رئيس الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك: «المركزي الأميركي» يسير في المسار الصحيح

دودلي توقع رفع سعر الفائدة مرتين خلال العام الحالي

ويليام دودلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك
ويليام دودلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك
TT

رئيس الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك: «المركزي الأميركي» يسير في المسار الصحيح

ويليام دودلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك
ويليام دودلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك

بدأ ويليام دودلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، هادئا بدرجة كبيرة حيال الوضع الاقتصادي الحالي للولايات المتحدة.
في مقابلة شخصية جرت يوم الجمعة الماضي، أفاد دودلي أنه يرى نموا متواصلا على الرغم من بعض الضربات في الشهور الأولى من العام الحالي، وهو ما يراه نموا كافيا للبنك الفيدرالي كي يعود تدريجيا لرفع سعر الفائدة البنكية على الودائع. وفي حال تعثر النمو، وفق دودلي، سوف يكون العلاج متاحا لدى البنك الفيدرالي.
أضاف دودلي أنه لا يزال من «المنطقي توقع» رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة مرتين خلال العام الحالي. وأضاف خلال حوار جرى في مقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بمنطقة لوار مانهاتن، بأنه يعتقد «أن الإجراءات الاقتصادية بصفة عامة خلال السنوات القليلة الماضية سليمة وأننا لا نزال في المسار الصحيح».
وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تعرض لبعض الانتقادات خلال الشهور الماضية بأن الإجراء الذي اتخذه لرفع سعر الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي للمرة الأول منذ الأزمة المالية عام 2008 جاء قبل أوانه. ففي الشهور التي أعقبت الإجراء تراجعت معدلات النمو المحلية والعالمية على غير المتوقع، وزادت التقلبات في الأسواق العالمية بوتيرة عالية.
وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتثبيت المعدلات عند مستوى الصفر لتشجيع الاقتراض والإقدام على المخاطرة في الأعمال، وهو ما أدى إلى تحفيز النمو الاقتصادي، ومع زيادة البنك لمعدلات الفائدة أخذت تلك الحوافز في التضاؤل.
من وجهة نظر دودلي، فإن البنك الفيدرالي يحافظ على توازنه عن طريق التحرك ببطء.
أفاد دودلي كذلك أنه لا يزال يتوقع نموا بواقع 2 في المائة خلال العام القادم، ووصف الوضع العالمي بـ«الأفضل كثيرا»، وأن الأوضاع المالية قد تحسنت «بدرجة كبيرة»، وحتى الإنفاق الحكومي أخذ في الارتفاع باعتدال الآن.
«إذا كان هذا هو شكل الاقتصاد، فأعتقد أن المزيد من إجراءات البنك الفيدرالي في الطريق كي تجعل أسعار الفائدة في معدلاتها الطبيعية»، وفق دودلي، لكنه أكد أن سرعة تنفيذ ذلك سوف تحددها البيانات الاقتصادية الحقيقية.
ربما يكون دودلي، 63 عاما، أهم صانعي القرارات في الولايات المتحدة ممن لم يجر انتخابهم أو يعتمدهم الكونغرس. ويضطلع بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، الذي يعد هيئة شبه عامة، بمراقبة أسواق وول ستريت وتنفيذ سياساته (البنك الفيدرالي) المالية. ويتولي دودلي رئاسة البنك الفيدرالي منذ عام 2009. إضافة إلى شغله لمنصب نائب رئيس لجنة سياسات البنك، وهو المدير الوحيد لأحد بنوك الاحتياطي النقدي الذي يتمتع بحق التصويت بشكل دائم.
وعمل دودلي في السابق اقتصاديا لدى مؤسسة غولدمان ساكس المالية وكان ينظر إليه ممثلا لمؤسسة معنية بصحة أسواق المال بشارع وول ستريت أكثر مما تعني بالأعمال على أرض الواقع. وكانت التساؤلات عن كفاءة بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك وقدرته التنظيمية وعلاقته بمؤسسة غولدمان بصفة خاصة هي أكثر ما ميز فترة رئاسته للبنك.
ويشغل دودلي حاليا منصب كبير مستشاري رئيسة البنك المركزي الأميركي الجديدة، جانيت يلين، التي تعد أحد أقوى المدافعين عن حملة حوافز البنك الفيدرالي التي تهدف إلى تقليص معدلات البطالة وتحسين أداء الاقتصاد بصفة عامة.
قال دودلي في مقابلة شخصية: «لا أستطيع أن أمحي تاريخي الوظيفي»، مضيفا: «أتمنى أن يحكم الناس عليَّ من أفعالي، وأتمنى أن تكون أفعالي قد عكست إلى حد كبير اهتمامي بالوضع الاقتصادي وقطاع الأعمال على أرض الواقع، لا بأسواق المال في وول ستريت».
اعترض دودلي على منتقديه ممن قالوا: «إن البنك الفيدرالي في حاجة إلى إعادة هيكلة، وهي الانتقادات التي دفعت الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى تقديم مقترحات لمحاسبة البنك والحد من صلاحياته».
وأفاد دودلي أن إجراءات إنقاذ البنوك الكبيرة أثناء الأزمة كانت ظالمة بدرجة كبيرة، بيد أنها كانت ضرورية، محذرا من أن أي تغييرات يجب أن تركز على تحسين قدرة البنك على تحقيق أهدافه، لا على معاقبته.
«لو أنك نظرت إلى أداء البنك على مدار السنوات القليلة الماضية، ستعلم أنني كنت أتحاشى أن نصبح في وضع يماثل غيرنا من دول العالم».
إن طريقة عمل البنك الفيدرالي تجعله يعمل بمعزل عن الضغوط السياسية وذلك ليتمكن من تحقيق أشياء قد لا تلقى قبولا شعبيا لكنها في الوقت نفسه عصب في صالح الناس اقتصاديا على المدى البعيد. ففي أعقاب الأزمة المالية، قام الكونغرس بتقليص صلاحيات الإقراض التي كان البنك الفيدرالي يتمتع بها في السابق، ولا يزال بعض أعضاء الكونغرس يدفعون في اتجاه فرض المزيد من القيود.
غير أنه في تصريح صدر الأسبوع الماضي في منطقة فرناندينا بيتش، بولاية فلادلفيا، قال دودلي إنه يتعين على الكونغرس التفكير في السماح للبنك الفيدرالي بزيادة سلطاته فيما يخص منح القروض الطارئة، وذلك لتسهيل إقراض المؤسسات الآمنة، مضيفا: «أعتقد أن ذلك أحد العيوب الكامنة لنظامنا، ويجب علينا إعادة تقييم هذا الوضع»، مشيرا إلى أن تلك المؤسسات باتت تخضع الآن لرقابة متزايدة.
غير أن دودلي لا يرى أي أزمات في الأفق القريب؛ إذ إن معدلات الفائدة المنخفضة تستطيع تشجيع كثير من المضاربة والخلل الاقتصادي كما كانت الحال قبل الأزمة المالية العالمية، لكن حملة حوافز البنك الفيدرالي حتى الآن لم يسفر إلا عن القليل من مظاهر التحسن، ولم يتبق سوى القليل من مظاهر السخونة.
«فيما يخص تلك النقطة، دعوني أقول: إنني لا أرى الكثير من الأمور التي تضايقني».
أضاف أن مخاطر الركود الاقتصادي تبدو متدنية «بدرجة كبيرة»، ومن غير المرجح أن يرفع البنك من معدلات الفائدة بشكل كبير، ولذلك فإن الخطر الوحيد يكمن في حدوث صدمة غير متوقعة للاقتصاد.
ودعا دودلي كذلك إلى التفاؤل بشأن قدرة البنك الفيدرالي على إنعاش النمو الاقتصادي حال حدوث فترات انكماش قادمة، وهو الأمر الذي يراه قادما لا محالة. وأشار إلى أنه «في بعض النواحي لدينا ذخيرة أكثر مما كان لدينا منذ عشر سنوات مضت؛ لأننا ببساطة ابتكرنا أساليب جديدة نعلم أنها مؤثرة»، في إشارة إلى الإجراءات التي طبقها البنك في مرحلة ما بعد الأزمة المالية مثل الوعد بخفض معدل الفائدة على الودائع لمدة طويلة، وشراء سندات أذون الخزانة وصكوك رهن بكميات كبيرة.
ومن ضمن الأشياء التي لا يفكر فيها دودلي بشكل جدي فكرة تطبيق سعر فائدة سلبي مثلما فعلت أوروبا واليابان. «هذا من ضمن الأشياء التي لا أشغل وقتا طويلا في التفكير فيها، وليست من الأمور التي أعتزم تنفيذها الآن أو حتى مستقبلا»، بحسب دودلي على الرغم من أنه قال: «إنه لا يستبعد أي شيء».
أعد دودلي قائمة بأسباب استمرار حالة التباطؤ في النمو المحلي لخصها في التالي: «إحجام المقترضين عن الاقتراض، وإحجام المقرضين عن الإقراض، ارتفاع أعمار السكان، ضعف الاقتصاد العالمي».
وفي ذات السياق، أفاد جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بسنت لويس، في مقابلة شخصية أنه شعر بالقلق من استمرار الأوضاع الضعيفة ومن أن يجد البنك الفيدرالي نفسه عاجزًا عن رفع معدلات الفائدة، وهو القلق نفسه الذي يشعر به غيره من الاقتصاديين.
وبنظره أكثر تفاؤلا، قال دودلي إن تذبذب النمو استمر على حالته الضحلة، ولذلك قد تدفع بعض التغييرات الطفيفة في المنظور القريب البنك الفيدرالي لأن يؤجل رفع معدلات الفائدة لعدة شهور.
وتسبب ذلك في حدوث مشكلة في التواصل للبنك الفيدرالي الذي يحاول أن ينحي جانبا ممارسات ما بعد الأزمة المالية التي تمثلت في توقع توقيت رفع معدل الفائدة، وبدلا من ذلك اتجه البنك لتشجيع المستثمرين على التركيز على البيانات الاقتصادية.
أضاف دودلي: «أعتقد أن أي إرشادات للمضي قدما الآن تبدو بسيطة جدا»، مضيفا: «الفكرة هي أننا نتوقع أن يتم رفع سعر الفائدة تدريجيا». بيد أن كل مؤشرات النمو، والتضخم، ومعدلات الفائدة لا تزال تشير كلها للأعلى.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.