البطيخ وأفلام الصيف نزلت الأسواق قبل أوانها. معظم من اشترى الثمرة الكبيرة معتقدين أن الموسم قد أزف لها، فوجئوا بأن الطعم مر واللون باهت وأن شريانًا من اللون الأصفر يمتد على سطح وفي عمق البطيخة موفرًا طعمًا مرًّا على عكس المتوقع.
في السينما الحال أفضل لكن التغيير الذي أصاب فصول الصيف الهوليوودية بدد الكثير من وقع وأهمية فصل الصيف بحد ذاته. فسابقًا ما كان موسم الصيف السينمائي يتبع بدايته الرسمية في أوائل الشهر السادس من العام. ولهذه الغاية، ومنذ منتصف السبعينات، اعتادت هوليوود حشد أكثر أفلامها تكلفة وضجيجًا لكي تعرض ما بين مطلع يونيو (حزيران) وآخر شهر أغسطس (آب) من كل سنة.
لكن الحاصل منذ سنوات هو استباق الموسم ببضعة أسابيع وتقديم أفلام كبيرة الشأن والطموحات من منتصف الشهر الخامس مايو (أيار). هذا ما حدث في الأعوام الخمسة الماضية، وهذا ما يحدث هذا العام، بل إن هوليوود هذه السنة تفتح نوافذها على موسم الصيف بفيلم تم إطلاقه عالميًا قبل أسبوع كامل، وهو «كابتن أميركا 3: حرب أهلية» الذي سارع بجمع 200 مليون دولار حول العالم حتى الآن.
التمهيد
ما سيتوالى خلال الأسابيع والأشهر المقبلة هو السيل ذاته من أفلام الخيال العلمي والتشويقي وأفلام الكوميكس ونسبة لا بأس بها من أفلام الرسوم المتحركة.
في الأفق المنظور «أوامر قتل»، خيال علمي حول مستقبل قريب سيدافع فيه البشر عن حياتهم ضد مخلوقات صناعية. وهو وإن لم يكن من إنتاج استوديوهات كبيرة (مثل «صوني» أو «فوكس») فإنه متماثل بإنتاجاتها. كذلك الحال بالنسبة لفيلم فانتازي يستلهم من نجاح سلسلة «سنو وايت» الجديدة عنوانه «لعنة الجمال النائم» (The Curse of Sleeping Beauty). وعلى غراره، ومن إنتاج «ديزني»، ينطلق «أليس من خلال المنظار»، وهو ثاني أجزاء مسلسل «أليس في أرض العجائب» ومع مجموعة كبيرة من الممثلين الرئيسيين ومنهم جوني دب وآن هاذاواي وهيلينا بونام كارتر وميا ووزيكوفسكا ومايكل شين وألان ريكمان (آخر فيلم قبل وفاته).
ولن ينتهي الشهر الحالي من دون إطلاق فيلم كبير الطموحات وبقيادة حملة إعلانية كبيرة هو «رجال إكس: سفر الرؤيا» مع جيمس ماكافوي ومايكل فاسبيندر وجنيفر لورنس من بين آخرين.
هذه الأفلام ستكون التمهيد للصيف الفعلي، وإن هي انتمت، حسب شفرة شركات الإنتاج والتوزيع، إلى صلب الموسم. ففي شهر يونيو ستتوالى أفلام كبيرة أخرى يتقدّمها في مطلع الشهر «سلاحف النينجا المشوّهة 2». وبعد أسبوع من إطلاقه، نشهد «ووركرافت» الواقع في صرح التاريخ. ثم ننتقل إلى المستقبل في «يوم الاستقلال 2» (الأول ظهر قبل عشرين سنة).
ثم يحط على شاشات كوكب الأرض فيلم Star Trek 3: Beyond وذلك في شهر يوليو (تموز) وإلى جانبه حلقة جديدة من مغامرات الجاسوس بورن كما يؤديه مات دايمون وعنوانه «جاسون بورن». وعلى بعد يسير (في مطلع أغسطس «آب») فيلم تاريخي بتكلفة 150 مليون دولار «بن هور». وفي الشهر نفسه فيلم الوحوش القاتلة في عالم الخيال العلمي «سبكترال».
باستثناء «جاسون بورن»، تستند كل هذه الأفلام إلى آخر ما تم ابتكاره من عوامل المؤثرات والخدع البصرية، لكن هذا لا يعني خلو الساحة من أفلام تعتمد أساسًا على الممثل وقدراته. «جاسون بورن» هو من بين هذه الأفلام إذ يحكي، بالأسلوب التشويقي المثالي للمخرج بول غرينغراس حكاية الجاسوس الهارب من أعدائه داخل «وكالة الاستخبارات الأميركية».
وهناك أيضًا «رذاذ أكبر» (A Bigger Splash) دراما مع داكوتا جونسون ورالف فاينس وتيلدا سوينتون. وفي وسط زوابع من أفلام الرعب والفانتازيا العنيفة مثل «عضّة» و«كابتن أميركا» و«أوامر قتل» يبرز «وحش المال» Money Monster مع جورج كلوني وجوليا روبرتس ومن إخراج جودي فوستر.
هؤلاء الثلاثة يقاومون المد الميكانيكي للإنتاجات الضخمة بعناصر بشرية تبدو في آن معًا: مطلوبة ومثيرة لخشية انصراف الجمهور عنها. في الوضع نفسه نيكولاس كايج وأليجا وود في «الثقة» وأدريان برودي في «ليلة مانهاتن» وأنطوني هوبكنز وجوليا ستايلز في «بلاكواي».
الأسئلة الصعبة
ما سبق هو جزء من صورة أكبر تمثّل الصراع القائم بين ممثلين في أدوار بشرية تسود الأفلام التي يظهرون فيها، وبين الشخصيات الإلكترونية والميكانيكية - الآلية التي يتم تنفيذها على الكومبيوتر ونظم الديجيتال. صراع غير متكافئ في صيف يميل لاستيعاب الشبيبة والمراهقين وطلاب الترفيه أكثر من أي موسم آخر.
هذا ما يفرز أسئلة صعبة تلتقي تحت سطح التوقعات المنتظرة لمثل هذه المواجهة، وفي مقدّمتها إذا ما كان النجم ما زال قادرًا على تحقيق مكاسب على الأرض. بكلمات مباشرة: هل سيستطيع «وحش المال» تحقيق أي نجاح لمجرد وجود جورج كلوني وجوليا روبرتس فيه؟ الحال كذلك على أفلام أخرى معروضة هذا الصيف تحمل أسماء كبيرة مثل ماثيو ماكونوهي (عبر فيلم «الولايات الحرة لجونز») ورايان غوزلينغ («الفتيان الطيبون») ودواين جونسون («سنترال إنتليجنس»).
من يريد التحقق يستطيع العودة إلى أفلام سابقة قام كثير من النجوم ببطولتها في الأعوام الأخيرة ومنهم جوني دب (خارج سلسلة «قراصنة الكاريبي») وروبرت داوني جونيور (خارج سلسلة «آيرون مان») وجورج كلوني وميريل ستريب. هؤلاء وسواهم شهدوا مطبّات تجارية صعبة في السنوات القليلة الماضية، مما يجعلهم أقل قدرة على المضي إلا إذا ما اقترنوا بمسلسلات فانتازية كبيرة كما فعل داوني جونيور («كابتن أميركا» و«آيرون مان») ورايان رينولدز («دَدبول») وهيو جاكمان («رجال إكس») وسكارلت يوهانسن («ذا أفنجرز») أو جنيفر لورنس («ألعاب الجوع»).
السؤال ذاته قد يتكرر حتى بالنسبة لمخرجين كبار. بعد نجاح محدود لفيلم «حصان حرب»، وأسوأ منه لفيلم «لينكولن»، ثم نجاح معتدل لفيلم «جسر الجواسيس»، إلى أي حد يمكن لستيفن سبيلبرغ تقديم فيلم يفخر بوضع اسمه عليه مثل فيلمه المقبل (The BFG).
هذه المسائل هي نتيجة أزمة تحوّل صناعة السينما من نوعية أفلام كانت تطلق لفئات جماهيرية كثيرة بمستوى واحد، وبتوازن بين الأنواع وبين فئات الجماهير، بحيث تنال كل فئة ما تريد من أفلام، إلى نوعية تلبّي حاجة الجمهور السائد وحده، باستثناء ما يمكن أن يتم إنتاجه من أعمال نوعية.
لا عجب إذن أن النسبة الغالبة مما نراه من أفلام هذا الصيف هي لتلك المنتمية إلى مسلسلات سينمائية أو تعد نفسها، وجمهورها، بأن تكون تمهيدًا لمسلسلات جديدة، بل إن أفلام المسلسلات هذه تطغى على عموم إنتاج هوليوود من الأفلام طوال العام، وليس في الصيف وحده.