هدوء حذر يخيم على حلب.. و«الجيش الحر» يتهم النظام بـ40 خرقًا لمناطق سيطرته

خيّم الهدوء الحذر أمس الخميس على مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، غداة دخول الاتفاق الأميركي - الروسي على التهدئة حيّز التنفيذ، بدءًا من الساعة الواحدة من فجر الخميس. ولكن على الرغم من إعلان جيش النظام التزامه بالهدنة طيلة المهلة المحددة بـ48 ساعة، فإن «الجيش السوري الحر» أكد أن «أكثر من 40 خرقًا حصل من قبل قوات النظام، عبر قصفها لمناطق سيطرة المعارضة داخل حلب وفي أطرافها».
وسائل إعلام موالية للنظام أذاعت بيانًا لجيش النظام، قال فيه الأخير، إنه «سيلتزم بنظام التهدئة في حلب لمدة 48 ساعة، بدءًا من الساعة الواحدة صباح يوم الخميس»، وادعت أن «الهدوء النسبي ساد في المدينة بعد أسبوعين من القتل والدمار». واتهمت في بيان باسم جيش النظام من أسماهم «متشددين إسلاميين» بـ«خرق الاتفاق الليلة الماضية من خلال قصف عشوائي لأحياء سكنية خاضعة لسيطرة الحكومة في المدينة».
في هذا الوقت، قال مصدر عسكري في «الجيش السوري الحر» إن الساعات الماضية «شهدت أكثر من 40 خرقًا للهدنة من قبل النظام وحلفائه». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «الخروق تركزت في المناطق الواقعة غرب المدينة، وأكثرها في منطقة (فاميلي هاوس) وأطراف حلب الجديدة، التي استعادت المعارضة السيطرة عليها قبل أيام، كما حصلت خروق متفرقة وقصف على حيي صلاح الدين والراشدين، ومنطقة حندرات الخاضعة لسيطرة المعارضة شرقي حلب».
أكد البيت الأبيض أن اتفاق تمديد وقف الأعمال العدائية في شمال سوريا، الذي بدأ سريانه منتصف ليل الأربعاء (بتوقيت دمشق) أدى إلى خفض حدة العنف والقتال، لكنه اعترف في الوقت نفسه بوقوع خروق للاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن وموسكو.
جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، قال أمس، «بعد توقيع الاتفاق (الأميركي - الروسي)، وبدء سريانه رأينا تراجعا في حدة العنف. ولا بد من التأكيد أن كل الأطراف تستفيد من تنفيذ اتفاق الهدنة ووقف الأعمال العدائية بما يحقق انفراجة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وهناك اجتماع كبير من المجتمع الدولي، ونعزز جهودنا لأن الالتزام بالاتفاق يشكل أولوية لنا». إلا أن المتحدث أردف: «إلا أننا مستمرون في القلق حول بعض الخروق، ذلك أن هناك مناطق هدأت فيها وتيرة العنف لكن ما زالت تسجل خروقا في حلب وفي أماكن أخرى في سوريا».
يذكر أنه اتفقت كل من الولاية المتحدة وروسيا على اتفاق لتمديد وقف الأعمال العدائية لمدة 48 ساعة، بدءا من منتصف ليل الأربعاء، وركز الاتفاق بشكل خاص على وقف القتال في مدينة حلب بعد إقدام قوات الأسد على تصعيد القتال على مدى الأسبوعين الماضيين.
من ناحية ثانية، ورغم تحذيرات وزير الخارجية الأميركي جون كيري بضرورة الالتزام الكامل «بوقف القتال من جانب النظام والمعارضة على حد سواء»، فإن الاتفاق الأميركي - الروسي لم يتضمن أي عقوبات للطرف الذي يخرق الاتفاق، كذلك لم يوفر الاتفاق أي ضمانات من أي طرف للامتثال بشكل حاسم بالهدنة ووقف الأعمال العدائية.
وكان كيري قد قال في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، مع مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيرني: «أريد أن أكرر أنه لن يجري التسامح أبدا مع الهجمات على السكان المدنيين في سوريا، ونحن ننظر إلى روسيا بصفتها شريكا في رئاسة المجموعة الدولية لدعم سوريا وتستطيع الضغط على نظام الأسد للامتثال، وستقوم الولايات المتحدة بدورها فيما يتعلق بالمعارضة وكذلك جميع الأعضاء الآخرين في المجموعة». ولم يحدد وزير الخارجية الأميركي الخطوات التي ستتخذها واشنطن في حال استمر قصف المدنيين، ولكن «واشنطن تأمل في أن تسير الأمور إلى التهدئة ووقف للأعمال العدائية بما يسمح بإجراء جولة جديدة من المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة».
وبالتزامن مع الخروق والقصف على مناطق المعارضة داخل مدينة حلب، فإن بلدة نبّل ذات الغالبية الشيعية، تعرضت لقصف بقذائف الهواوين، إلا أن المصدر العسكري أوضح أن «لا علاقة للجيش الحر بهذا الخرق»، وأضاف أن «الذين قصفوا نبّل تابعين لمجموعات إسلامية ليست ملتزمة بالهدنة أصلاً، ولا يعترفون بها، ونحن الجيش الحر نؤكد التزامنا حتى هذه اللحظة (مساء أمس) بالهدنة».
المصدر العسكري نفسه شكك بصمود الهدنة؛ لأنها «تعطي النظام فرصة لالتقاط الأنفاس بعد الضربات القوية التي تلقاها أخيرًا». وتابع: «في العلم العسكري، مهلة 48 ساعة تساعد النظام على إعادة الانتشار ورفع السواتر الترابية، واستقدام التعزيزات العسكرية، وهذا ما يريده بعد المعارك الأخيرة، التي طالت للمرة الأولى مناطق كانت هادئة نسبيًا وبعيدة عن التوتر».
من ناحية ثانية، قال متحدث باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تمثل المعارضة السورية الرئيسية أن «الهيئة» تدعم اتفاق التهدئة، لكنها تريد وقفا للأعمال القتالية يشمل جميع أنحاء سوريا ولا يقتصر على حلب وحسب. واتهمت الهيئة الحكومة بانتهاك التهدئة.
وفي المقابل، مع الساعات الأولى لسريان الهدنة، أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد، أن بلاده «لن تقبل بأقل من الانتصار النهائي على مقاتلي المعارضة في مدينة حلب... وفي جميع أنحاء البلاد»، وذلك في برقية شكر على الدعم العسكري وجهها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذا، وأطاح تصاعد القتال في حلب بأول اتفاق رئيسي لوقف الأعمال القتالية، رعته الولايات المتحدة وروسيا وبدأ سريانه في فبراير (شباط) الماضي. بينما نقلت وكالة «رويترز» عن سميح توتنجي، أحد سكان المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، أنه «رغم تحليق الطائرات الحربية طوال الليل، لم تحدث غارات مكثفة كالتي وقعت على مدى أكثر من 10 أيام من القصف الجوي العنيف». وتابع المواطن السوري الذي يعيش في حي الشعار: «إن السكان في بعض الأحياء خرجوا من بيوتهم، وإن عددًا من المتاجر فتحت أبوابها، كما أن المدنيين شعروا بوجود اتجاه عام نحو التهدئة». وأشار توتنجي إلى أن «المناخ إيجابي منذ الليلة الماضية وخرج الناس لشراء اللوازم وفتحت المتاجر أبوابها، ولم نسمع أصداء القصف والتفجيرات التي اعتدنا عليها»، واستطرد قائلا: «يكفي هذا القتل اليومي الذي استمر لأكثر من 10 أيام».
إلى ذلك، أوضح مصدر في المعارضة لوكالة رويترز» أنه «على الرغم من إطلاق النار المتقطع عبر الجبهات الرئيسية في المدينة، فإن حدة القتال هدأت، ولم يسمع أي قصف للمناطق السكنية». وأردف: «إن القتال العنيف الوحيد الذي وردت أنباء عنه، دار في ريف حلب الجنوبي قرب بلدة خان طومان، حيث يتحصن مقاتلو «جبهة النصرة» بالقرب من معقل لمقاتلين مدعومين من إيران».