تصدع بين طهران ودمشق حول استراتيجية الحرب في سوريا

مصادر مقربة من الحرس الثوري تنتقد تخاذل الفرقة التي يديرها ماهر الأسد

تصدع بين طهران ودمشق حول استراتيجية الحرب في سوريا
TT

تصدع بين طهران ودمشق حول استراتيجية الحرب في سوريا

تصدع بين طهران ودمشق حول استراتيجية الحرب في سوريا

مضت إيران أمس في دفن قتلاها الذين جرى نقلهم جوًا من سوريا، بينما حاول «المرشد الأعلى» علي خامنئي تهدئة الرأي العام الذي استشاط غضبًا جراء تفاقم تكاليف خوض حرب بعيدة عن أرض الوطن تجهل الغالبية العظمى من الإيرانيين حقيقتها.
وبدأت أربعة بعثات، جرى تعيينها من جانب خامنئي، سلسلة من الزيارات إلى المدن التي تكبدت أكبر قدر من الخسائر البشرية في غضون الأسابيع الأخيرة، حاملين رسالة تعزية خاصة ووعدًا بتقديم العون إلى الأسر المنكوبة.
كما أفرزت صدمة الخسائر أول المؤشرات على حدوث شقاق بين طهران ودمشق وموسكو، فيما يخص استراتيجية الفوز في الحرب الدائرة بسوريا.
من جهته، قال المحلل العسكري، حميد زمردي: «حصدت المعارك التي اشتعلت مؤخرًا حول حلب أرواح عشرات الإيرانيين، كان الكثيرون منهم من وحدات نخبوية بالجيش والحرس الثوري. ويعني ذلك أن إيران تكبدت أفدح خسائرها منذ الحرب التي امتدت لثماني سنوات مع العراق وانتهت عام 1988».
من ناحية أخرى، يعج الفضاء الإلكتروني داخل إيران بتساؤلات حول حقيقة ما يدور على أرض الواقع، ومن يتولى مسؤولية الأمور وإلى أين تتجه البلاد. وتماشيا مع نهجها المعتاد المبهم، حملت وسائل الإعلام الرسمية بالجمهورية الإسلامية بعضا من أصداء هذه التساؤلات. وفي مقالها الافتتاحي بصدر صفحتها الأولى، أمس، وجهت صحيفة «كيهان» اليومية، التي من المعروف خضوعها لمراقبة مباشرة من قبل مكتب خامنئي، أصابع الاتهام إلى الرئيس السوري بشار الأسد.
وأشار المقال إلى أن «خطأ» الأسد يعني أن العلاقات متوترة كذلك بين طهران وموسكو. وادعت «كيهان» أن «إيران رفضت وقف إطلاق النار منذ البداية». وتمثل السبب وراء الرفض الإيراني في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تحاول إبطاء وتيرة، إن لم يكن الوقف الكامل، للهجمات الأخيرة التي نظمها كل من قوات بشار الأسد وطهران وموسكو.
وادعى المقال الافتتاحي أن وقف إطلاق النار، مكن «جبهة النصرة» و«جيش الفتح» من اتخاذ موقف الهجوم لاستعادة السيطرة على قرى استراتيجية. وجاءت السيطرة على خان طومان (جنوب حلب)، التي قاتلت الوحدات الإيرانية بضراوة للاحتفاظ بها، بمثابة نصر كبير لصالح «جبهة النصرة».
يذكر أن القرية والتي تغطي مساحة 123 كيلومترا مربعا، تحولت الآن إلى ما يشبه مدينة أشباح مع فرار غالبية سكانها إلى تركيا. ومع ذلك، أكدت «كيهان» أن خان طومان تبقى «جائزة استراتيجية كبرى»، لأنه يمكن استغلالها لخنق المرور عبر الطريق السريع الرابط بين حلب، أكبر المدن السورية من حيث السكان، ودمشق والزبداني.
ويكشف مقال «كيهان» الافتتاحي نقطة مهمة بادعائه أن جزءا من النجاح الذي حققته قوات «جبهة النصرة» يعود إلى صواريخ «تاو» المضادة للدبابات التي من المعتقد أنها جاءتهم من تركيا.
إلا أن هذا الادعاء يكشف أيضًا أن الوحدات الإيرانية، من «فرقة 25 كربلاء» ووحدة «القلنسوة الخضراء» التابعة للجيش النظامي، وفيلق «فاطميون» الذي يضم «متطوعين» أفغان وباكستانيين يسعون إلى نيل «الشهادة»، كانت تستخدم دبابات على الأقل في الإطار الدفاعي. بمعنى آخر، فإن ادعاء طهران المستمر بأن الإيرانيين موجودون في سوريا باعتبارهم «مستشارين عسكريين» فقط وأنهم لا يشاركون بالقتال، لا أساس له.
من ناحية أخرى، تشير سلسلة من التقارير التي نشرتها وكالات على صلة بالحرس الثوري الإسلامي إلى أن الكثير من الإيرانيين ممن قتلوا في خان طومان سقطوا في خضم حرب شوارع مع مسلحين سوريين.
من ناحيتها، ادعت وكالة أنباء «فارس» أن القوات الإيرانية المدافعة عن القرية نجحت في «القضاء على مئات الإرهابيين» أثناء أعمال قتال. ويبقى الأمر المؤكد هنا أنه عندما أجبرت على الانسحاب، خلفت الوحدات الإيرانية وراءها العشرات من قتلاها.
وتبعًا لما أعلنه الحرس الثوري الإسلامي، فإن 12 جثة على الأقل سقطت بأيدي «جبهة النصرة». إلا أن حكومة الأسد تحدثت عن جثث أخرى خلفتها القوات وراءها مبعثرة في شوارع القرية.
وبينما عجت طهران بتقارير حول احتمالات تدخل قطر، وقد تركيا، للوساطة بهدف معاونة إيران على استعادة جثث قتلاها، تعهدت قيادات عسكرية كبرى في طهران بالانتقام لما حدث لقواتهم في مأساة خان طومان.
وفي تصريحات لموقع «تابناك» الإلكتروني، قال القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي إنه يجب التعامل مع استعادة خان طومان كأولوية. وكان الميجور جنرال المتقاعد قد عاد مؤخرًا للخدمة، وتشير تقارير إلى أن دوره يتمثل في تنسيق العمليات داخل سوريا والتي افتقرت إلى التوجيه منذ عام 2012.
من جهتها، عرضت وكالة أنباء إلكترونية أخرى مقربة من الحرس الثوري، «رجا»، تحليلاً مسهبًا، الثلاثاء، حمل انتقادات قاسية للرئيس الأسد والمعاونين له. وتساءل التحليل: «لماذا تختبئ أفضل عناصر القوات السورية خلف مبرر وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا والولايات المتحدة، لتفسير عدم تقديمها العون لإيران وحلفائها؟».
ووجه التحليل انتقادات خاصة للفرقة المدرعة الرابعة من الجيش السوري، بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، لبقائها بمنأى عن «الأماكن التي دار بها القتال». وقالت الوكالة إن «هذه الفرقة تملك مئات الدبابات وأفضل المعدات، ومع ذلك احتفظت بها كاحتياطي». وطالبت الوكالة بنشر هذه الفرقة في إطار عملية لاستعادة خان طومان.
إلا أنه على أرض الواقع تتولى هذه الفرقة مسؤولية حماية جزء من العاصمة دمشق، حيث يعيش ويعمل الرئيس الأسد وكبار مساعديه. وسيأتي نقل هذه الفرق من مكانها بمثابة دعوة إلى تنظيم «داعش» الذي تتمركز قواته على بعد خمسة أميال فقط، لاقتحام العاصمة.
من جهته، أوضح المحلل المعني بالشؤون الإيرانية ناصر زماني، أن «هناك قطعًا صدعا بين طهران ودمشق فيما يخص الاستراتيجية المتبعة»، مضيفًا أن «طهران، أو على الأقل جزءا من القيادة الموالية لخامنئي، لا تزال تحلم بتحقيق نصر عسكري شامل في سوريا، لكنها تفتقر إلى الأدوات اللازمة لإنجازه. على الجانب الآخر، يعي الإيرانيون جيدًا أن هذا النصر العسكري الشامل في حكم المستحيل، ويأمل في أن يضمن لنفسه مكانًا بمعاونة موسكو وطهران، أو على الأقل البقاء حيًا لأطول فترة ممكنة».
في تلك الأثناء، من المقرر إقامة صلاة جنازة خاصة، الجمعة، بالكثير من المدن الإيرانية على أرواح من قتلوا في سوريا والذين لم تعلن أعدادهم رسميًا حتى الآن.



اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)
لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)
TT

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)
لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

وبذلك ألغت السلطات المصرية استثناءات سابقة لدخول السوريين القادمين من دول الخليج وأوروبا وأميركا إلى أراضيها، وفق مصادر مصرية وسورية أرجعت ذلك، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «اعتبارات أمنية»، في وقت يخشى أعضاء الجالية السورية في مصر أن «تتسبب هذه الإجراءات في ارتباك لكثير من الأسر المقيمة».

ويُقيم في مصر ما يقرب من مليون ونصف المليون سوري، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، فيما يصل عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين بالقاهرة إلى نحو 148 ألف لاجئ فقط.

استثمارات واسعة قام بها مهاجرون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

ووفق مصادر مصرية مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الاشتراطات تتضمن حصول السوريين من حاملي الإقامة الأوروبية والأميركية والكندية ودول الخليج على موافقة أمنية أو تأشيرة دخول من إحدى السفارات المصرية بالخارج قبل السفر إلى مصر». وأوضحت المصادر أن «القرارات جرى تطبيقها بداية من هذا الأسبوع لـ(دواعٍ أمنية)».

وقال الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، إن «السلطات المصرية ألغت الاستثناءات الخاصة بإعفاء السوريين الذين يحملون إقامات بدول الخليج أو أوروبا أو أميركا من التصاريح الأمنية».

ويرى الأتاسي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «اشتراطات السلطات المصرية الأخيرة تأتي لاعتبارات أمنية مؤقتة، في ضوء التغيير الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد»، لكنه يخشى أن تتسبب تلك القرارات في «إرباك للجالية السورية في مصر، خصوصاً لمن لديهم أبناء في الخليج وأوروبا، حيث يصعب جمع شتات تلك الأسر».

وشكا المطرب السوري المقيم في مصر، سامو زين، من أنه «تم منعه من السفر من مطار دبي إلى القاهرة بناءً على القرارات الجديدة»، ودعا «السلطات المصرية إلى مساعدته للسفر، لالتزامه بحفل مسبق في مصر»، حسب مواقع وصحف محلية تداولت منشوراً له على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يحذفه.

ولا يرى الأتاسي وجود تضييق على وجود السوريين في مصر، وقال إنه «لا توجد اشتراطات أو قرارات جديدة تخص إقامة السوريين في مصر».

ورفضت السفارة السورية في القاهرة التعقيب على الإجراءات الجديدة، وأشار مصدر بالسفارة إلى أن «الإجراءات أمنية وتنظيمية، وهي من اختصاص السلطات المصرية»، حيث يتعلق الأمر بالقادمين فقط.

ولاقت تلك القرارات تفاعلاً على منصات التواصل الاجتماعي، مصحوباً بدعوات من بعض المستخدمين لعودة السوريين إلى بلادهم بعد تغيير النظام في سوريا بسقوط نظام بشار الأسد.

ويعتقد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، أن «الحكومة المصرية تتخذ إجراءات أمنية احترازية على وقع التغيير الذي تشهده سوريا»، وقال إن «إلغاء السلطات المصرية الإعفاءات للسوريين حاملي الإقامات بدول الخليج وأوروبا وأميركا جاء لعدم وجود جهات أمنية سورية يتم التنسيق معها»، مشيراً إلى أن «الحكومة المؤقتة في سوريا لا يمكن التعويل عليها حالياً لعدم وجود اعتراف دولي بها حتى الآن».

ويرى الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرارات الجديدة ستحد من حركة السوريين القادمين إلى مصر»، وقال إن «اشتراط الحصول على موافقة أمنية أو تأشيرة دخول مسبقة سيُصعِّب تحركات المهاجرين السوريين في الخارج للسفر إلى القاهرة».

وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات المصرية بتحديث إجراءات دخول السوريين إلى أراضيها، حيث ألغت وزارة الداخلية المصرية، في شهر أغسطس (آب) الماضي، «جميع الإعفاءات المقررة على تأشيرات وإقامات الرعايا السوريين المترددين والمقيمين بالبلاد»، وقررت «تحصيل رسوم التأشيرات والإقامات من كل السوريين»، حسب وزارة الداخلية المصرية.