الهيمنة على اقتصاد العالم.. من «العم سام» إلى «التنين الصيني»

تقديرات بتفوق مساهمة بكين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2018

لقطة أرشيفية للقاء الرئيسين الصيني والأميركي أثناء قمة المناخ الأخيرة في باريس (رويترز)
لقطة أرشيفية للقاء الرئيسين الصيني والأميركي أثناء قمة المناخ الأخيرة في باريس (رويترز)
TT

الهيمنة على اقتصاد العالم.. من «العم سام» إلى «التنين الصيني»

لقطة أرشيفية للقاء الرئيسين الصيني والأميركي أثناء قمة المناخ الأخيرة في باريس (رويترز)
لقطة أرشيفية للقاء الرئيسين الصيني والأميركي أثناء قمة المناخ الأخيرة في باريس (رويترز)

يشير الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة - سلبًا أو إيجابًا - إلى ما إذا ما كان الاقتصاد هو في حالة انكماش أو حالة من التوسع والانتعاش، ومجموع الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول ينتج عنه إجمالي الناتج المحلي العالمي. وخلال العقد الماضي، أظهرت البيانات مدى تراجع مساهمة الاقتصاد الأميركي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين ارتفعت مساهمة الاقتصاد الصيني في النمو العالمي.
ووفقًا لبيانات «Investopedia» - وهو موقع تابع لمجلة «فوربس» العالمية - يعتبر الاقتصاد الأميركي هو الأكبر في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والبالغ 17.41 تريليون دولار بما يعادل نحو 22.44 في المائة من إجمالي الناتج العالمي. لذا ظلت الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية هي القوة الاقتصادية العظمى بما تملكه من التكنولوجيا الحديثة والبنية التحتية وموارد طبيعية وفيرة.
ومع ذلك، هناك قلق عالمي متنامٍ نتيجة فقدان أميركا من زخمها الاقتصادي خلال السنوات المُقبلة، ذلك بعد ظهور الأرقام المنخفضة في مؤشرين حيويين، هما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الحالي وتقرير الوظائف الأميركية خلال أبريل (نيسان) الماضي.
وأظهرت أحدث بيانات النمو - الصادرة عن الخزانة الأميركية - تباطؤ النمو الاقتصادي بوتيرة سنوية بلغت 0.5 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2016 انخفاضا عن نسبة 1.4 في المائة من النمو، المحققة في الربع الأخير من عام 2015، بما يمثل أبطأ وتيرة في عامين.
وكان التباطؤ في النمو الاقتصادي الأميركي أكبر من توقعات معظم الاقتصاديين، الذين أرجعوا التباطؤ إلى الانخفاض في الطلب المحلي وقوة الدولار الذي يضع مزيدا من الضغط على تنافسية الصادرات الأميركية في الأسواق العالمية.
وذكرت وزارة العمل الأميركية - في وقت سابق من الأسبوع الماضي - أن الاقتصاد الأميركي أضاف 160 ألف وظيفة خلال أبريل الماضي، أقل من زيادة سبتمبر (أيلول) الماضي وأقل بكثير من مستوى 202 ألف وظيفة المتوقعة من قبل الخبراء الاقتصاديين.
على الصعيد الآخر، حولت الصين نفسها من اقتصاد مغلق مخطط مركزيا في عام 1970 إلى اقتصاد مصنع ومصدر على مر السنوات الماضية. وحافظ الاقتصاد الصيني على مساهمة متساوية من الصناعات التحويلية والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي (كل بما يقرب من 45 في المائة) مع مساهمة متواضعة بنحو 10 في المائة في القطاع الزراعي.
وتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأميركي من حيث الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية. ومع ذلك، فإن الفرق بين الاقتصادين، من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لا يزال كبيرا. وتعد الصين حاليا ثاني أكبر اقتصاد عالمي بإجمالي ناتج محلي يبلغ 10.35 تريليون دولار، وحققت نموًا بلغ نحو 7 في المائة في السنوات الأخيرة.
وتشير تقديرات مجلس المؤتمر - وهو منظمة ذات عضوية تجارية ومجموعة بحثية غير ربحية معفاة من الضرائب وتعول ما يقرب من 1200 من الشركات العامة والخاصة ومنظمات أخرى - أنه بحلول عام 2018، ستتجاوز مساهمة الصين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مساهمة الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، فإن الاقتصاد الصيني أصبح أكثر هيمنة من الاقتصاد الأميركي.
وأوضحت بيانات المجلس أن الولايات المتحدة ساهمت بنحو 21.2 في المائة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي في عام 1970. وظل هذا ثابتا حتى عام 2000. وفي كل عام منذ ذلك الحين، مع استثناء واحد، انخفضت نسبة أميركا من الناتج الاقتصادي في العالم. وفي عام 2015، ساهمت الولايات المتحدة بنسبة 16.7 في المائة من اقتصاد العالم. وبحلول عام 2025، يتوقع المجلس أن تنخفض مساهمة الاقتصاد الأميركي إلى 14.9 في المائة.
على الجانب الآخر، في عام 1970 كانت الصين مسؤولة عن مجرد 4.1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت المساهمة إلى 15.6 في المائة في عام 2015. وفي عام 2025، من المتوقع أن ترتفع نسبة المساهمة إلى 17.2 في المائة من الاقتصاد العالمي. ومنذ عام 1990، ارتفعت نسبة الصين من الناتج الإجمالي العالمي كل عام، مع استثناء واحد في عام 1998، عندما انخفضت المساهمة بنسبة 1 في المائة.
وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 1.7 في المائة خلال السنوات السبع الأولى لفترة حكم باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، وبلغ النمو ذروته عند 2.5 في المائة في عام 2010، وهي السنة الثانية من ولايته. ومنذ بدأت الولايات المتحدة في تسجيل هذه البيانات، كان أوباما هو أول رئيس لم يشهد الاقتصاد الأميركي نموا خلال فترة ولايته بأكثر من 3 في المائة في السنة. علمًا بأنه منذ عام 1950 إلى عام 1999. تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في أميركا 3 في المائة نحو 34 مرة، أي بنسبة 68 في المائة من إجمالي عدد السنين. ومنذ ذلك الحين، نما الاقتصاد 3 في المائة مرتين فقط.
وحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي استخدام كل الوسائل المتاحة له من أجل تحفيز النمو الاقتصادي. وبعدما فشل، اخترع أداة جديدة – وهي سياسة التيسير الكمي بقيمة ثلاثة تريليونات دولار - لدفع الاقتصاد نحو الانتعاش وتحقيق مزيد من النمو، ولكن حتى الآن ما زال معدل النمو الاقتصادي ومعدل التوظيف في أميركا عند مستويات ضعيفة.
ويقول ميكي باتون - مخطط مالي واستثماري - في مقالته بمجلة «فوربس» العالمية، إن جزءا من القوة الاقتصادية المهيمنة للصين يعود إلى ازدهار صناعة السيارات لديها. وأوضح باتون، أن إجمالي عدد السيارات المبيعة في الصين العام 2015 ارتفع إلى 24.6 مليون سيارة، وتفوق هذه الأرقام حجم مبيعات السيارات في الولايات المتحدة خلال العام نفسه، الذي بلغ مستوى قياسيا عند 17.5 مليون سيارة وشاحنة. وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت مبيعات سيارات الدفع الرباعي في الصين بنحو 52 في المائة عام 2015.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».