تنامي قطاعي التحول إلى الرقمنة والإعلام المدفوع في المنطقة العربية

نادي دبي للصحافة يؤكد أهمية توظيف وسائل الإعلام للمنصات الحديثة

منى المري خلال الإعلان عن نتائج التقرير يوم أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
منى المري خلال الإعلان عن نتائج التقرير يوم أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
TT

تنامي قطاعي التحول إلى الرقمنة والإعلام المدفوع في المنطقة العربية

منى المري خلال الإعلان عن نتائج التقرير يوم أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
منى المري خلال الإعلان عن نتائج التقرير يوم أمس في دبي («الشرق الأوسط»)

كشف تقرير إعلامي صدر أمس عن تنامي قطاعي التحول الرقمي للإعلام والإعلام المدفوع في المنطقة العربية، وذلك عطفًا على زيادة استخدام الإنترنت في الوطن العربي، مشيرًا إلى أهمية مواكبة وسائل الإعلام العربية على التعاطي مع مختلف المنصات وتوظيفها في إنجاح الإعلام في صوره وقوالبه التقليدية، ومعاونته على النمو والاحتفاظ بمكانته، بينما يبقى ذلك مرهونًا بإمكانية تطويره من ناحية الشكل والمضمون وبما يواكب روح العصر ويراعي متطلباته.
ولفت التقرير إلى أنه من المنتظر أن يفوق نمو الإنفاق على الإعلانات، حيث يتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب نسبته 2.5 في المائة في الفترة بين الأعوام 2016 و2018، في حين ينتظر أن تتراوح نسبة نمو وسائل الإعلام المدفوعة حول 3.7 في المائة خلال الفترة ذاتها، كما ينتظر أن يقود قطاعا التلفزيون والألعاب الرقمية ذلك النمو.
وقالت منى المرّي، رئيسة نادي دبي للصحافة إن أبرز ما سيميز الإعلام في المرحلة المقبلة هو تنامي ظاهرة التحول إلى الخيار الرقمي في الإعلام أو ما بات يعرف اصطلاحًا بتوصيف «الرقمنة الإعلامية»، وذلك مع زيادة استخدام الإنترنت عريضة الحزمة في المنطقة العربية وزيادة نسب مشاهدة المحتوى الإعلامي عبر الأجهزة النقالة، مع توقع نمو تلك الظاهرة في المنطقة خلال العامين المقبلين.
ولفتت المري، التي كانت تتحدث في مؤتمر صحافي عقد البارحة على هامش الإعلان عن تقرير «نظرة على الإعلام العربي»: شباب.. محتوى.. إعلام رقمي» إلى أهمية التنبه إلى ذلك التطور، والعمل على مواكبته بإيجاد الحلول والبدائل المناسبة التي تكفل للإعلام العربي حدودًا تنافسية فعّالة.
وزادت: «علاوة على وجوب حتمية التفكير في أساليب تضمن المزاوجة بين المنصّات الرقمية من جهة، والصحافة والتلفزيون والإذاعة من جهة أخرى، بل وتوظيف تلك المنصات في إنجاح الإعلام في صوره وقوالبه التقليدية، ومعاونته على النمو والاحتفاظ بمكانته، بينما يبقى ذلك مرهونًا بإمكانية تطويره من ناحية الشكل والمضمون وبما يواكب روح العصر ويراعي متطلباته».
وأكدت على تنامي «قطاع الإعلام المدفوع»، بمعدل تعتقد أنه من المنتظر أن يفوق نمو الإنفاق على الإعلانات، مستشهدة بما أورده التقرير من أن سوق الإعلانات من المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب نسبته 2.5 في المائة في الفترة بين الأعوام 2016 و2018، في حين ينتظر أن تتراوح نسبة نمو وسائل الإعلام المدفوعة حول 3.7 في المائة خلال الفترة ذاتها، في حي من المنتظر أن يقود قطاعا التلفزيون والألعاب الرقمية هذا النمو.
وقالت: «مع مراعاة أن الإعلام المدفوع مرتبط في الأساس بتقديم (محتوى ممتاز)، يجب علينا التوقُّف عند هذا التطور المهم، والتفكّر فيما يجب على إعلامنا المحلي والعربي القيام به حياله من خطوات تطويرية تمليها تلك المتغيرات المتسارعة».
وأطلق نادي دبي للصحافة الإصدار الخامس من تقرير «نظرة على الإعلام العربي: شباب.. محتوى.. إعلام رقمي» الذي جاء نتيجة تعاون مع «مدينة دبي للإعلام» والذي شهد تفاصيل التقرير، وأهم ما تضمنه من مخرجات ترصد أبرز تطورات المشهد الإعلامي في 14 دولة عربية، إلى جانب أهم المؤشرات والمتغيرات التي ستسود المشهد الإعلامي خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
من جهتها قالت الدكتورة أمينة الرستماني، الرئيسة التنفيذية لمجموعة تيكوم: «إن الإحاطة بعناصر المشهد الإعلامي والاتجاهات السائدة في القطاع تشكل عاملاً أساسيًا ومؤثرًا في التعامل مع توجهات واحتياجات المستهلكين في العالم العربي، وتدعم صناع القرار من الحكومات وقطاع الأعمال في تحديد أفضل الطرق فعاليةً للتواصل مع الشعوب والعملاء».
وقالت: «إننا نشهد نقلة نوعية وتحولات وابتكارات غير مسبوقة في صناعة الإعلام؛ لذا فإن إصدار التقرير في هذا التوقيت يحمل أهمية خاصة، إذ سيشكل مرجعًا ودليلاً أساسيًا لشركائنا في الصناعة لدعم صياغة استراتيجياتهم وتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات».
وينتظر أن يكشف عن نتائج الدراسة كاملة في الدورة الخامسة عشرة لـ«منتدى الإعلام العربي»، التي تنطلق غدًا بمشاركة وحضور أكثر من ألفين من العاملين في مجال الإعلام من مختلف أنحاء العالم العربي والعالم.
ويحتوي الإصدار الأخير من التقرير قراءة في مستقبل حال الإعلام وما تشير له الأرقام من توقعات خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك نظرًا للتحولات السريعة التي يمر بها المشهد الإعلامي حاليًا إقليميًا وعالميًا، ويعد التقرير، إلى جانب «منتدى الإعلام العربي» و«جائزة الصحافة العربية»، من المبادرات التي تهدف إلى دفع عجلة تطوير الإعلام العربي على وجه العموم.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.