معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»

160 ألفًا دخلوا سوق العمل في أبريل مع ارتفاع متوسطات الأجور

معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»
معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»
TT

معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»

معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»
معدلات التوظيف في الولايات المتحدة تدخل مرحلة «الاسترخاء»

بعد التقدم المحقق عبر الشهور الأخيرة، شهدت آلة التوظيف الأميركية فترة من فترات الاسترخاء في أبريل (نيسان) الماضي، مع مراقبة أرباب الأعمال لمختلف الإشارات التي تفيد بأن النمو الاقتصادي يتباطأ من خلال العمل على تخفيف التعيينات الجديدة.
وجاءت الزيادة بمقدار 160 ألف وظيفة المسجلة في أبريل الماضي، والتي أعلنت عنها وزارة العمل الأميركية يوم الجمعة الماضي، تبعا لأفضل ارتفاع مسجل منذ عامين في سوق الوظائف منذ الطفرة الوظيفية الخاصة بمجال التكنولوجيا لحقبة التسعينات.
وظل معدل البطالة، والمرتبط ارتباطا وثيقا بمسح دخول الأسر الأميركية المستقل، على مستواه بنسبة 5 نقاط مئوية.
يقول مايكل غابين، كبير خبراء اقتصاد الولايات المتحدة لدى بنك باركليز: «إنه تقرير طفيف، ولكنه لا ينذر بتغييرات كبيرة في سوق العمل الأميركية. وسأكون قلقا بصورة أكبر إذا ما كانت هناك نقاط ضعف كثيرة في التقرير الصادر، ولكن لحسن الحظ أنه لم يوجد».
وفي أواخر الشهر الماضي، أعلنت الحكومة عن نمو طفيف في الاقتصاد خلال الربع الأول من العام الحالي. ولكن أغلب الخبراء يقولون إن المكاسب المسجلة في سوق العمل خلال الشهور الأخيرة هي من العلامات الأكثر موثوقية، مما يشير إلى أن الاقتصاد مستمر في التوسع طيلة عام 2016. وأن وتيرة النمو الحالية سوف تشهد هدوءا متوقعا من البداية الراكدة أوائل هذا العام.
يمكن لإشارة نمو الوظائف البطيئة، ولكن الثابتة، خلال شهر أبريل الماضي أن تكون علامة على أمور مقبلة. مع خبراء الاقتصاد الذين يتوقعون نموا في الاقتصاد على أساس سنوي يبلغ 1.5 إلى 2 نقطة مئوية في ميزانية عام 2016، ويتوقع لمكاسب سوق الوظائف أن تنخفض من وتيرة 192 ألفا المسجلة حتى الآن خلال هذا العام.
ومن المرجح لبيانات الوظائف المذكورة أن تترك بنك الاحتياطي الفيدرالي في انتظار المزيد من الإشارات على ارتفاع النشاط قبل التحرك قدما في زيادة أسعار الفائدة. وسوف ينتظر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي صدور المزيد من تقارير الوظائف قبل اجتماعهم القادم في يونيو (حزيران).
وقال ويليان دادلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع نيويورك، في مقابلة شخصية أجريت معه يوم الجمعة، إن البيانات الحكومية الأخيرة تعكس أن سوق العمل مستمر في التحسن التدريجي، وهو يتماشى مع توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة.
وأضاف السيد دادلي قائلا: «إنها زيادة خفيفة، على الأرجح، وأكثر مما توقعه الناس، ولكنني لن أعطي الأمر أكبر من حجمه من حيث التأثير على النظرة الاقتصادية العامة في البلاد». وأضاف السيد دادلي أن التوقعات معقولة لأن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي من سعر الفائدة القياسي بمقدار مرتين خلال هذا العام.
كما استعرضت وزارة العمل تقديراتها السابقة حول عدد الوظائف المضافة في فبراير (شباط) ومارس (آذار) من هذا العام بواقع 19 ألف وظيفة.
وأشارت ديان سوانك، الخبيرة الاقتصادية المستقلة في شيكاغو، إلى المكاسب القوية المحققة بإضافة 65 ألف وظيفة في مجال الأعمال والخدمات المهنية، بأنها دليل إضافي على أن التباطؤ الواسع في التوظيف خلال الشهر الماضي لم يكن نذيرا بحدوث المشاكل في المستقبل.
وأضافت السيدة سوانك تقول: «تحسنت نوعية الوظائف المسجلة ولكن الكمية لم تتحسن»، وقالت إن صحة قطاع الأعمال الكبير ساعدت في تفسير السبب وراء قوة الأجور السنوية.
وكان الارتفاع بواقع 0.3 نقطة مئوية في معدل الدخل بالساعة من الإشارات الإيجابية على مسار الاقتصاد في التقرير الصادر يوم الجمعة.
وحتى وقت قريب، كانت الأجور من النقاط الحساسة عبر ما يقرب من سبع سنوات من الانتعاش الاقتصادي، والتي ارتفعت بالكاد من حيث القيمة الحقيقية على الرغم من الانخفاض الكبير في معدلات البطالة.
وأشارت التغييرات في المكاسب خلال شهر أبريل إلى أن الارتفاع المتصاعد في الأجور لم يكن وليد الصدفة. فخلال الـ12 شهرا الماضية، ارتفعت الأجور بواقع 2.5 نقطة مئوية، وهو ما يزيد على وتيرة التضخم المسجلة.
وبالإضافة إلى سوق العمل الأكثر تشددا، والذي دفع بعضا من كبار أرباب الأعمال إلى زيادة سقف الأجور، فإن العشرات من الولايات والمدن قد نفذت بالفعل أو تنظر في تنفيذ الزيادات في الحد الأدنى من الأجور. وجنبا إلى جنب، تساعد هذه القوى في زيادة الأجور عند الحد الأدنى من سوق العمل.
وتقول السيدة سوانك: «لقد سجلنا نقطة التحول. وهي تبدو واضحة في الوظائف ذات الأجور المتدنية، بالنسبة لوظائف المطاعم والمقاهي، ومتاجر التجزئة وقطاع الترفيه والضيافة. إنها لأخبار سارة، حيث نعاود التفاعل مع المواطنين الذي ظلوا لفترة طويلة على الهامش».
رفعت بعض الولايات مثل كاليفورنيا، وكولورادو، وميتشيغان، وماساتشوستس، من الحد الأدنى للأجور فيها مع بدايات عام 2016. ومن المتوقع أن تسن ولايتا ماريلاند ومقاطعة كولومبيا التشريعات المماثلة في الأول من يوليو (تموز) هذا العام.
وفي مؤتمر صحافي عقد يوم الجمعة في البيت الأبيض، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه كان مسرورا كثيرا عندما علم بأن الاقتصاد الأميركي قد أضاف 160 ألف وظيفة في أبريل، على الرغم من حذره الواضح بأن «الاقتصاد العالمي»، كما يعلم الكثير من الحاضرين هنا، لا ينمو بالوتيرة التي ينبغي أن ينمو بها.
وقال الرئيس الأميركي: «هنا في الولايات المتحدة، لدينا مواطنون لا يزالون يتضررون من الأوضاع الاقتصادية، ولذلك، ينبغي علينا أن نفعل كل ما بوسعنا من أجل تعزيز التوجهات الجديدة، والوقاية ضد بعض التوجهات الخطرة الناجمة عن الاقتصاد العالمي».
ومع السباق الانتخابي للرئاسة الأميركية، الذي يتحرك الآن من المرحلة التمهيدية إلى مرحلة الانتخابات العامة، يوفر تقرير أبريل للوظائف المزيد من الزخم للمرشحين الرئاسيين من كلا الحزبين الكبيرين. حيث يمكن للحزب الديمقراطي أن يشير إلى الزيادة في الأجور من واقع أنها دليل على تحسن الظروف، ولكن التباطؤ في التوظيف، ولا سيما في أوساط الصناعات التحويلية، والهبوط الكبير في عدد المواطنين الأميركيين في سوق العمالة، قد تضيف المزيد من الشكاوى بين العمال بأنه قد تم تجاهلهم والتخلي عنهم.
ولقد انخفضت نسبة المواطنين الأميركيين في سوق العمالة الشهر الماضي، وصولا إلى نسبة 62.8 في المائة من واقع 63 في المائة المسجلة في مارس، مما يعكس جزئيا حالة الارتداد التي بدأت في الخريف الماضي بعد أن سجل معدل المشاركة أدنى مستوياته منذ فترة السبعينات من القرن الماضي.
وعلى غرار معدل البطالة، يجري قياس معدل المشاركة في القوة العاملة ضمن مسح الدخول الأسرية لدى وزارة العمل، وهو المسح المستقل عن مسح الشركات الذي يستخدم في حساب التغيرات في الوظائف.
وعلى الرغم من أن التقريرين يميلان للترابط بمرور الوقت، فإن بيانات الدخول الأسرية أكثر تقلبا من مسح الرواتب، ولم يكن تقرير شهر أبريل استثناء من ذلك. فلقد أظهر أن نصف مليون مواطن يغادرون القوة العاملة الوطنية.
وبالنسبة للعمالة من ذوي التعليم العالي، والكثيرون منهم يؤيدون هيلاري كلينتون والسيناتور بيرني ساندرز من المعسكر الديمقراطي، فإن معدل العاطلين عن العمل المنخفض بالفعل قد بلغ مستوى 2.4 نقطة مئوية. أما معدل البطالة للمواطنين الأميركيين خريجي التعليم الثانوي العام، والذين ساهموا في الجمهور المؤيد للمعسكر الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب، فقد استقر عند مستوى 5.4 في المائة.
وارتفع معدل البطالة للعمال من دون التعليم الثانوي ارتفاعا طفيفا وصولا إلى 7.5 نقطة مئوية في أبريل، مواصلا الارتفاع حتى مستوى 6.7 نقطة مئوية في أواخر عام 2015.
وتميل بيانات الرواتب ومعدل البطالة إلى الهيمنة على عناوين الصحف، ولكن بنك الاحتياطي الفيدرالي يولي اهتماما خاصا أيضا بمعدل المشاركة في القوة العاملة.
وفي حين أن السيد دادلي قد ترك الباب مفتوحا لزيادة أسعار الفائدة في يونيو المقبل، فإن خبراء الاقتصاد توقعوا أن الليونة المسجلة في أبريل قد تكون كافية لإقناع جانيت يلين رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وزملائها بتوخي المزيد من الحذر حيال زيادة أسعار الفائدة في المستقبل.
وبعد صدور التقرير، أخبر بنك باركليز عملاءه في مذكرة أن بيانات شهر أبريل تطيح بتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة المنتظرة في شهر يونيو وأن البنك يتوقع الآن ارتفاعا وحيدا لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال هذا العام. ولا تزال هناك بعض مواطن الضعف الملحوظة تحيط باقتصاد البلاد.
وخلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 2016، تخلت المصانع عن نحو 47 ألف وظيفة بسبب تضررها في المقام الأول من الدولار القوي والطلب الخارجي الضعيف. وارتفع عدد العاملين في الصناعات التحويلية بمقدار 4 آلاف وظيفة في أبريل. والقطاع النفطي لا يزال يعاني أثر الترنح من انخفاض أسعار الطاقة العالمية، على الرغم من الانتعاش الطفيف المسجل مؤخرا. وبعض الصناعات الأخرى التي تعتمد على السلع مثل المعادن والمناجم لا تزال تعاني أثر التضرر من ارتفاع قيمة الدولار.
وبين يناير (كانون الثاني) 2015 ومارس 2016، فقدت صناعة التعدين والأخشاب 170 ألف وظيفة. وفي أبريل، فقدت هاتان الصناعتان 8 آلاف وظيفة أخرى.
وهبط التوظيف في القطاع العام بشكل غير متوقع بنسبة 11 ألف وظيفة. وكانت القطاعات الرائدة في المكاسب الوظيفية خلال الشهور الماضية، مثل تجارة التجزئة، قد شهدت هي الأخرى بطئا شديدا في التعيينات الجديدة.
وعندما دخل ما يقرب من 40 ألفا من موظفي شركة فيريزون في إضراب الشهر الماضي، كان الإضراب في منتصف الأسبوع عندما حطمت الأرقام الحكومية التحليلات القياسية لقوة سوق العمل.
وقبل صدور التقرير، توقع بعض خبراء الاقتصاد أن يكون للإضراب المذكور تأثير طفيف على الأرقام المعلنة. وقال السيد غابين، الخبير الاقتصادي في بنك باركليز، إنه لم يعتقد أن تلك هي القضية، نظرا لأن صناعة الاتصالات لم تسجل هبوطا كبيرا في التوظيف.
وفي بعض المجالات الساخنة، مثل قطاع الرعاية الصحية، والتكنولوجيا، والخدمات المهنية، فإن أرباب الأعمال وفي شيكاغو، عينت شركة «كونتكست ميديا»، التي توفر أجهزة التابلت واللوحات الرقمية للأطباء، 25 موظفا جديدا في الخارج في شهر أبريل. وتخطط الشركة لإضافة نحو 100 موظف آخرين في كل فصل حتى نهاية العام الحالي، كما تقول إيمان جلالي كبيرة موظفي الشركة. التي أضافت تقول: «نحاول جذب المواهب من مختلف أرجاء البلاد. ولدينا أفضل الموظفين في شيكاغو، ولكن عندما تنمو الشركة بسرعة، يتعين عليك مواكبة النمو بتعيين المزيد من الموظفين».
* خدمة «نيويورك تايمز»



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».