مجموعة دعم سوريا تستعد للاجتماع في فيينا لتحريك المسار السياسي

لندن تستضيف اجتماعًا تقنيًا لبحث آلية المحافظة على الهدنة

البحث عن ناجين في موقع استهدفه طيران نظام الأسد بقرية حفسرجة بريف إدلب أمس (رويترز)
البحث عن ناجين في موقع استهدفه طيران نظام الأسد بقرية حفسرجة بريف إدلب أمس (رويترز)
TT

مجموعة دعم سوريا تستعد للاجتماع في فيينا لتحريك المسار السياسي

البحث عن ناجين في موقع استهدفه طيران نظام الأسد بقرية حفسرجة بريف إدلب أمس (رويترز)
البحث عن ناجين في موقع استهدفه طيران نظام الأسد بقرية حفسرجة بريف إدلب أمس (رويترز)

حدد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يوم 17 مايو (أيار) اجتماعا لمجموعة الدعم الدولية لسوريا التي تضم 17 دولة تدعم محادثات السلام ستجتمع في فيينا، بينما تستضيف العاصمة البريطانية اليوم، اجتماعا لمندوبي الدول العشر في مجموعة النواة الصلبة الداعمة للشعب السوري، لبحث الضمانات الخاصة بالوضع الأمني والمحافظة على الهدنة.
وقال كيري للصحافيين في لندن، أمس، إن «المجموعة الدولية لدعم سوريا ستجتمع رسميا لإكمال ما بدأناه مع الروس فيما يتعلق بهذا الاتفاق وللحديث عن كل شيء.. بدءا بالمدة والتطبيق وانتهاء بالعملية السياسية». وأضاف أنه يتوقع أن تجري المحادثات التي تشارك فيها أطراف الصراع «بعد ذلك بعدة أيام».
ويتضح من الاتصالات التي جرت في الساعات الـ48 الماضية أن الهيئة العليا للمفاوضات لن تعود إلى جنيف قبل أن تحصل على الضمانات التي تريدها بخصوص المسائل الثلاث، وهي الهدنة والمساعدات والمعتقلين، فضلا عن تطمينات بخصوص العملية الانتقالية، مما يعني أن المسألة السورية عادت مجددا إلى المربع الأول.
من جهة أخرى، ينطلق اجتماع لندن التقني، اليوم، من فشل طريقة مراقبة الهدنات السابقة والانتهاكات الكثيرة والمتكررة التي تعرضت لها، إلى درجة أنها أصبحت غير قائمة عمليا.
وأفادت المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بأن إحدى الأفكار المطروحة أن تعلن «لجنة متابعة الهدنة» المنبثقة عن مجموعة الدعم لسوريا التي ترأسها واشنطن وموسكو، عن نتائج التحقيقات التي تتوصل إليها بشأن الانتهاكات المرتكبة، باعتبار أن أمرا كهذا سيشكل «رادعا» للطرف المنتهك. وحتى الآن، لم يكن يتسرب شيء عن التحقيقات. ويريد الأوروبيون والخليجيون، إلى ذلك، أن يتشاركوا المعلومات التي كانت محصورة في الطرفين الروسي والأميركي من خلال غرفة حميميم الروسية في سوريا والغرفة الأميركية في عمان. ومؤخرا، اتفق الروس والأميركيون على إقامة غرفة عمليات مشتركة في قصر الأمم في جنيف تعمل ليل نهار وعلى تواصل دائم مع الغرفتين المحليتين.
إضافة إلى اجتماع لندن «التقني» اليوم، تتجه الأنظار إلى لقاء مجموعة الدعم لسوريا يوم 17 الجاري على المستوى الوزاري وبحضور وزيري خارجية روسيا وإيران. وترى المصادر الغربية أن الاجتماع «سيكون ناجحا إذا استطاع المجتمعون أن يعيدوا فرض هدنة عامة تتمتع بالصدقية وبشكل دائم وليس لساعات هنا وهناك، مع توفير الآلية الملزمة الضرورية لمراقبتها ومحاصرة الانتهاكات التي يمكن أن تصدر من هنا أو هناك». بيد أن أمرا كهذا «لن يكون كافيا»، إذ يريد الغربيون والخليجيون «خطوات ميدانية إضافية»، مثل «تجميد» خطوط القتال وإخراج الطيران من سماء المعركة والتوقف عن استخدام «النصرة» حجة للاستمرار في العمليات العسكرية، إضافة إلى فتح الطرق لإيصال المساعدات الإنسانية ومعالجة موضوع المعتقلين. وإذا توافرت هذه الشروط يمكن عندها العودة إلى محادثات تتسم بالجدية، ولا تخضع لما يحصل ميدانيا من مفاجآت.
بيد أن أهدافا مثل هذه تبدو بالغة الطموح، وربما لن يتوصل إليها المجتمعون في فيينا. وترى المصادر الغربية أن الجهة الوحيدة التي تستطيع أن توفر «الضمانات» مزدوجة الهوية، هي روسيا وإيران. ومشكلة الخليجيين وعدد من الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا أنها لا ترتاح لـ«ليونة» الوزير الأميركي الذي «له فلسفته وتوجهاته واهتماماته، وأولها رغبته في إبقاء الطرف الروسي داخل اللعبة، وقناعته أنه عن طريق الحوار والسلاسة لا يمكن إلا أن يساهم إيجابيا في الحل». وتضيف هذه المصادر أن كيري «يريد الاستمرار في علاقة خاصة مع لافروف، راجيا توظيفها من أجل الدفع لحل سياسي». وردها على المنطق الأميركي أن «خمس سنوات قد مرت ولا شيء يثبت أن موسكو يمكن أن تحيد عن خطتها أو أن الليونة التي أظهرها الغربيون بفعل الرغبة في محاربة الإرهاب والحفاظ على بنى الدولة السورية، مثل القبول بأن يبقى الأسد في السلطة حتى نهاية المرحلة الانتقالية، قد لاقتها موسكو بخطوات إلى منتصف الطريق». ومن الأدلة الإضافية أن البيان الأميركي - الروسي خلا من الإشارة إلى العملية السياسية «الانتقالية» التي هي أساس ولب المشكلة، كما لم يشر إلى الوضع في حلب إلا لماما. أما تشديد البيان على رغبة مشتركة روسية - أميركية «لمضاعفة الجهود» المتبادلة، كل من جانبه، والتأكيد على وقف الأعمال القتالية، فقد لاقاها موقف مشترك عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت بأن المهم «أن تتحول إلى أفعال ولا تبقى أقوالا»، لا بل إن الوزير كيري نفسه، وصفها بعد الاجتماع بأنها «كلام على الورق وليس أفعالا». لكن واشنطن نجحت، من خلال البيان المشترك مع موسكو في «تجنب الضغوط» التي كانت ستتعرض لها وإظهار أنها «ما زالت ممسكة بالملف وفاعلة».



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».