والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معهم.

وتأتي دعوة العليمي في سياق أوسع من الرفض للإجراءات الأحادية في الشرق. فقد أصدر مجلس النواب بياناً عبّر فيه عن رفضه القاطع لأي تحركات عسكرية خارج إطار التوافق الوطني والمرجعيات السياسية، معتبراً التطورات الأخيرة «مخالفة صريحة للشرعية الدستورية وصلاحيات مجلس القيادة الرئاسي».

وفد سعودي زار حضرموت في شرق اليمن للتهدئة وتثبيت الاستقرار (سبأ)

وكان اللواء محمد القحطاني، الذي ترأس وفداً سعودياً زار حضرموت، قد شدد على أن الرياض ترفض «أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة» في المحافظتين، وتؤيد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

وأكد القحطاني أن السعودية، بصفتها قائدة لتحالف دعم الشرعية، تعمل على حلّ الأزمة عبر حزمة من الإجراءات تم الاتفاق عليها مع مختلف الأطراف، بما يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي.

وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار، ومنع انزلاق شرق اليمن إلى صراعات جديدة. ووفق الإعلام الرسمي اليمني، فقد شملت مباحثات الوفد ترتيبات عاجلة للتهدئة ووقف التحشيدات، بالتوازي مع دعم السلطات المحلية وتمكينها من أداء مهامها.


الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)

حذّرت الأمم المتحدة من اتساع غير مسبوق في رقعة الاحتياجات الإنسانية باليمن خلال العام المقبل، مؤكدة أن البلاد تتجه نحو إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ما لم يتوفر التمويل العاجل لخطة الاستجابة.

وأظهر أحدث البيانات الأممية أن 23.1 مليون يمني (نحو ثلثي السكان) سيحتاجون إلى مساعدات منقذة للحياة، في وقت أعلنت فيه المنظمة الدولية حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لتمويل خطة لن تصل إلا إلى أقل من نصف هذا العدد.

وجاء هذا التحذير في سياق نداء تمويلي جديد شددت فيه الأمم المتحدة على أن خطة الاستجابة للعام المقبل ستستهدف فقط 10.5 مليون شخص، وأن التدخلات ستركز بشكل صارم على الجوانب الأشد إلحاحاً، مثل منع المجاعة، وعلاج سوء التغذية، واحتواء تفشي الأمراض، خصوصاً في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات.

إلا إن الخطة لم تقدم توضيحات بشأن كيفية تنفيذ الأنشطة في مناطق سيطرة الحوثيين التي تشهد قيوداً متصاعدة، بعد أن أغلقت الجماعة مكاتب تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، واعتقلت العشرات من موظفيها، بينهم 59 موظفاً أممياً.

23.1 مليون يمني سيكونون دون مساعدات مع حلول العام الجديد (إعلام محلي)

وفي سياق استعراضها الأوضاع، أكدت الأمم المتحدة أن استمرار الصراع، وتدهور الاقتصاد، والصدمات المناخية، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول الإنساني، ونقص التمويل... كلها عوامل عمّقت الاحتياجات الإنسانية بدرجة غير مسبوقة.

وكشفت بيانات خطة الاستجابة عن وجود 18.1 مليون شخص يواجهون بالفعل انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، منهم 5.8 مليون شخص يعيشون مستويات جوع طارئة، و40 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة المباشرة.

كما يعاني 2.5 مليون طفل دون الخامسة و1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، وسط تراجع كبير في برامج التغذية والدعم الغذائي خلال الأشهر الماضية.

تفاقم انهيار الخدمات

أوضحت الأمم المتحدة أن الخدمات الحيوية، مثل الرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي، والمأوى... تعرضت لانهيار كبير خلال العامين الماضيين، مشيرة إلى أن 8.41 مليون شخص يواجهون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، فيما يعيش 15 مليوناً في ظل انعدام الأمن المائي، ويُحرم 17.4 مليون شخص من خدمات الصرف الصحي والنظافة.

كما تسبب ضعف البنية الأساسية والاجتماعية في زيادة الاحتياج إلى خدمات الحماية لأكثر من 16 مليون شخص، بينهم 4.7 مليون نازح داخلي يتوزعون على مئات المخيمات ومواقع النزوح، إلى جانب 6.2 مليون شخص (غالبيتهم نساء وفتيات) يحتاجون إلى خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

1.3 مليون يمنية يواجهن سوء التغذية الحاد مع تراجع الدعم الدولي (إعلام محلي)

ويضاف إلى ذلك 2.6 مليون طفل خارج المدرسة؛ بسبب النزوح، والفقر، والتدهور المستمر في البنية التعليمية، فيما تأثر أكثر من 1.5 مليون شخص بالصدمات المناخية، مثل الفيضانات والعواصف خلال العام الحالي.

وتوضح هذه المؤشرات أن الوضع في اليمن يسير نحو مزيد من الانهيار ما لم يُتعامل معه بحزمة عاجلة من التمويل والتدخلات الميدانية، مع رفع القيود التي تعرقل وصول المساعدات إلى الفئات الأضعف.

قيود الحوثيين

ومنذ أغسطس (آب) الماضي، تضاعفت القيود التي يفرضها الحوثيون على أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى في مناطق سيطرتهم، حتى وصلت إجراءاتهم إلى اقتحام مكاتب أممية ومصادرة أصولها وإغلاقها؛ مما أدى إلى توقف برامج أساسية، مثل «برنامج الأغذية العالمي» الذي كان يوفر مساعدات لنحو 13 مليون يمني.

وتقول الأمم المتحدة إن هذه الإجراءات حرمت ملايين اليمنيين من التدخلات الأساسية، خصوصاً مع تقييد حركة العاملين الإنسانيين واعتقال موظفين أمميين منذ فترات طويلة دون إجراءات قانونية.

الحوثيون أغلقوا مكاتب الأمم المتحدة واعتقلوا 59 من موظفيها (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، جدد الأمين العام للأمم المتحدة الإعراب عن «قلقه البالغ» من استمرار احتجاز الحوثيين 59 من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات العاملين في منظمات غير حكومية وبالمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

وقال المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، إن المحتجزين يخضعون للعزل عن العالم الخارجي؛ «بعضهم منذ سنوات»، دون أي إجراءات قانونية، في انتهاك واضح للقانون الدولي الذي يكفل لهم الحصانة، خصوصاً بشأن مهامهم الرسمية.

ودعا دوجاريك سلطات الحوثيين إلى التراجع عن إحالة هؤلاء الموظفين إلى محكمتهم الجنائية الخاصة، والعمل فوراً وبحسن نية على الإفراج عن جميع المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والسلك الدبلوماسي.

وأكد أن الأمم المتحدة ستظل ملتزمة دعم الشعب اليمني وتقديم المساعدات الإنسانية «وفق مبادئ الحياد وعدم التحيز»، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عملها في البلاد.