شاشة الناقد

شاشة الناقد
TT

شاشة الناقد

شاشة الناقد

Criminal ‬(**)
إخراج: أرييل فرومن ‬
تشويق | الولايات المتحدة | 2016

> لا بد أن بعض الممثلين الذين تجاوزوا الخمسين من العمر يرغبون اليوم المشي في خطى الممثل ليام نيسون (63 سنة) الذي أقبل منذ بضع سنوات على بطولة أفلام أكشن سريعة الإيقاع وتشويقية المنوال، وأنجز عبرها نجاحًا مفاجئًا. إن لم تكن هذه هي الإجابة على السبب الذي من أجله شاهدنا شون بن أخيرا في بطولة فيلم واهن عنوانه «المسلّح» (The Gunman) والذي من أجله يعود جون ترافولتا إلى العمل في فيلم أكثر وهنًا وركاكة عنوانه «أنا غضب» I Am Wrath.
في كلتا الحالتين رجل يحمل ماضيًا يحاول إخفاءه لكن الماضي لا يرحم، وسيزور ذلك الرجل ليعيده إلى حلبة صراع ما.
هذا السبب يبدو الأقرب إلى الاستنتاج إذا ما تساءل بعضنا عن الدافع الذي من أجله يرضى كَفن كوستنر بالانتقال من نوعية أفلامه السابقة مثل «يرقص مع الذئاب» و«سهل مفتوح» و«ثلاثة عشر يوما» و«حقل من الأحلام» ليقبل بطولة أفلام مثل «ثلاثة أيام للقتل» في العام الماضي و«مجرم» في هذا العام.
«جريمة» ليس فيلمًا رديء الصنع بقدر ما هو فيلم لا ضرورة له. يدور حول عميل للمخابرات الأميركية اسمه بِل بوب (رايان رينولدز) نراه في مطلع الفيلم وهو يتسلم حقيبة مليئة بالمال محاولاً بعد ذلك الهرب من مطارديه. عندما يصل رجال المخابرات لإنقاذه يجدونه في الرمق الأخير. البديل هو إخراج سجين اسمه جريكو ستيوارت (كَفن كوستنر) وأخذ مخ بل بوب وزرعه في مخ جريكو (تحت إشراف الطبيب تومي لي جونز) لعل جريكو يدل رجال المخابرات ورئيسهم كواكر (غاري أولدمان) على المكان الذي أخفى فيه بل المال قبل وصول مطارديه إليه.
ما يلي ذلك هو المزيد من النهش في جثّة الفيلم ذاته. الحكاية حتى نصف الساعة الأولى رست على أن جريكو نفسه بات طريدًا للمخابرات ولذات الزمرة الإرهابية التي قتلت، بل والتي تريد الوصول إليه. وأن الطرفين لم يقدّرا جريكو حق قدره، فهو ليس طريدة سهل اصطيادها، بل مجرم متمرس في الأصل وإلا لما دخل السجن.
على رقبة جريكو ترتسم بقعة بشعة حمراء هي من آثار العملية التي أجريت له. ما لا يرتسم بالوضوح ذاته هو إيضاح تصرفات هذه الشخصية التي تدخل وتخرج في شخصية بل بوب متى حلا للسيناريو ذلك.
لا أستطيع القول إن الفيلم بدأ من نقطة عالية وانحدر، بل من نقطة دون المتوسط ثم تابع انحداره. إلى جانب أن الاستطرادات بعد تأسيس القضية التي ننظر فيها لم تزد الفكرة إلا سخفًا، هناك حقيقة أن الفيلم يفقد نبرته الخاصة بقدر ما يفقد بطله توجهه من حين لآخر. كوستنر ممثل جيّد (النقطة الإيجابية الوحيدة في الفيلم) لكنه لا يستطيع إنقاذ فيلم. الأسوأ أن غاري أولدمان يتصرف برعونة، لكي يبرر للمشاهدين أخطاءه وأخطاء «سي آي إيه». في الواقع، الذي كان من الأفضل استعارة شيء منه هنا، لن ينجح رئيس أكبر جهاز مخابرات في تولي مرتبة حارس عند الباب الخارجي لو كانت تصرفاته كما نرى.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).