الأهوار العراقية.. حكاية حضارة تنتظر إنعاشها

تفاؤل بضمها للائحة التراث العالمي في يوليو المقبل

تتميز الأهوار بعمارتها المميزة المصنوعة من نبات البردي والقصب ({الشرق الأوسط})
تتميز الأهوار بعمارتها المميزة المصنوعة من نبات البردي والقصب ({الشرق الأوسط})
TT

الأهوار العراقية.. حكاية حضارة تنتظر إنعاشها

تتميز الأهوار بعمارتها المميزة المصنوعة من نبات البردي والقصب ({الشرق الأوسط})
تتميز الأهوار بعمارتها المميزة المصنوعة من نبات البردي والقصب ({الشرق الأوسط})

على مدى أزمنة طويلة تفردت فيها الأهوار العراقية، التي تقع في جنوب البلاد بنظام بيئي وحضاري مميز، لما تحمله من محميات طبيعية للنباتات والحيوانات البرية والداجنة والطيور المقيمة والمهاجرة، إضافة لازدهار صيد أنواع الأسماك والزراعة فيها، وتميزها قبلاً بأنها شهدت ملامح ظهور الكتابة والهندسة المعمارية والمجتمعات المتطورة فيها حتى أطلق عليها اسم «مهد الحضارة»، لكنها اليوم تعيش بصورة مغايرة بعد أن شوهتها الصراعات والحروب واضطراب الأوضاع السياسية في البلاد، مما أجبر سكانها إما على هجرتها أو على تغيير نمط حياتهم المعيشية، ولم تتمكن محاولات خجولة للحكومات العراقية من إعادة صورتها كما كانت، مقابل تواصل تدخلات الأمم المتحدة لأجل حماية التراث الثقافي والطبيعي فيها باعتبار أن الحفاظ عليها مهمة بالغة الأهمية بالنسبة للعراق والعالم.
وسبق أن أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا أكدت فيه وقوفها مع العراق لحماية تراثه الثقافي والطبيعي، لا سيما الأهوار، كونهما يمثلان التراث العراقي الفريد من نوعه في التنوع والتسامح.
وكانت الحكومة العراقية قد قدمت في وقت سابق ملف ترشيح الأهوار ومدن أور والوركاء وأريدو، لإدراجها على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
وقال عادل شرشاب وزير السياحة والآثار العراقي السابق في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مطمئن لنتيجة التصويت التي ستكون لصالح العراق بعد اكتمال كل الشروط المطلوبة لأجل إدراج أهوار العراق ضمن لائحة التراث العالمي، وهي مواقع استثنائية ونسعى اليوم لأجل تحشيد الرأي العام المحلي والعربي والعالمي وكل الأصدقاء والمهتمين لأجل دفع الأعضاء الـ21 الذين سيصوتون في منتصف يوليو (تموز) المقبل إلى القبول بهذه المواقع».
وأضاف: «الأهوار والمواقع الأثرية ستخضع لرقابة عالمية، في حال لو تم ضمها إلى لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية، عندها لا يمكن لأي حكم أو قوة إرهابية أن تجفف الأهوار لأنها خاضعة للرقابة العالمية».
وحول المعايير التي يمتلكها العراق لأجل كسب التصويت والمزاعم التي روج لها الجانب الإيراني بشأن اتصال الأهوار العراقية بهور العظيم في إيران، قال شرشاب: «هناك عشرة معايير للجنة التراث العالمي (اليونيسكو)، قدم العراق للمواقع الأثرية ثلاثة معايير تنطبق عليها، وفي الأهوار معياران، لذلك مواقعنا تعد مؤهلة وبشكل جيد ومعروفة عالميًا، لكن مع ذلك نبقى بانتظار نتائج التصويت وهي نتائج لا يمكن التحكم بها، لكن ما نريد قوله هنا أن مواقعنا كاملة المتطلبات من ناحية إدراجها على اللائحة البيئة وخطة الإدارة والخبراء والأسئلة التي جاوب عليها العراق، كلها جيدة، فقط هناك رأي إيراني بأن الأهوار متصلة مع أهوارهم لكن قمنا نحن كجهة فنية، هي الهيئة العامة للآثار، التي عاينت المكان ميدانيًا، بإثبات عكس ذلك، وأن الهور الإيراني (هور العظيم)، منفصل عن الأهوار العراقية، وأنا متفائل بالنتائج». وسبق أن شارك وفد من وزارة السياحة والآثار اجتماعات الهيئات الاستشارية التي عقدت على هامش مؤتمر التراث العالمي في مدينة بون الألمانية للفترة من 5 إلى 12 يوليو 2015.
وتأتي هذه الاجتماعات لمناقشة الجوانب الأمنية والفنية لإدراج ملف الأهوار على لائحة التراث العالمي.
بدورها أكدت نائبة رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية شروق العبايجي أن إجراءات ضم الأهوار إلى لائحة التراث العالمي اكتملت، ونحن بانتظار التصويت عليها، إذ إن الإجراءات وتقديم الملف كان منذ أربع سنوات، وهناك فرق عملت وأنجزت تقاريرها خلال تلك الفترة، وأعتقد أن الأهوار لها نصيب كبير في التصويت لأنها تمتلك كل المعايير المطلوبة.
وتغطي مناطق الأهوار في العراق مساحات شاسعة من محافظات البصرة وميسان وذي قار تقدر بنحو 8635 كيلومترًا مربعًا، وهي تزخر بالأسماك النهرية، وكثير من الأحياء المائية الأخرى مثل الروبيان، إضافة إلى أنواع مختلفة من النباتات، أهمها القصب والبردي، ونتيجة لاعتدال مناخها تقصدها مئات آلاف الطيور المهاجرة التي تستقر وتتكاثر فيها خلال فصل الشتاء، ومع بداية فصل الصيف تعود تلك الطيور إلى مواطنها الأصلية في الدول الإسكندنافية وكازاخستان وروسيا والصين، ضمن هجرات كبرى تمتد أحيانًا عبر القارات.
يقول المهندس سامر الأسدي مختص في شؤون البيئة العراقية: «تُعد الأهوار أرضا رطبةً نادرةً في محيط صحراوي وتضم نظامًا بيئيًا للمياه العذبة، كما توفر موئلاً للحياة البرية فيها كثير من أنواع الطيور والأسماك وكانت الأهوار حتى سبعينات القرن الماضي تغطي مساحة تقارب 20 ألف كيلومتر مربّع عند ملتقى نهري دجلة والفرات».
وأضاف: «محيط الأهوار أيضًا تنشط فيه الزراعة وتقطنه الأسر الفلاحية، وقد اتخذ عمق الأهوار موطنًا للسكان الذين يطلق عليهم «المعدان»، ويعيشون منذ القدم نمط حياة خاصًا في منازلهم المبنية من نبات البردي والقصب معتمدين على تربية الحيوانات، وبشكل خاص الجاموس الذي يستخدم لإنتاج الألبان ومشتقاتها.
وتعد الأهوار معلمًا أساسيًا في جغرافيا المنطقة الجنوبية التي تشمل محافظات ثلاثًا هي البصرة وذي قار وميسان، وتقع على حافة المدن الحضرية، البصرة والناصرية والعمارة والبلدات الأخرى، وهي مراكز النشاط التجاري والتعليمي والإداري. لكن هذه الصورة اهتزت، في العقود الأخيرة من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وحالت ألوانها، بعد أن تعرضت تلك البيئة الطبيعية إلى ظروف استثنائية تداخلت فيها عوامل كثيرة، منها السياسي والاقتصادي والعسكري، فضلاً عن متغيرات أخرى طرأت على العراق وجواره. وأفرز تحولات طبيعية أجبرت السكان إما إلى النزوح أو تغيير نمط حياتهم المعيشية والإنتاجية.
وإبان الحرب العراقية الإيرانية، طالت الإجراءات الأمنية والعسكرية بيئة المنطقة بتغيير طبيعتها لأسباب تتعلق بعمليات الجيش وتحصيناته، وملاحقة أي تمرد معارض للنظام الحاكم فقام بعمليات التجفيف المتعمدة الواسعة لها منذ عام 1991 وإقامة كثير من السدود على الروافد المغذية لها بالمياه من نهري دجلة والفرات وإنشاء شبكة من الطرق المعبدة فيها لتسهيل السيطرة عليها، مما حولها إلى صحراء جرداء، وانهار النظام الاقتصادي مما أدى إلى هجرة أغلب سكانها إلى داخل وخارج العراق، وقد اعتبرت الأمم المتحدة تجفيفها من أكبر الكوارث البيئية في القرن العشرين، حيث تعرضت كثير من الحيوانات لخطر الانقراض مثل «كليب الماء ذي الفراء الناعم العراقي»، الذي دخل في القائمة الحمراء للحيوانات المهددة بانقراض.. وتبع هذا الخراب حروب أخرى في البلاد أضافت المزيد من المتاعب بتدميرها البنية التحتية وتعقيدها العلاقات الإقليمية.
وقد تغيّر موقع الأهوار الجغرافي على مدى آلاف السنين بين الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد إلى الشمال الغربي من موقعه الأصلي، مما أسهم في خلق الظروف البيئية المناسبة لازدهار بعض أوائل المراكز الحضرية في العالم مثل مدن أور، وركاء وأريدو.
وتقول المصادر التاريخية إن المنطقة شهدت ظهور الكتابة والهندسة المعمارية الهائلة، بالإضافة إلى ظهور مجتمعات متطورة في جنوب ما بين النهرين، وهي المنطقة التي يطلق عليها اسم «مهد الحضارة»، كما تعتبر الأهوار مصدر إلهام للحضارة السومرية، التي تركت ميراثًا هائلاً من الكتابات المسمارية. قد زارها كثير من المستكشفين ورحالة الغربيين في القرن العشرين وألفوا عنها الكثير من الكتب مثل كتاب «حلقات المياه الرائعة» لكيفن ماكسويل، و«العودة إلى الأهوار» لكيفن يونج، و«عرب الأهوار» لويلفرد ثيسيجر، إضافة إلى عالم الآثار والمستكشف النرويجي ثور هايردال صاحب كتاب «حملة دجلة.. في البحث عن البداية».
وقد عملت «اليونيسكو» بين عامي 2009 و2014، بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتمويل من الحكومة الإيطالية، على تنفيذ مشروع لدعم الحكومة العراقية في مجال تحسين الإدارة البيئية والثقافية في الأهوار، وذلك من خلال عملية إعداد ملف لترشيح هذا الموقع لدخول قائمة التراث العالمي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».